سيكون الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020 يومًا لا يُنسى في تاريخ الأغذية المصنعة، فقد وافقت سنغافورة على استخدام اللحوم المصنعة في المختبر، لتكون بذلك أول دولة تفعل ذلك، مع توقعات بأن تحذو بضع دول شرق آسيوية حذوها، فكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مستقبل الغذاء الإنساني؟
ما هي الأغذية المزروعة في المختبر؟
بدأت تجارب صناعة اللحوم في المختبر منذ سنوات عدة، فعملية التصنيع – التي تبدأ بالعضلات الحيوانية والدهون المزروعة من الخلايا الجذعية في أطباق صغيرة – كانت تفشل دائمًا في توفير القوام اللازم لقطع اللحم الكبيرة مثل شرائح اللحم.
لكن علماء في جامعة هارفرد تمكنوا – بحسب مجلة Science of Food – لاحقًا من إيجاد طريقة لتقليد شكل ونكهة اللحوم الحقيقية عن كثب، من خلال تنمية خلايا عضلات الأبقار والأرانب على سقالة من الجيلاتين. قال لوك ماكوين الباحث في جامعة هارفرد الذي قاد الدراسة: “لقد أظهرنا أنه يمكن تعديل نوع ألياف السقالة لتجربة المزيد من القوام والأذواق والملامح الغذائية المعقدة، إن تكرير هذه التقنية وغيرها يمكن أن يساعد المزيد من الناس، على اعتبار أن اللحوم المزروعة في المختبر بديل مستدام وأخلاقي اللحوم التي يتم تربيتها للذبح”.
في عملية النمو العادل داخل الجسم، تحصل مجموعات من الخلايا على دعم مما يصفها علماء التغذية “مصفوفة” تقع خارج الخلية، ويتكون الدعم من الماء وبروتينات الكولاجين والعناصر الغذائية المختلفة، وتوفر المصفوفة خارج الخلية أيضًا إشارات أساسية للنمو وتوجيه الخلية والتمايز.
يقول كيفين كيت باركر، وهو مهندس بيولوجي في جامعة هارفرد وأحد مؤلفي الدراسة: “تحتاج خلايا العضلات إلى هيكل لتنمو عليه بنفس الطريقة التي تحتاج بها جدران المبنى إلى إطار فولاذي أو يحتاج المنزل إلى هيكل عظمي خشبي”.
لتقليد هذه البيئة الخلوية، قرر الدكتور باركر وزملاؤه صنع سقالات من تركيزات مختلفة من الجيلاتين، وهو منتج بروتيني مشتق من الكولاجين، قال الدكتور باركر إنه عندما يتم طهي قطع اللحم الغنية بالكولاجين مثل لحم البقر، فإن الحرارة تذوب بشكل طبيعي ألياف الكولاجين إلى جيلاتين أكثر نعومة، ما يمنح اللحم ملمسًا عصاريًا.
ولصنع ألياف الجيلاتين الدقيقة، أذاب الباحثون مسحوق الجيلاتين المتاح تجاريًا في الماء وغزلوه مثل حلوى القطن. يسمح تدوير الملاط الجيلاتيني بسرعات عالية بتكوين الألياف في الجزء السفلي من الدوار، وباستخدام الإنزيمات، قام الباحثون بعد ذلك بربط الألياف بشكل متقاطع لتشكيل بنية منسوجة قوية للخلايا لتنمو عليها.
خلال العملية، ارتبطت خلايا الأرانب والبقر بسقالة الجيلاتين، ونمت حتى تشكلت نحو بوصة مربعة من العضلات، ولاختبار ما إذا كان المنتج النهائي يشبه ملمس وسلوك اللحوم التي يستخدمها الطهاة في المنزل كل يوم، أجرى الباحثون مجموعة متنوعة من تحليلات صناعة الأغذية: محاكاة الطهي عن طريق تسخين اللحوم المزروعة في المختبر على طبق ساخن وضغطها بمطرقة اللحم وقياس القوة اللازمة لتقطيع كل قطعة من اللحم، ووجدوا أن لحومهم المزروعة في المختبر يمكن تصنيفها ما بين الهامبرغر ولحم البقر.
تقنية بناء العضلات، لا تقتصر على صناعة الأغذية فحسب، بل استوحى منها العلماء فكرة أن الأنسجة قد تستخدم يومًا ما لإصلاح الأعضاء، ففي بحث نشرته مجلة ناشينال جيوغرافيك، قام علماء ببناء عضلات مشابهة لتلك التي في قلب الإنسان من أنسجة السبانخ، فقد حولوا أوراق السبانخ إلى سقالات عن طريق إزالة جميع خلايا النبات واستخدام جدران الخلايا الفارغة كإطار لنمو الأنسجة الحيوانية، وعدلت مجموعات أخرى التفاح والخرشوف وجذور الفطر التي تشبه الخيوط.
تعمل شركات الزراعة الخلوية أيضًا على ابتكار سقالات من مواد طبيعية مثل السليلوز والنشا والألجينات، التي قد تكون ميسورة التكلفة أكثر من السقالات الأخرى.
هل يأكلها الناس؟
لكن التحدي الأكبر للحوم المصنعة محليًا هي قبول المستهلكين وسعر التكلفة، ففي المراحل الحاليّة يقول المصنعون إن تكلفة قطعة اللحم الكبيرة تساوي 50 دولارًا، وهي مقاربة لسعر اللحم العادي بنفس الوزن، لكن نجاح التجربة في سنغافورة قد لا يعني بالضرورة نجاحها في البلدان الأخرى ومنها البلدان المسلمة على سبيل المثال.
يقول جوش تيترك مدير شركة “eat just” المتخصصة في استنبات اللحوم مختبريًا: “مجال صناعة اللحوم في المختبر يفتح مجالًا واسعًا في تصنيع الأغذية، وهو يقلل الضرر الناتج عن ذبح الحيوانات، فاللحوم التي ننتجها لها نفس طعم اللحوم العادية، لكن الأمر يعتمد فقط على ردة فعل المستهلكين، نحاول العمل على التواصل معهم بشكل شفاف لإقناعهم بالمشروع”.
تبقى العقبة الكبرى التي تواجهها الأغذية المصنعة، مجموعات الضغط الأمريكية المرتبطة بالثروة الحيوانية والزراعة
مشكلة أخرى يواجهها المشروع، وهي المرافق الحيوية التي تستخدم في هذه الصناعة، يقول جريجوري زيجلر، أستاذ علوم الأغذية في جامعة ولاية بنسلفانيا: “قبل أن تصبح اللحوم أو الأسماك المستزرعة عنصرًا أساسيًا في وقت العشاء، يجب على الشركات أيضًا التغلب على تحديات الحجم. إنهم بحاجة إلى تحسين الوسائط التي تنمو فيها الخلايا وترتيب مرافق مفاعل حيوي كبير لاستنبات أحجام هائلة من الخلايا بوتيرة تتناسب مع طلب العملاء. استغرق الأمر من شركة “Wild Type” ثلاثة أسابيع ونصف لإنشاء رطل من سمك السلمون لمعرض تذوق في ولاية بورتلاند الأمريكية.
وتبقى العقبة الكبرى التي تواجهها الأغذية المصنعة، مجموعات الضغط الأمريكية المرتبطة بالثروة الحيوانية والزراعة، فهذا المجال لا ينافس تجارتهم فقط، وإنما يشكل بديلًا يجده مروجو التغييرات المناخية وحقوق الحيوان مناسبًا أكثر للاستهلاك من الحيوانات المذبوحة. فما مصير الأغذية في المستقبل؟