من يقرأ في كتب التاريخ يجد أن التاريخ دائمًا يتحدث عن الفاعل، هتلر من صنع مجدًا لألمانيا، موسوليني في إيطاليا، نابليون بونابرت من قاد حملة فرنسية على الشرق، وحتى في التاريخ الإسلامي يتحدث عن صلاح الدين وانتصاره في حطين، يتذكر دخول عمر بن الخطاب إلى القدس الشريف.
وحتى في اللغة العربية الفاعل يبقى مرفوع الرأس إعرابًا وبلاغةً وأدبًا، وفي السياسة أيضًا من يستطيع تغيير المعادلة هو من يمتلك أدوات الفعل ولا يكون أبدًا المفعول به صاحب وزن سياسيًا أو حتى شعبيًا.
قد تغلبك الأحداث وتعلو عليك الأمواج وتتوالى عليك الضربات فتنتقل من خانة الفاعل إلى خانة المفعول به اضطراريًا ولفترة محدودة، ولكن الكارثة تتلخص في محاولتك بأن تسوق لنفسك ولقواعدك ودوائرك، المبررات بأنك مفعول به وتأتي بأمثلة من هنا ونماذج من هناك لتثبت للجميع أن ما يحدث هو مرحلة طبيعية تمر بها الأمم وأن ما حدث لك هو امتداد طبيعي لطريق المحن والابتلاءات التي لم تتعلم منها كيف تنتقل من خانة المفعول به إلى خانة الفعل.
سنوات طوال مرت وأنت تعيش في خانة المفعول به وطيلة هذه السنوات تتلقى الضربات تلو الضربات وتمر المحنة تلو المحنة وفي كل مرة تبقى وتظل في نفس الخانة مفعولاً بك من قبل قوى محلية وإقليمية ودولية، لم تمتلك المبادرة ولو لمرة واحدة كي تنتقل لمربع الفعل، حتى في نزولك للثورة منذ بدايتها ترددت أن تكون فاعلاً، في صراعك مع العسكر لم تواجهه وأجبرك أن تظل في خانة المفعول به، في مشاركتك في انتخابات برلمانية بتحالفات أنت تعلم أنها ستضربك في ظهرك، في تعاملك مع قوى ثورية كانت في مربع الفعل وقتها وبقيت أنت في مربع المفعول به، حتى عند قرارك بصدارة المشهد عن طريق الصندوق تعاملت منذ اللحظة الأولى وكأنك مفعولاً به، فكانت المبررات والبراهين والأدلة أن المواجهة صعبة وأن التركة ثقيلة، وأن قرار النزول جاء بعد التهديد بحل البرلمان وأن المجزرة كانت آتية لا محالة، ثم تم حل مجلس الشعب بالفعل وتمت المجزرة بل قل المجازر ولازالت.
طوال عام كامل من صدارتك للمشهد لم تكن فاعلاً وإنما فُعل بك فكنت مفعولاً به طيلة الثلاثمائة وخمسة وستين يومًا، وكانت الكارثة في استمرار تعاملك بنفس الطريقة، وما مقولة الرئيس في أول يوم توليه إلا شاهدًا على ذلك، فقد قال لأسرته وفقًا لما روته ابنته “إني سأقتل أو أحاكم ولن يتركوني”.
ثم عام ونصف منذ انقلاب الثالث من يوليو ولم تأخذ مبادرة واحدة تجعلك في خانة الفعل، تشكل التحالفات والكيانات بنفس الرموز والقيادات، تصدر بيانات إدانة وتصعيد ثوري ولا تصعد، تتحدث عن قضايا دولية ويتم رفضها، تتحدث عن حراك دولي ورفض عالمي للرجل وسياسته ونظامه فيخطب الرجل في الأمم المتحدة.
اكتفاؤك فقط بالفرح والتهليل بتقرير يكتب في النيويورك تايمز يتحدث عن انقلاب عسكري وانتهاكات حقوقية وغياب الديموقراطية لا يعبر عن أي انتصار لك، فأنت أيضًا هنا مفعولاً بك تنتظر الإنجاز من غيرك ولا تصنعه أنت.
يتم ترحيل قيادات أكبر الفصائل المعارضة للانقلاب من الدولة تلو الدولة ولا تجد لك رؤية واضحة للتعامل مع ملفات كهذه، تتعامل مع الساسة بمنطق “هذا رفع إشارة رابعة .. إذن فهو يحبني”.
تنشر تصريحًا لوزير من هنا ورئيس من هناك وهو يتحدث عن انقلاب عسكري فتنشره صحف تابعة لك ومواقع إلكترونية لازالت تعمل وقنوات فضائية تحاول أن تنتقل هي الأخرى من خانة المفعول به إلى خانة الفاعل، وتخرج قيادات ورموز تتحدث وتكتب تصريحات وكأن الأزمة انفرجت، ولكن الحقيقة أنك لاتزال بداخل خانة المفعول به وما هذه التصريحات إلا خدمة لمصالح دول يمثلها هؤلاء المسئولين.
وحتى في المقولة الشهيرة التي قالها رموز المعسكر المعارض للانقلاب على مدار عام ونصف بأنه “يترنح الانقلاب” فهنا أيضًا الانقلاب فاعل وليس مفعولاً به وياللعجب.
جربوا ولو لمرة واحدة أن تنتقلوا لخانة الفاعل الحقيقي، امتلكوا أدوات الفعل، ابتعدوا عن ردة الفعل، وكفاكم رضا وقبولاً لدور المفعول به، فالتاريخ يصنعه الفاعلون.