عنونت بعض الصحف التركية أعدادها الصادرة اليوم باقتباس لجملة شهيرة جدًا في تركيا يقول: “المسألة ليست كوباني فقط .. ألم تفهم بعد؟” ، وذلك للإيحاء للجملة الأصلية التي قالها أحد المشاهير الأتراك عند اندلاع أحداث ميدان Gezi في صائفة 2013 وهي “المسألة ليست ميدان Gezi فقط .. ألم تفهم بعد؟”، حيث اعتبر كثيرون أن قائلي تلك الجملة انحرفوا باحتجاجات ميدان Gezi من مظاهرة شارك فيها عشرات المدافعين عن الطبيعة إلى احتجاجات واسعة تطالب بإسقاط الحكومة وبإلغاء مشاريع استراتيجية كبرى وبتغيير السياسات الخارجية للبلاد.
وكان رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، قد علق صراحة على الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها تركيا خلال اليومين الأخيرين قائلاً: “كل المواطنين سواسية في تركيا، ونحن نحمي حقوق الجميع، ولكن على الذين يريدون تكرار ما وقع خلال أحداث ميدان Gezi أن يعلموا أن شعبنا بات واعيًا بهذه الأمور”.
وبعد اجتماع للمجلس الأمني التركي دام حوالي ثلاث ساعات ونصف، وتناول التطورات الأمنية الواقعة داخل تركيا والمتمثل في الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها 5 محافظات تركية ذات أغلبية كردية وأدت إلى مقتل أكثر من 20 مواطن تركي، وتناول أيضًا التطورات الأمنية الواقعة في سوريا وعلى الحدود التركية وبالتحديد في مدينة عين عرب التي يطلق عليها الأكراد تسمية كوباني؛ تحدث أحمد داوود أوغلو عن عدد من النقاط ومن أهمها أن الحكومة لن تتساهل مع مستخدمي العنف وستحاسب جميع المتورطين في إثارتها سواء كانوا أفرادًا أو تنظيمات غير قانونية أو أحزاب سياسية، مشيرًا بالاسم إلى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ثالث أكبر أحزاب المعارضة التركية، محذرًا إياه من خطورة الموقف الذي يتبناه وتسببه في اندلاع أعمال العنف.
وكان حزب الشعوب الديمقراطي قد دعا أنصاره للتظاهر دون تراخيص قانونية، كما أعلن قياديوه في ندوات صحفية أن عدم رضوخ الحكومة التركية لمطلب دعم المقاتلين الأكراد في عين العرب، الموالين لحزب العمال الكردستاني، وسقوط المدينة في أيدي داعش سيجعل الأكراد ينسحبون من مفاوضات السلام ومشروع السلام الداخلي الذي تتبناه الحكومة والذي بعمل على إنهاء الصراع بين ذوي الانتماء الكردي في تركيا والدولة التركية والذي استمر لعقود ومر بمراحل عنيفة جدًا نفذ خلالها الأكراد عمليات عسكرية عنيفة ضد أهداف تركية كثيرة واستخدمت الدولة التركية خلالها الجيش لردعهم.
وأدت الاحتجاجات العنيفة إلى حد الآن إلى مقتل أكثر من 20 مواطن 2 منهم قتلوا بعد إصابتهم بقنابل غاز أطلقتها الشرطة، في حين قتل الآخرون في مواجهات مسلحة بين مجموعات مختلفة من المحتجين ومن الرافضين لهم، حيث كان المحتجون يرفعون شعارات انفصالية مثل علم كردستان وصور عبد الله أوجالان ويحرقون صور مصطفى كمال أتاتورك؛ مما يجعل باقي المواطنين الأتراك وخاصة القوميين المتشددين يحتجون ضدهم وهو ما يؤدي إلى نشوب أعمال العنف يصعب على أجهزة الشرطة السيطرة عليها.
ورغم أعداد المصابين، لا تجد الاحتجاجات تفاعلاً إيجابيًا عند أغلبية الشعب التركي، إذ أن أنصار الحكومة يعارضونها بشكل قاطع، في حين يعارضها الشق القومي من المعارضة لأنها تقوم على أساس قومي غير تركي – أي كردي – ويسكت عنها الشق العلماني من المعارضة لأن معظم الداعين لها كأشخاص أو كتنظيمات يحملون عداءً كبيرًا لمصطفى كمال أتاتورك، كما أن المحافظات التي تتمركز فيها الاحتجاجات هي محافظات ساخنة بطبعها، وخاصة منها محافظة ديار بكر، حيث كان تنظيم حزب العمال الكردستاني نشطًا بشكل كبير فيها ولم تتوقف أعمال العنف داخل هذه المحافظات سوى في السنتين الأخيرتين بعد نجاح الحكومة التركية في التفاوض مع قيادات التنظيم ضمن مشروع السلام الداخلي.
ومع اعتماد الحكومة للحل الأمني لوقف الاحتجاجات العنيفة، واستعانتها بالجيش لفرض حالة حظر التجوال في عدد من المحافظات الساخنة، يفترض أن يمضي أحمد داوود أوغلو في خياره المعلن بعدم دعم المقاتلين الأكراد في مدينة عين عرب، بسبب تحالفهم مع نظام بشار الأسد وولائهم لحزب العمال الكردستاني المصنف في قائمة التنظيمات الإرهابية في تركيا.
وفي ظل إعلان فرنسا عن دعمها للحل التركي للأزمة السورية، وإعلان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة ومناقشة هذا الحل، يفترض أن تمضي تركيا في تسويق رؤيتها للأزمة السورية والمتمثلة في توفير مناطق آمنة داخل سوريا خالية من مقاتلي داعش ولا تصلها طائرات الأسد ويديرها الجيش السوري الحر بالتنسيق مع التحالف الدولي.