ترجمة وتحرير: نون بوستخص
بعد انقضاء عدة سنوات من التوسعات الهائلة للشركات المملوكة للجيش، يقول المسؤولون المصريون إن التغيير يلوح في الأفق. يعمل صندوق الثروة السيادية الجديد في البلاد على تهيئة مجموعة من تلك الشركات لبيع أسهمها لمستثمرين من القطاع الخاص؛ مع إمكانية بيع أسهم أخرى في البورصة المصرية. وحسب ما ورد، يعتزم الصندوق تولي الاستثمار في الشركات بنفسه.
صرحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد بأن بيع الشركات العسكرية سيمثل “تحولًا تاريخيًا في هيكلة الاقتصاد المصري“. لكن هذا التحول قد يكون أقل شأنا مما يبدو عليه، إذ قد تكون النتيجة النهائية ترسيخ اعتماد القطاع الخاص على النمو الذي تقوده الحكومة، لتعزيز الاتجاه السائد منذ سنوات.
لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود بوادر تغيير في الأفق. فمن أجل بيع أي أسهم سيتعين على الجيش نشر تقييمات الشركات المعنية. وقد جرت العادة أن تكون الشؤون المالية للجيش وجميع أعماله بعيدة عن متناول عامة الناس بتعلة أن الكشف عنها يهدد الأمن القومي. أما الآن، لابد من إسقاط الحجة القائلة إن الموارد المالية لمصانع معالجة الأسماك ومصانع المعكرونة من أسرار الدولة الحساسة لدفع الاستثمار.
مع ذلك، يظل مدى ما سيتم الكشف عنه غير واضح. رغم لزوم الإفصاحات العلنية لبيع الأسهم في البورصة، لطالما قام الجيش بوضع استثناءات للقواعد وفقا لمصالحه ومشاريعه، لكن تبنيه النهج ذاته في البورصة المصرية سيهدد موثوقية المعاملات.
يبدو أن الجيش قد استنتج أنّ بإمكانه تقبّل قدر معين من الشفافية مقابل الوصول إلى رأس المال من خلال بيع الأسهم. وقد يكون ذلك الدافع الرئيسي وراء التطور الأخير في النمو الذي تقوده الدولة، الذي أصبح سمة مميزة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. سيتمكن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، التابع لوزارة الدفاع، من جمع رؤوس الأموال بالاعتماد على سوق القطاع الخاص لدعم استثماراتها وعمليات التوسع، بدلاً من الاعتماد على التدفق النقدي والقروض من البنوك الحكومية.
الوصول إلى الموارد المالية للشركات العسكرية غير ممكن حتى بالنسبة لمراجعي حسابات الدولة
أوضحت السعيد أن الحكومة لن تنسحب من السوق، بل تدعو القطاع الخاص للاستثمار معها. كما أوضح الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، أيمن سليمان، أن عروض استثمار أكثر استدامة “تتمحور حول شراكات بين القطاعين العام والخاص، مقابل الخصخصة فقط”.
على أي حال، لن تضمن “الخصخصة” وضع حد لتدخل الشركات التي تتمتع بولاءات سياسية. فخلال فترة رئاسة حسني مبارك، استولت النخب الحاكمة بانتظام على الشركات المخصخصة من خلال امتياز الوصول. وكان من المتوقع أن يساهم المشترون في الحزب الحاكم والمبادرات والحملات الرئاسية.
يعتبر الوصول إلى الموارد المالية للشركات العسكرية غير ممكن حتى بالنسبة لمراجعي حسابات الدولة، ولا تتدفق أرباحها إلى خزائن الدولة، وإنما تظل حصرًا تحت تصرف المؤسسة العسكرية. وخلافا للشركات التقليدية المملوكة للدولة، فإن هذه الشركات قادرة على فرض المزيد من الإكراه على المنافسة مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص.
إن هذه الجهود الجديدة لزيادة رأس المال من خلال الاستثمارات الخاصة، تأتي في إطار تطوير الاقتصاد السياسي لحكومة السيسي التي بدأت تتشكل منذ انقلاب 2013. وتلعب الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية دورًا مهمًا في نماء الاقتصاد المصري.
كان التحفيز الحكومي المكرس للمشاريع الضخمة وتطوير البنية التحتية الكبيرة سببًا في دفع النمو في السنوات الأخيرة. وكثيرًا ما يتم توجيه العقود الخاصة بهذه المشاريع إلى الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية دون دون تنظيم مناقصات تنافسية. ثم تقوم الشركات العسكرية بالتعاقد على قسم كبير من العمل مع الشركات الخاصة. وهذا من شأنه أن يمكّن الجيش من تحديد الفائزين والخاسرين في القطاع الخاص، وضمان اعتمادهم على الحكومة للوصول إلى الإنفاق الحكومي.
إن بيع الأسهم سيمنح الجيش حق الوصول إلى الثروة المملوكة للقطاع الخاص التي لها وجهات بديلة قليلة. نظرا لظروف الاستثمار غير المواتية، يقع تقييد الكثير من الثروة الخاصة للبلد في استثمارات عقارية وودائع مصرفية عالية الفائدة. وقد ساهمت مجموعة المزايا الرسمية غير القابلة للمنافسة التي تتمتع بها الشركات المملوكة للدولة، إلى جانب توسعها الهائل، في انكماش القطاع الخاص.
لا تسمح السيطرة على إنتاج الثروة وتوزيعها للحكومة بشراء الولاءات فحسب، بل تمنع أيضا ظهور أي منافسة
كان الكثيرون من مجتمع الأعمال المصري متحفظين – بشكل مفهوم – بشأن التنافس المباشر مع الشركات العسكرية. الآن، ربما يكون الجيش قد وجد طريقة للوصول إلى رؤوس أموالهم المتوقفة وزيادة تشابك مصالحهم. الهدف ليس مجرد تجميع الثروة، وإنما التحكم في كيفية تجميع الثروة ومن يقوم بذلك.
لا تسمح السيطرة على إنتاج الثروة وتوزيعها للحكومة بشراء الولاءات فحسب، بل تمنع أيضا ظهور أي منافسة. إذا كانت مصر ستنتقل إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص – وهو ما كان من المفترض أن تسهله عمليات الإنقاذ المتكررة من صندوق النقد الدولي – فإن ذلك يعني أن الشركات الخاصة ستكون قادرة على إنتاج الثروة وتوزيعها بشكل مستقل. كما أظهر عدد من التقارير المستقلة، فإن التدخلات العدوانية في الاقتصاد من قبل الشركات المملوكة للدولة قد أعاقت الاستثمار المحلي والأجنبي وأدت إلى انكماش القطاع الخاص.
المصدر: بلومبيرغ