إيران والبحث عن رضا شاه إسلامي

يعد حسين دهقاني مستشار خامنئي لشؤون الصناعات الدفاعية (يمين) أحد أبرز المرشحين لخلافة روحاني (يسار)

عند النظر إلى طبيعة النظام السياسي الإيراني، نجد أنه يعاني من تحديات كبيرة، أبرزها تحدي الخلافة وتحدي الشرعية التاريخية للحرس الثوري، وهي تحديات كافية لتشكل مصدر قلق مزمن للمرشد الأعلى علي خامنئي، وعلى الرغم من نجاح التيار المحافظ في الهيمنة على مجلس الشورى في انتخابات 21 من فبراير/شباط 2020 والتغيرات العسكرية التي قام بها خامنئي في الحرس الثوري، إلا أنها ليست كافية لتهدئة الداخل وتحقيق الاستقرار، خصوصًا أن هناك شارعًا إيرانيًا بدأ متحمسًا اليوم للتفاعل مع أي جهد دولي للإطاحة بالنظام الحاكم في طهران.

أشارت الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التي انبثقت عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، إلى تصاعد حدة الهجمة التي يتعرض لها الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بعد سلسلة من الانتقادات التي تعرضوا لها بفعل الدبلوماسية النووية مع القوى الكبرى، التي لم تجلب لإيران سوي مزيد من العقوبات التي طالت الاقتصاد، فضلًا عن تزايد حدة الظروف الاجتماعية التي بدأ يعانيها المواطن، وهو وضع بدأ يعرقل جهود الرئيس روحاني لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وتحديدًا بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

التمهيد نحو السلطوية الثورية

بدأت أول ملامح تحرك النظام السياسي في إيران، بدعم وإسناد من خامنئي، لترسيخ قبضة التيار الثوري والمحافظ على الحياة السياسية في إيران، بعد الإجراءات السياسية والدستورية التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور، في منع عشرات المرشحين الإصلاحيين من الترشح لانتخابات مجلس الشورى في 21 من فبراير/شباط 2020، الأمر الذي أدى إلى سيطرة التيار المحافظ على مجلس الشورى بأغلبية ساحقة، فضلًا عن صعود 80 جنرالًا متقاعدًا من الحرس الثوري لعضوية المجلس، وهي سابقة لم تحصل في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ويأتي في مقدمتهم محمد باقر قاليباف رئيس المجلس.

ومن أجل ترسيخ قبضة التيار المحافظ والثوري على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 18 من يونيو/حزيران 2021، صوّت مجلس الشورى على تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، ليمكّن أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي، اللذين يهيمن عليهما المتشددون، من الترشح للانتخابات، وكان خامنئي قد حدد ملامح الحكومة المقبلة في البلاد، قائلًا إنها يجب أن تكون فتية وثورية، فيما يدفع المتشددون باتجاه ما يصفونها “حكومة حرب”، ويريدون رئيسًا من صفوف العسكر والحرس الثوري بالتحديد.

روحاني قرر خلع ثوب المداراة والمراعاة وكسر حاجز التردد والتلميح بشكل موارب، عمّا يعانيه من أزمة في مصادرة صلاحياته على رأس السلطة التنفيذية

وأشارت الشروط الواجب توافرها في مرشحي رئاسة الجمهورية، حفيظة التيار الإصلاحي، كونها ستقطع الطريق على أي منافسة لهم في الانتخابات المقبلة، حيث تضمنت التعديلات، أن يكون إيراني الأصل ولا يحمل جنسية أو إقامة دولة أخرى أو حتى مقدماتها (Green Card) في السابق أو في الوقت الراهن، فضلًا عن كونه مؤمنًا بأيديولوجيا النظام السياسي، وتقديم ما يثبت ذلك، بالإضافة إلى تقديمه برنامجًا انتخابيًا يوضح فيه كيفية خدمة النظام حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.

الرئيس روحاني في موقف محرج

يبدو أن الرئيس روحاني قرر خلال الأشهر الأخيرة من دورته الثانية في رئاسة الجمهورية، خلع ثوب المداراة والمراعاة وكسر حاجز التردد والتلميح بشكل موارب، عمّا يعانيه من أزمة في مصادرة صلاحياته على رأس السلطة التنفيذية، ومنعه من ممارسة دوره كحارس وأمين على تطبيق الدستور، والصراخ بوجه آلة النظام ومؤسسات الدولة التابعة له، أو تلك التي يسيطر عليها مباشرة، مطالبًا بالذهاب إلى الاستفتاء على صلاحيات موقع رئيس الجمهورية، التي وردت في المادة (113) من الدستور، المطالبة بالاستفتاء، تعني أن روحاني فقد الأمل من استجابة الجهة الدستورية المنوط بها رعاية العلاقة بين السلطات الدستورية الثلاث، لمنع الخروق التي تحدث، والتعدي الذي يحصل على مبدأ فصل السلطات، أي المرشد الأعلى، وأنه اختار التصعيد في الفترة المتبقية من رئاسته رغم حساسيتها، وما يبذله فيها من جهود لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

هذه الدعوة التي وجهها الرئيس روحاني لإجراء استفتاء على صلاحيات رئيس الجمهورية، جاءت بعد التحجيم الكبير الذي تعرض له بسبب إقرار مجلس الشورى للخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات في 24 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، التي أنهت جهود الرئيس روحاني في العودة للاتفاق النووي، ما جعله رئيسًا معطل الصلاحيات، يخضع لثلاثة ضغوط رئيسية: مجلس الشورى والسلطة القضائية والمرشد الأعلى، وجميع هذه الدوائر محافظة وثورية، وحتى بعد إحالة الخطة إلى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يعد روحاني رئيسه بحسب الدستور، إلا أنه تفاجأ بتمرير المجلس لهذه الخطة دون علمه، وهو ما يعني أنه أصبح حلقة ضعيفة في جسد النظام السياسي الذي يهمين عليه التيار المحافظ والثوري شيئًا فشيئًا.

الدعوة لرئيس عسكري ثوري حاجة قومية

لا تنظر إيران إلى تولي رئيس ذي خلفية عسكرية، على أنه لأهداف تتعلق بفتح جبهات حرب خارجية، فالنظام الإيراني يتّكل أكثر لتنفيذ مخططاته وأجندته السياسية والدينية، على أذرعه المنتشرة في بلدان عربية، فمسألة تولي عسكري الرئاسة في إيران، لها علاقة مباشرة بطبيعة النظام وإمكانية التنازع بين مؤسساته العسكرية والدينية والتهيؤ أكثر لمرحلة ما بعد خامنئي. 

وفي هذا الإطار، يقول إبراهيم فياض، وهو يعتبر لسان أيديولوجيا المحافظين في إيران: “يجب أن نتحرك نحو السلطوية، وإلا فإننا سننهار، اليوم تتآكل شرعيتنا وتتقوض كفاءتنا ويتعرض تماسك نظامنا للاضطراب، ولا يستطيع إصلاح هذا النظام إلا دكتاتور خيّر، رجل عسكري أو شخص ذو انضباط عسكري”.

كما أشار الاقتصادي الإيراني المعروف سعيد ليلاز، إلى أن إيران بحاجة لـ”رضا شاه إسلامي” يعيد الاستقرار لإيران، وبما أن الحرس الثوري هو أكثر مؤسسة منسجمة في إيران، فإنه من شأن شخصية عسكرية ثورية أن تكون قادرة على تحقيق إجماع وطني خلال المرحلة المقبلة.

الضرورات الإستراتيجية قد تدفع خامنئي إلى التفكير مليًا بحاجة إيران لشخصية عسكرية في موقع الرئاسة، خصوصًا أنه كان قد طرح هذه الفكرة سابقًا

يدرك التيار المحافظ والثوري في إيران، أن المرحلة المقبلة بحاجة لتأكيد سياسة الصمود التي يحث عليها خامنئي باستمرار، وهي وجه آخر للرد على السياسات الأمريكية ضد إيران، فالاتفاق النووي أنتج استقطاب سياسي داخل البلاد، بين تيار محافظ رافض وتيار إصلاحي داعم، ومن ثم فإنه من أجل إنهاء هذا الاستقطاب، لا بد من وصول شخصية تحظى بإجماع الداخل الإيراني، يتحلى بروح جهادية وخلفية عسكرية ونزعة ثورية، وهي مواصفات أكد خامنئي أنها لا بد أن تكون من صفات الرئيس القادم.

تتنافس اليوم العديد من الشخصيات العسكرية للترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يأتي في مقدمتها سعيد جليلي السكرتير السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، إلى جانب حسين دهقاني مستشار خامنئي لشؤون الصناعات الدفاعية وعلي شمخاني السكرتير الحاليّ للمجلس الأعلى للأمن القومي، وشغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وله دور بارز في القضاء على الحركات المعارضة للثورة الإسلامية سنة 1979، وهناك أيضًا برويز فتاح، وهو جنرال سابق في الحرس الثوري ورئيس مؤسسة المستضعفين التابعة لخامنئي.

التيار المحافظ والثوري في إيران اليوم يرى أن وجود شخصية عسكرية على رأس النظام السياسي في المرحلة المقبلة، قد تشكل ضمانة وطنية لبقاء واستمرار النظام، خصوصًا مع تدهور الوضع الصحي لخامنئي، وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية، كما أنه سيكون قادرًا على ضبط توازنات القوى داخل إيران.

إن الضرورات الإستراتيجية قد تدفع خامنئي إلى التفكير مليًا بحاجة إيران لشخصية عسكرية في موقع الرئاسة، خصوصًا أنه كان قد طرح هذه الفكرة سابقًا، وكان ينوي تقديم قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني لهذا الموقع، بعد منحه وسام ذو الفقار عام 2018، تقديرًا لخدماته الجليلة، ولأنه ثاني أقوى شخصية في إيران بعد المرشد، قبل أن تبعثر حادثة مطار بغداد الدولي في 3 من يناير/كانون الثاني 2020، كل أحلام خامنئي بهذا الخصوص.

فالشخصية العسكرية قد تشكل وسيلة لردع الولايات المتحدة عن أي إجراءات تصعيدية ضد إيران مستقبلًا، خصوصًا أنها ستعطي انطباعًا بأن إيران في حالة حرب مستمرة، كما أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها إيران اليوم، بحاجة لمزيد من العمل والجهد لإعادة الثقة بالنظام السياسي، ومن ثم فإن وجود شخصية عسكرية في موقع الرئاسة، ذات خلفية محافظة وثورية، قد تحقيق مزيدًا من التكامل الوظيفي في جسد النظام السياسي، إلى جانب مجلس الشورى والسلطة القضائية، التي تعمل جميعها تحت سلطة وتأثير خامنئي.