نسف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آخر أيام حكمه العلاقات مع الجزائر ووضعها أمام مستقبل مجهول، بعد اعترافه المفاجئ بمغربية الصحراء الغربية مقابل اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، في وقت أكدت فيه روسيا على لسان سفيرها لدى الجزائر إيغور بيلييف تطابق الموقف الروسي الجزائري فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية.
وعلى الرغم من إحياء السفارة الأمريكية للذكرى 225 للتوقيع على اتفاقية السلام والصداقة بين الجزائر وأمريكا التي أبرمت في 5 من سبتمبر/أيلول 1795، والتأكيد على أن العلاقة بين البلدين متميزة، فإن الواقع يقر عكس هذا بالنظر إلى التقاطعات المعقدة التي تشهدها الشراكة الأمنية بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وحتى في طريقة معالجة ملفات المنطقة على غرار أزمات ليبيا ومالي والساحل والصحراء الغربية.
صراع صامت
أماط الملف الليبي اللثام عن اختلاف كبير بين السياسية الجزائرية والأمريكية وأظهر عدم وجود دعم صريح من الجانب الأمريكي للدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، وتأكد هذا المعطى بعد أن رفضت الولايات المتحدة الأمريكية تأييد ترشيح الجزائري رمطان لعمامرة لخلافة اللبناني غسان سلامة الذي استقال مطلع مارس/آذار الماضي لأسباب صحية.
الخلاف ذاته تكرر في ملف الصحراء الغربية بعد اعتراف دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية وضرب عرض الحائط ثلاثة عقود كاملة من الدعم الأمريكي لحقهم في تقرير المصير عبر استفتاء عن الوضع المستقبلي للإقليم وهو القرار الذي قال بشأنه مراقبون إنه سيلغم العلاقات مع الجزائر على الأقل حتى يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية كرئيس جديد لأمريكا.
وبقيت الجزائر خلال حقبة الرئيس الأمريكي الذي سيغادر البيت الأبيض يوم 20 من يناير/كانون الثاني خارج حسابات أمريكا، حيث غابت بوادر التعاون بين البلدين خاصة في المجالين العسكري والاقتصادي، وهو ما أثاره معهد واشنطن في دراسة أعدها سنة 2019 تحت عنوان “روسيا تشق طريقها في شمال إفريقيا”، أوصى فيها إدارة ترامب بضرورة الانفتاح السياسي والاقتصادي، وحذر مما أسماه “غياب موقف حازم من طرف أمريكا تجاه غريمتها روسيا”، واعتبر ذلك بمثابة تحدٍ كبير للمصالح الأمريكية.
وكان التواصل الدبلوماسي خلال فترة حكم ترامب متدنيًا أو معدومًا، فلم يكن هناك أي ارتباط أو مصالح مشتركة أو تبادل للزيارات ما عدا الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي مارك إيسبر الذي حل بالجزائر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في أول زيارة لوزير دفاع أمريكي منذ 15 عامًا، وكانت زيارة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في ظل الرئيس الجمهوري بوش الابن أول زيارة لوزير دفاع أمريكي إلى البلاد منذ عام 1962.
تدشين الخط الجوي هو النتيجة الأولى للصفقة والتصرف الذي يجدد خطوط القوة الإقليمية التي يعود تاريخها إلى الحرب البادرة
يحدث هذا في وقت تحولت الجزائر إلى حليف إستراتيجي للدب الروسي في منطقة شمال إفريقيا، ومن مظاهر العلاقات المتينة بين الجانبين تطابق الموقف الروسي الجزائري بملف الصحراء الغربية خاصة فيما يتعلق بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وهذا ما أكده سفير روسيا لدى الجزائر إيغور بيليايف، في حوار أجراه مع الإذاعة الدولية الجزائرية الشهر الماضي.
ويوحي التقارب الروسي الجزائري والأمريكي المغربي بأن منطقة شمال إفريقيا ستتحول إلى ساحة حرب بين الدب الروسي وأمريكا، وهو ما ذكرته صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير لها، حيث قالت إن تجديد العلاقات بين المغرب و”إسرائيل” مقابل اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية قد يدفع إلى تقارب أكبر مع روسيا.
واعتبرت الصحيفة أن تدشين الخط الجوي هو النتيجة الأولى للصفقة والتصرف الذي يجدد خطوط القوة الإقليمية التي يعود تاريخها إلى الحرب البادرة.
وعلقت الصحيفة على العلاقات الحاليّة بين الجزائر وأمريكا بالقول إنها ليست سيئة لكنها غامضة كما هو شأنها مع دول الخليج، وترى “لوموند الفرنسية” أن لدى الأمريكيين والجزائريين اهتمامات مشتركة وفي بعض الأحيان تحليلات متقاربة لكن في النهاية وعلى الرغم من كل شيء فإنهم ليسوا في نفس المعسكر حتى لو لم يكونوا أعداءً تمامًا كما هو الحال مع المغرب.
هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟
مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، تطرح أسئلة عديدة عن مستقبل العلاقات بين الجزائر وأمريكا ومدى توافق وجهة نظر البلدين إزاء العديد من القضايا التي تشهدها دول الجوار وهل سيصلح بايدن ما أفسده ترامب، فالسياسية التي انتهجها هذا الأخير أصبحت تشكل مصدر تهديد للعلاقات الجزائرية الأمريكية، وهو ما أكدته سارة يركس، عضو ببرنامج الشرق الأوسط التابع لـ”مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”، إذ توقعت في حديثها لـ”نيويورك تايمز” أن يعرض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتأييد سيادة المغرب على الصحراء الغربية العلاقات الأمريكية مع الجزائر للخطر بشكل كبير كما رجحت حدوث احتكاك بين البلدين.
يقول الباحث في الشؤون السياسية والأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، مبروك كاهي لـ”نون بوست” إن العلاقات الجزائرية الأمريكية بالأساس مبنية على التعاون الاقتصادي بالدرجة الأولى لا سيما المجال الطاقوي خاصة في ظل اكتفاء أمريكا في مجال الطاقة، ويشير المتحدث إلى أنه من المتوقع أن ينحصر الاهتمام الأمريكي في عهد بايدن على المصالح الاقتصادية وإيجاد آلية لتطويق توغل منافسيها الأقوياء على غرار الصين وروسيا وحتى إصلاح ما أفسده ترامب في آخر أيام من حكمه.
الجزائر تعتبر الدولة الوحيدة التي لم يتم تطويعها، وهم يعملون حاليًّا على محاصرتها إقليميًا بالحروب الأهلية وعكسرة حدودها
وتكشف أرقام وإحصاءات رسمية أن حجم الاستثمارات الأمريكية في الجزائر بلغ 14 مليار دولار منذ 2014، وأن الجزائر ستبقى مستحوذة على 71% من المبادلات التجارية الأمريكية مع دول المغرب العربي، لكن هذه الأرقام لم تحقق المستوى المطلوب بالنسبة للأمريكيين بسبب المنافسة الشرسة مع الصين وروسيا وتركيا.
ويتوقع مبروك كاهي سعي إدارة بايدن من أجل حل قضايا المنطقة لا سيما الصحراء الغربية بالتنسيق مع الجزائر، أي أن إدارة بايدن سوف تكون أكثر عقلانية في تناول الملفات وحلها وفق القانون الدولي مع وضع مصلحة أمريكيا في عين الاعتبار
ويوافقه في الرأي الناشط السياسي محمد حديبي، إذ يقول لـ”نون بوست” إن الجزائر قوة استقرار اجتماعي وعسكري، وهي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي لها امتداد في العمق الساحلي وأمريكا غير قادرة على خسارة هذه الورقة.
ويرى حديبي، أن الأوضاع الدولية المتقلبة والتغييرات الجارية في العلاقات الدولية قلبت موازين القوى وخلقت تحالفات وتكتلات جديدة وما كان خطًا أحمر أصبح مباحًا وما كان محظورًا صار مسموحًا، ولعل الحروب الجديدة الجارية في المنطقة العربية من مشرقها ومغربها تندرج في إطار المحور الرابط بين الكيان الصهيوني وترامب.
ويؤكد الناشط السياسي أن الجزائر تعتبر الدولة الوحيدة التي لم يتم تطويعها، وهم يعملون حاليًّا على محاصرتها إقليميًا بالحروب الأهلية وعسكرة حدودها بقوات أجنبية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وصولًا إلى قرار ترامب الذي ضرب به عرض الحائط قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص حق الصحراويين في تقرير المصير.
ويصف المتحدث اعتراف ترامب بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية بالسابقة الخطيرة خاصة أنه يتناقض مع توجه الإدارة الأمريكية التي تعمل على مبدأ حفظ مصالحها وفق نظرية حفظ التوازنات الدولية.
الجزائر تربطها اتفاقيات إستراتيجية للحوار والعلاقات التجارية والاستثمارات شكلها أوباما ولم يفعلها ترامب
وفي السياق ذاته يقول المحلل السياسي والإعلامي أحسن خلاص في تصريح لـ”نون بوست” إن العلاقات الجزائرية الأمريكية مع الجزائر لم تعرف تغيرًا جوهريًا في عهد ترامب على ما كانت عليه في السابق، فالزيارات الأمريكية إلى الجزائر قلت وانخفض فيها مستوى التمثيل إلى ما دون وزير الخارجية أو وزير الدفاع.
ويشير إلى أن الجزائر تربطها اتفاقيات إستراتيجية للحوار والعلاقات التجارية والاستثمارات شكلها أوباما ولم يفعلها ترامب في عهده لأسباب عديدة منها أن حقبة ترامب تزامنت مع فترة انتقال سياسي في الجزائر بسبب مرض الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة والحراك الذي تبعه، لذا ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تنتظر مع من تتعامل وتنتظر حتى تتضح لها الرؤية السياسية في الجزائر، ويؤكد المتحدث أنها لم تكن تشكل أولوية في أجندة أمريكا وقد يستمر الأمر على هذا الحال مع بايدن.