هل فكرتم من قبل في طبيعة الأدوار التي تلعبها الممثلات الإناث في الأعمال الفنية المرئية؟ وهل لاحظتم نمط أشكال هذه الممثلات؟ وكيف يمكن أن تحصل على دور رئيسي – ربما لا تستحقه – لمجرد أنها جذابة؟. في هذا المقال سنعرض لكم نظرية فنية نسوية تفسر ما سبق، وتسمى “النظرة الذكورية” أو Male Gaze.
ما تعريف النظرة الذكورية؟
هو مصطلح صاغته صانعة الأفلام البريطانية لورا مولفي، وهي ناقدة ومنظرة سينمائية معاصرة، عبرت فيه عن عدم توازن القوى بين الرجل والمرأة في الأدب والفن كما في المجتمع والسياسة، وذلك من خلال تقديم النساء في الفنون المرئية والمكتوبة من منظور ذكوري، يستخدم المرأة كأشياء جنسية لمتعة المشاهدين الذكور.
شرحت مولفي نظريتها من خلال مقالتها الشهيرة “المتعة البصرية والسينما الروائية” التي نُشرت عام 1973، وذكرت بها بنية المجتمع القائمة على أن الذكور هم الفعالون والمستلمون لزمام الأمور، فيما الإناث مجرد متلقيات وتابعات للسلطة الذكورية، وأكدت أنه عند الحديث عن السينما فإن معظم الكتاب وصناع الأفلام من الذكور، وبالتالي يعملون على أساس أن الشريحة المستهدفة ذكور أيضًا، لذلك يُمنح الرجال الصدارة في القصص السينمائية بينما يتم تعيين شخصيات نسائية دورها خدمة أهداف أبطال القصة الذكور.
دور المرأة التقليدي في السينما
تتابع مولفي شرحها للنظرة الذكورية في الفن ومحاولات تشييء المرأة من خلال الأدوار التقليدية التي تُعطى لها، حيث يُعد الدور الأهم للشخصية الأنثوية في القصة المرئية هو إثارة الشخصيات الذكور في القصة من جهة، وإثارة الجمهور المتابع لها من جهة أخرى.
وهناك مثال رائع من حيث قدرته على توضيح نظرية مولفي، وهو فيلم عادل الإمام الشهير “التجربة الدنماركية”، الذي تدور أحداثه حول فتاة دنماركية جميلة ومغرية تنزل ضيفة على قدري وزير الشباب والرياضة (عادل الإمام) وأولاده الشباب الأربع الذين يعجبون بها ويتنافسون على نيل إعجاب الضيفة التي سيفوز بها أحدهم في النهاية.
وبغض النظر عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في الفيلم أو العرض التليفزيوني، يجب عليها إلى جانب التزامها بدورها في القصة أن تكون جميلة وممتعة لنظر المشاهد الذكر.
وحتى عندما يكون للشخصية الأنثى دور رئيسي أو مهمة تتولى قيادتها، فغالبًا ما يتم تصويرها وهي تستخدم حيل الإغراء لإنجاز المهمة، وفي بعض الأحيان قد يستغل أبطال القصة من الرجال قدراتها على الإغراء أيضًا، للإيقاع بأعدائهم أو ما شابه ذلك، فالمهم في نهاية المطاف وجود عنصر الإغراء أو الإثارة عندما تظهر المرأة على الشاشة.
محاولة رصد النظرة الذكورية
الآن وقد قدمت لنا لورا مولفي مصطلحًا يصف ظاهرة منتشرة في السينما، مع شرح يفسرها لنا إلى حد ما، تبقى لنا مهمة إدراك وجود النظرة الذكورية في الأعمال الفنية التي نتابعها، ولهذا أهمية كبيرة في الوقوف بوجه محاولات تشييء المرأة وتكريس النظرة الذكورية الدونية لها في المجتمع من خلال الأعمال الفنية التي تغزو شاشاتنا لتصل إلى جميع الأعمار، وتصور المرأة على هيئة نصف إنسان غير مكتفٍ بذاته وغير صالح للمهمات الجدية والمصيرية ويقتصر دوره على إمتاع الغير أو بأحسن الأحوال إلهامه ودفعه للقيام بالمهام الصعبة مع بقائها هي على هامش القصة.
وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية التي تناولتها مولفي في مقالتها، حيث تشرح بها أنه ليس من الضروري أن تصور المرأة بشكل جنسي مبالغ به حتى نلاحظ وجود النظرة الذكورية، ففي بعض الأحيان يمكن استخدامها كمصدر إلهام أو ذكرى أو حب قديم يسكن قلب الرجل ويحركه ليلعب دور البطولة والقيادة، حيث يحصل هو على الإعجاب بينما تحظى الشخصية الأنثوية بما يقارب الصفر من اهتمام المتابعين.
يترتب على تشييء المرأة لنفسها تبعات نفسية كثيرة ابتداءً من القلق وانتهاءً باضطرابات الطعام والاكتئاب الحاد
وهناك طرق أخرى كثيرة لتمثيل النظرة الذكورية في الأعمال الفنية، مثل طريقة التصوير وزاوية الكاميرا، فعلى سبيل المثال عند تصوير مشهد تحرش أو اعتداء يحدث كثيرًا أن تركز الكاميرا على المعتدي الذي هو ذكر غالبًا، مع إبقاء المعتدى عليها خارج مركز الصورة، وهذا ما شاهدناه في أحد مشاهد فيلم Bombshell الذي يروي قصة تحرش مدير قناة Fox News بعدد من النساء.
تأثير النظرة الذكورية على النساء
تواجه النساء تفاعلاتها مع المجتمع المحيط من جهة، والمبني بطريقة غير تكافؤية بينها وبين الذكر بحيث لا يعطي اهتمامًا لجوهرها بقدر ما يهتم بمظهرها الخارجي، والإعلام والفن المرئي الذي يصور النساء الجميلات بصورة مثالية معدل عليها لتتناسب مع خيال الرجل من جهة أخرى، فتتعلم كيفية استخدام جمالها كعملة اجتماعية.
فالتعليقات والنظرات التي تتناول جسدها سواء كانت موجهة لها بشكل شخصي أم موجهة لغيرها من النساء في المجتمع أو الإعلام، تدفعها إلى تشييء نفسها في النهاية والتركيز على تعديل مظهرها الخارجي بشكل دائم لما يناسب الذوق العام الذي يحدده صناع السينما والموضة من خلال عدسات النظرة الذكورية، من دون الاكتراث بما تشعر أو ترغب به هي في الحقيقة.
ويترتب على تشييء المرأة لنفسها تبعات نفسية كثيرة ابتداءً من القلق وانتهاءً باضطرابات الطعام والاكتئاب الحاد، بالإضافة إلى الأثر الذي يطال المجتمع ككل، فعند اعتبار أن مظهر المرأة هو العامل الوحيد الذي يختزل وجودها ويضمن لها التقدير والاحترام، تحجم عن المنافسة في بقية ميادين الحياة سواء كانت علمية أم سياسية أم اجتماعية.
الانقلاب على النظرة السائدة
من أفضل الطرق للانقلاب على نظرة تمييزية متجذرة في المجتمع ومقبولة لفترة طويلة من الزمن بحيث يصعب على الناس ملاحظتها، هي محاولة قلب الأدوار الجندرية.
فعلى سبيل المثال، هناك دور معروف لدى صناع الأفلام، يُطلق عليه في لغة الشارع الإنجليزية Bimbo، وهي المرأة التقليدية الجميلة والمثيرة والحمقاء أو الساذجة في نفس الوقت، وهناك نجمات بنين مسيرتهن المهنية كاملةً فقط من خلال لعب هذا الدور، والمثال الأشهر على هذا النوع من النجمات مارلين مونرو.
لكن ما لم تكن الـBimbo هي بطلة العمل الفني كما في حالة مارلين مونرو التي جسدت هذا الدور في معظم أعمالها، لا تأخذ الممثلة التي تلعب دور الساذجة الجميلة دورًا كبيرًا في الغالب، وفي جميع الأحوال يتمحور دورها حول بطل تعجبه ويحاول الفوز بها، أما دورها الحقيقي بالنسبة لصانع الفيلم فهو جاذب للجمهور وعامل ممتع للمشاهدة.
فيلم Ghostbusters 2016 عمل على قلب هذا الدور، حيث لعب الممثل Chris Hemsworth في أحد المشاهد دور الشاب الوسيم الساذج الذي عادةً ما تلعب به أنثى، ويظهر في أحد المقاطع وهو يجيب عن أسئلة مقابلة العمل ببلاهة واضحة مع محاولة إحدى السيدات القائمات على العمل التقرب منه.
Jumanji: Welcome to the Jungle فيلم آخر يسخر من النظرة الذكورية في أحد مشاهده التي تظهر البطلة تحاول إلهاء الحراس بينما يستطيع رفاقها التسلل إلى داخل المكان الذي يحرسونه، تحاول إغراءهم ببعض الحركات التي لا تجيدها فتظهر بشكل كوميدي، أما رفاقها وحتى الحراس فلا يفهمون ما تحاول فعله ولا يتأثرون بها.
الخلاصة.. يمكن أن تتجلى النظرة الذكورية في السينما من خلال: النص المكتوب الذي يصور البطل الذكر قويًا وواثقًا من نفسه، بينما الأنثى التي تشاركه البطولة يقتصر دورها على دعمه وتقديم المساندة لتساعده على الوصول إلى هدفه النهائي، وثانيًا من خلال طريقة التصوير التي تركز على جسدها بشكل مثير لإغراء الذكور الموجودين في القصة أو في صالة العرض.