ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الاثنين، حكمت محكمة في الرياض على الناشطة السعودية لجين الهذلول بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر. أدينت الهذلول، التي دافعت عن حق المرأة في قيادة السيارات، بتهمة “محاولة الإضرار بالأمن القومي” وتعزيز “أجندة خارجية”. لقد كانت بالفعل في السجن لمدة سنتين ونصف. يمكن أن يؤدي الوقت الذي قضته في السجن والتعليق الجزئي للعقوبة إلى إطلاق سراحها في غضون شهر أو نحو ذلك.
جذبت قضية الهذلول اهتماما دوليا وإدانة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومجلس النواب الأمريكي والعديد من المنظمات الحقوقية، وهذا أمر صائب. لكن هناك المئات من السجناء السياسيين الآخرين في المملكة العربية السعودية الذين وقع اعتقالهم وسجنهم وتقديمهم للمحاكمة.
كان والدي واحدا منهم. في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، عانق إخوتي والدي في نفس المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض التي أدلت بالحكم على الهذلول. لم تتمكن عائلتي من زيارته في سجنه السعودي ولا تلقي مكالمة هاتفية بين أيار/مايو وأواخر أيلول/ سبتمبر، وعندما سُمح لهم بالتحدث معه كان بينهم حاجز زجاجي. جاء ذلك العناق المرغوب فيه بشدة بعد ستة أشهر.
كان والدي، سلمان العودة، عالما إصلاحيا في الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية ويبلغ من العمر 63 سنة، وقد وقع احتجازه في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله في 10 أيلول/ سبتمبر 2017. بسبب انزعاجه من التوترات الإقليمية المتزايدة بعد أن فرضت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات ومصر حصارا على قطر، أعرب والدي بشكل غير مباشر عن رغبته في المصالحة في تغريدة. بعد ساعات قليلة، وقع اعتقاله.
والد المؤلف، سلمان العودة، محتجز في الحبس الانفرادي منذ سنة 2017
بعد احتجازه دون تهمة لمدة سنة، وجهت السلطات السعودية له العديد من التهم عندما بدأت محاكمته في أيلول/ سبتمبر 2018 في محكمة مغلقة في الرياض، من تحريض الناس على الحاكم والدعوة لتغيير الحكومة إلى حيازة كتب محظورة. وطالب النائب العام السعودي سعود المعجب بإعدام والدي على خلفية 37 تهمة.
خلال الربيع العربي في سنة 2011، كان والدي من كبار المؤيدين للالتماس الذي وقعه الآلاف من السعوديين للمطالبة بالانتقال الوطني نحو نظام ملكي دستوري مع انتخابات وحريات أساسية ومؤسسات ديمقراطية. سمح الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي حكم من سنة 2005 حتى وفاته في كانون الثاني/ يناير 2015، للسعوديين بالتحدث إلى حد ما وتقديم بعض المطالب لأن المملكة كانت حريصة على تجنب الاضطرابات العامة. في المقابل، مُنع أبي من السفر خارج المملكة العربية السعودية.
في سنة 2013، عندما كان الأمير سلمان بن عبد العزيز – الملك سلمان الآن – وليا للعهد وعُين الأمير محمد بن سلمان رئيسا لمحكمته برتبة وزير، حث والدي الحكومة السعودية على إطلاق سراح العديد من الإصلاحيين الذين أسسوا الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية. وكان النشطاء قد اعتُقلوا وأدينوا بتهم عديدة تتمثل في محاولة “تشويه سمعة المملكة” و “قطع الولاء للحاكم” و “إنشاء منظمة غير مرخصة”. وقع تجاهل مطالبات والدي، ولكن لم يكن هناك عقاب.
في ذلك الوقت، قدم ولي العهد الأمير سلمان الأمير محمد، ابنه الصغير، للعديد من الشخصيات العامة المؤثرة في المملكة العربية السعودية التي كانت تتحدث عن الإصلاحات. التقى ولي العهد الأمير سلمان والأمير محمد بوالدي وطلبا نصيحته بشأن عملية الإصلاح السياسي الدقيقة.
في سنة 2015، بعد أن خلف الملك سلمان الملك عبد الله، أراد والدي تذكير الملك بوعده بإدخال الإصلاحات في المملكة العربية السعودية. أثناء ظهوره على التلفزيون الوطني السعودي، روى والدي كيف أخبره ولي العهد الأمير سلمان أن الإصلاحات السياسية والحقوق التي دافع عنها والدي لفترة طويلة ستكون على رأس جدول أعماله عندما يصبح ملكا.
بعد ثلاثة أشهر من تولي الملك سلمان السلطة، قدم نجله، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية السعودية 2030، التي وعدت بإصلاحات اجتماعية واقتصادية. بعد ذلك بسنتين، في سنة 2017، عندما وقع تعيين الأمير محمد وليا للعهد، تحولت آمالنا في إجراء إصلاحات سياسية أو المزيد من الحقوق المدنية إلى سراب.
رسخ الأمير محمد بن سلمان سلطته من خلال قمع المنافسين من العائلة المالكة الواسعة. لقد وقع الحد من المجال المسموح به للمعارضة، وتورطت المملكة في الحرب في اليمن وقادت الحصار المفروض على قطر، واعتقل والدي بسبب تغريدة.
خلال جلسة المحكمة في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر في الرياض، أصيب إخوتي بالدهشة من مدى ضعف وهزال والدنا. بعد أن فقد نصف قدرته السمعية والبصرية في السجن، كان والدي غير متماسك ويواجه صعوبة في سماعهم ورؤيتهم بوضوح. لقد شعروا أن والدنا الفخور والحازم بدا خاضعا تماما وأومأ برأسه على كل ما قيل له. كانوا يخشون أنه يمكن إجباره على التوقيع على أي نوع من الاعتراف وهو في حالته غير المستقرة هذه.
الحكومة السعودية مسؤولة عن سوء معاملة ووفاة عبد الله الحامد، أحد أبرز الإصلاحيين في المملكة، الذي انهار ودخل في غيبوبة أثناء وجوده في السجن
تسارع التدهور الجسدي والعقلي لوالدي على مدى ثلاث سنوات من الإساءة والعزلة. خلال الأشهر الثلاثة إلى الخمسة الأولى من احتجازه في سجن ذهبان بجدة، كبل الحراس قدميه بالسلاسل وعصبوا عينيه أثناء نقله بين غرف الاستجواب وزنزانته. وقد حرمه المحققون من النوم والأدوية لعدة أيام متتالية، على حد قوله لعائلتنا أثناء الزيارات.
في إحدى المرات، ألقى الحراس عليه كيسا بلاستيكيا من الطعام دون فك أصفاده. وأجبر على فتح الكيس وإخراج الطعام بفمه، مما تسبب في أضرار جسيمة لأسنانه. بعد هذه المعاملة السيئة المطولة، في كانون الثاني/يناير 2018، نُقل إلى المستشفى لبضعة أيام بسبب ارتفاع ضغط الدم بشكل خطير.
الإهمال الطبي وسوء الممارسة منتشران في السجون السعودية. في نيسان/أبريل 2020، كانت الحكومة السعودية مسؤولة عن سوء معاملة ووفاة عبد الله الحامد، أحد أبرز الإصلاحيين في المملكة، الذي انهار ودخل في غيبوبة أثناء وجوده في السجن. لأسابيع، رفضت السلطات السعودية للسيد الحامد إجراء عملية قسطرة القلب التي طال انتظارها. وقال زملائه السجناء لمنظمة العفو الدولية إنه سقط على أرضية سجن الحائر في الرياض وبقي هناك لساعات قبل أن تنقله السلطات إلى مستشفى الشميسي.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من وفاة الحامد، توفي صالح الشيحي، الصحفي البارز، بسبب مرض لم يقع الكشف عنه بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه من السجن. وكان الشيحي قد اعتقل في كانون الثاني/ يناير 2018 وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة “إهانة الديوان الملكي” بعد أن انتقد ديوان ولي العهد واتهمه بالفساد.
الحبس الانفرادي هو تعذيب. لقد كان لها تأثير عميق وخطير على والدي. توحي المعاملة السيئة في زنزانته المظلمة أن السلطات السعودية عازمة على قتله ببطء. لم يكشف مسؤولو السجن عما كان يتناول من أكل أو “الأدوية” التي يتلقاها. في هذا الشأن، أناشد إدارة بايدن رفع صوتها وإنقاذ والدي قبل فوات الأوان. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يهتم بما يفكر فيه المجتمع الدولي عنه وعن المملكة العربية السعودية.
تعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بأن تصر الولايات المتحدة على “الأفعال السعودية المسؤولة” وتفرض عواقب على الأعمال المتهورة. وسيكون دفع الحكومة السعودية للإفراج عن والدي والسجناء السياسيين الآخرين في المملكة خطوة مهمة من الإدارة القادمة.
المصدر: نيويورك تايمز