تتجاوز أعداد السوريين المقيمين على الأراضي التركية 3.6 مليون نسمة موزعين على مختلف الولايات التركية البالغ عددها 81 ولاية بحسب إحصائية نشرتها دائرة الهجرة التركية على موقعها الرسمي في يوليو/تموز 2020، حيث استقبلت تركيا السوريين من مختلف المحافظات السورية، وكانت تداعيات هذه الهجرة التي لم يُشهد لها مثيل ثقيلة على السوريين في غربتهم.
حاول السوريون إنشاء تجمعات لهم من أجل أن يخففوا من غربتهم ولحل بعض المشكلات العالقة، خاصة أن التجمعات تؤتي ثمارها أكثر من العمل الفردي في بلاد الاغتراب، ومع الوقت استطاع السوريون أن يخلقوا شكلًا من أشكال التجمعات تُعنى لتوطيد العلاقات وإبراز التضامن بينهم وبين بلدهم الأم وأداة لتنفيذ نشاطاتهم، وشكلت هذه التجمعات جزءًا مهمًا من المجتمع المدني السوري في تركيا، كما أنها ساهمت في وقت من الأوقات بإدخال الدعم إلى المناطق السورية المنكوبة من حرب بشار الأسد عليها. في هذا التقرير نسلط الضوء على أهم هذه التجمعات ونعرّف بأنشطتها.
أبرز التجمعات
ملتقى البيت الشامي
تأسس ملتقى البيت الشامي في المدينة المنورة بالسعودية عام 2012 ثم انتقل إلى ولاية غازي عنتاب في تركيا عام 2013 بسبب إيمان القائمين عليه بأهمية الوجود بالقرب من الحدود السورية لأي تجمع أو مؤسسة معنية بالعمل المجتمعي السوري، جرى اختيار تركيا لما تقدمه من تسهيلات معنوية ومادية للمؤسسات السورية في ذلك الوقت بحسب ما ذكر معتز الحمصي الأمين العام لمؤسسة البيت الشامي في حديثه لـ”نون بوست”.
يعرف ملتقى البيت الشامي نفسه بأنه “منظمة تنموية تربوية أهدافها محصورة بخدمة الشعب السوري”، وتتمثل رؤية الملتقى في بناء مجتمع وفرد مسلم وطني سوري يستطيع حمل أعباء وهموم وطنه والانتقال إلى مرحلة بناءة أكثر، واختير اسم “البيت الشامي” لفتح المجال أمام المصطلح الجغرافي لبلاد الشام المتمثل من حدود تبوك حتى الحدود التركية، ويرفض الملتقى وصفه بالمناطقية لأنه أهدافه تتعارض مع هذا الوصف، فهو يقدم خدماته لكل السوريين ويشكل المستفيدون من خدماته ومشاريعه من غير الدمشقيين ما نسبته 98% وفقًا للحمصي.
يضيف الحمصي أن عمل الملتقى يندرج تحت شعار “طاعة ربنا في خدمة أهلنا”، ويتميز بوجود ضوابط للعمل بالنسبة للإداريين وهو ما أبقاه مستمرًا بعمله حتى الوقت الحاليّ بعكس الكثير من المؤسسات التي تعمل بلا ضوابط وأدى ذلك إلى انحسارها وأحيانًا توجيه الاتهامات إليها، حيث يعمل البيت الشامي على عدة برامج منها البرامج الإغاثية وبرامج رعاية الأيتام.
تركز نشاط البيت الشامي بداية تأسيسه في الغوطة الشرقية من مدينة دمشق، بالإضافة إلى نشاطاته في المناطق المحررة في الداخل السوري، ودائمًا ما يكون العاملون في البيت الشامي متفاعلين مع الحدث السوري ويحاولون من خلال عملهم الاستجابة السريعة وتقديم المساعدات للتخفيف عن المتضررين.
يركز البيت الشامي في عمله على الجيل الجديد الذي نشأ خارج سوريا وليس له دراية بأحداث الثورة السورية وأسبابها ويحاول من خلال عمله أن يكون أداة لرفع وعي هذه الشريحة
يعمل البيت الشامي بمقره في غازي عنتاب على مشاريع تربوية تعليمية يوجهها للسوريين الموجودين على الأراضي التركية ويحاول أن يكون مكانًا للتآلف بين الناس والمحافظة على صلة الوصل بين السوريين، ويؤمن بأهمية التشاركية في العمل مع باقي المؤسسات السورية لما توفره من وقت ومال محاولًا الابتعاد عن أنانية التنفيذ التي تتخذها بعض المؤسسات ويكون ضحيتها في النهاية المستفيدون وفقًا للحمصي.
تأثر البيت الشامي بالكثير من المعيقات والصعوبات منها استشهاد أهم كوادره العاملين في الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى ضعف الدعم المادي الذي كان يعتمد في جلبه على الإخوة السوريين المقيمين في السعودية وبعض منظمات المجتمع المدني هناك بعد فرض السلطات الكثير من القيود على عملها وتعرضها في بعض الأحيان للملاحقة الأمنية.
ويركز البيت الشامي في عمله على الجيل الجديد الذي نشأ خارج سوريا وليس له دراية بأحداث الثورة السورية وأسبابها ويحاول من خلال عمله أن يكون أداة لرفع وعي هذه الشريحة والحفاظ على جذوة الثورة السورية من الخمود وإحيائها في قلوبهم، بالإضافة إلى العمل على زيادة ارتباطهم بوطنيتهم التي بدأت تتلاشى تدريجيًا خاصة بعد نزوح الكثير من السوريين إلى مختلف دول العالم وانخراطهم في مجتمعات جديدة فرضت ثقافتها وعاداتها عليهم حتى غدا الكثير منهم لا يتكلم حتى لغته الأم.
ويضيف الأمين العام لمؤسسة البيت الشامي “إننا كمجتمع سوري لم نتدرب على العمل المؤسساتي وكنا نفتقد لمنظمات وهيئات العمل المدني والمجتمعي في سوريا في ظل حكم الأسد وسيطرته على الحياة السياسية والمدنية”، ويسعى الملتقى من خلال عمله إلى رفع درجة الوعي بالعمل المؤسساتي وإرساء ثقافة العمل التطوعي للمساهمة في بناء أسرة وجيل متعلم وواعٍ، والتركيز على بناء الفرد بالدرجة الأولى لأنه يرى أن من مسلمات العمل المدني للوصول إلى مجتمع نهضوي حضاري هو العمل على بناء الفرد ثم الأسرة وصولًا للمجتمع الذي يطمح السوريون لبنائه.
وانطلاقًا من قاعدة “اعمل في غربتك وكأنك في دار استنفار وليست دار استقرار”، يعمل الملتقى ويضع نصب عينه الداخل السوري ويهدف إلى أن يكون مستعدًا بعمله وسياسته وكوادره إلى الانتقال لسوريا وممارسة العمل المجتمعي التربوي فور استحقاق العملية السياسية وزوال نظام الحكم المجرم هناك.
مؤسسة البيت الحمصي
البيت الحمصي هو “مؤسسة أهلية ثقافية اجتماعية تُعنى بشأن الجالية الحمصية، أنشأها مجموعة من الحمصيين الغيورين بهدف التعاون والتعارف من خلال تنظيم اللقاءات المتكررة في المناسبات المختلفة”، بحسب ما جاء في الملف التعريفي للبيت الحمصي على صفحتهم الرسمية على فيسبوك.
تعمل المؤسسة على الارتقاء بالمستوى الأخلاقي والتعليمي للشباب والشابات واكتشاف المواهب ورعايتها وصقل المهارات المختلفة، كما أن البيت الحمصي يولي اهتمامًا خاصًا لرعاية النشء والشباب من الجنسين.
يحرص البيت الحمصي من خلال مشاريعه على تمتين وتوثيق عُرى الأخوة بين الحمصيين بعضهم ببعض وبين جميع السوريين، وكذلك مد جسور التعاون فيما بينهم وبين الإخوة الأتراك والعرب، ولهذا فإن البيت الحمصي قرر منذ اليوم الأول أن تكون أنشطته مفتوحةً أمام من يريد الاستفادة منها سواء عرب أم أتراك.
وكما الحال في البيت الشامي، يسعى البيت الحمصي لأن يكون مركزًا لخدمة السوريين في المجالات كافة، كما يقيم اجتماعات دورية في المناسبات كالأعياد وذلك بهدف تخفيف الغربة عن الموجودين على الأراضي التركية.
إلى ذلك عمل بعض الأشخاص من محافظة حمص مؤخرًا على إنشاء البيت الحمصي في ولاية أورفا التركية، وذلك نظرًا للعوائق التي تواجه السوريين في تركيا بشكل خاص، كي يصبح هذا البيت قادرًا على تنظيم وتسيير أمور الأسر المنتسبة من أهالي حمص وريفها حصرًا الموجودين في ولاية شانلي أورفا التركية ضمن المؤسسات التي تعني بشؤون المهجرين من إغاثة وتعليم وخدمات بشكل عام.
ويعتمد في دعمه على التكافل الاجتماعي بين الأسر المنتسبة ضمن اشتراك رمزي بسيط للعائلة الواحدة لدفع بعض النفقات المترتبة لتسيير أعمال هذه المؤسسة الناشئة.
التجمع التركماني (جمعية التركمان) Beydilli Türkmen Derneği
نشأت جمعية التركمان السوريين في تركيا بهدف “المحافظة على صلة الرحم بين التركمان وزيادة أواصر التواصل فيما بينهم كبارًا وصغارًا، وأن تكون الممثل القانوني والجسر الذي يصل بين قومية التركمان والحكومة التركية لإيصال صوتهم والعمل على حل مشاكلهم وقضاء حاجاتهم” وفقًا لما ذكر مصطفى الأقجة مدير جمعية التركمان لـ”نون بوست”.
ويضيف أقجة أن لجمعية التركمان السوريين عدة مراكز في تركيا والداخل السوري وتعمل على تأمين المساعدات المادية والإغاثية للسوريين المتضررين من التركمان وغيرهم، حيث تنظم الجمعية اجتماعات دورية يجتمع فيها التركمان السوريون ويطرحون مشاكلهم وحاجاتهم، بالإضافة إلى إطلاق حملات بهدف جمع الدعم والمستلزمات وإرسالها إلى الداخل السوري.
يضيف المدير العام للجمعية أنهم “مجتمع مدني غير سياسي وغير عسكري يعمل على إنشاء جيل جديد واعٍ، وتولي الجمعية الاهتمام بالجيل الجديد من الأطفال وتربيتهم تربية مؤسساتية أكاديمية وسياسية بهدف إيصالهم مستقبلًا لمراكز صنع القرار لتمثيلهم”.
وفي سؤالنا للشاب أحمد أحد أبناء قومية التركمان المستفيدين من خدمات الجمعية عبّر عن امتنانه للخدمات التي توفرها الجمعية لهم، بالإضافة أنه يعتبرها الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه حال واجهته أي من العقبات في تركيا”، ويضيف أحمد أنه حصل على الجنسية التركية بمساعد الجمعية التي تسعى لإدراج قوائم التركمان السوريين وترشيحها لدى الحكومة التركية للحصول على الجنسية بهدف تأمين حياة أفضل لهم.
ختامًا، تعمل الكثير من المؤسسات السورية على أن يكون لها حضور في المجتمع السوري بتركيا، ويبقى المأمول منها تقديم خدمات أكبر للاجئين السوريين على هذه الأرض، خاصة مع غياب التمثيل الرسمي الفاعل لهم، فلا يكفي هؤلاء المهجرين من أرضهم بعض الخدمات الإغاثية (وإن كانت ضرورية)، بل هم بحاجة إلى من يوصل صوتهم ويمثلهم حق تمثيل، ويسعى في شؤونهم وقضاياها في المجتمع المضيف ولدى السلطات المحلية.