من منا لم يمر في حياته بمرحلة جمع الطوابع أو الأشياء الغريبة، ومن منا لم يشاهد جدته أو والدته وهي تبالغ في جمع الأدوات المنزلية ورفض التخلي عنها رغم عدم الحاجة إليها؟ تشير الدراسات التاريخية إلى أن البشر في أول الأمر كانوا يحرصون على اقتناء الكثير من الأشياء للبقاء على قيد الحياة، لكن هذا السلوك أصبح غير مرتبط بالنجاة، فما الذي يدفعنا إلى ذلك؟
في عالم الحيوان ينتشر سلوك الاكتناز بشكل واسع، فهناك أكثر من 70 نوعًا من الحيوانات يخزن الطعام، لكنه سلوك منطقي بهدف البقاء على قيد الحياة، لكن العلماء اكتشفوا أن هناك منطقة في الدماغ “قشرة الفص الجبهي” تتحكم في هذا السلوك، وهذه المنطقة يشترك فيها معظم الثدييات ومن بينها البشر.
درس باحثو علم الأعصاب في جامعة أيوا وكلية لوسيل كارفر للطب أدمغة المرضى الذين طوروا سلوكيات اكتناز غير طبيعية لاكتشاف الضرر الذي لحق بقشرة الفص الجبهي، وفي الدراسة التي أجروها اكتشفوا أن هناك جزءًا من المرضى يهتم بجمع أشياء معينة كالطوابع بشكل غير مرضي، أما الجزء الآخر فقد كان متهمًا بجمع أشياء مختلفة وغير مفيدة طوال اليوم مع مقاومة محاولات التخلص منها كالأجهزة المعطلة.
عندما فحص الباحثون هذا الجزء من الدماغ في المرضى اكتشفوا وجود ضرر في قشرة الفص الجبهي خاصة الجانب الأيمن، وهو الأمر الذي تسبب في فقدان هؤلاء المرضى السيطرة على سلوكيات اقتناء الأشياء.
الأسباب النفسية وراء سلوكيات الاكتناز
هناك أسباب نفسية أيضًا تدفع البعض إلى اقتناء بعض الأشياء التي تمنحهم راحة نفسية، من بين ذلك الرغبة في التعلم ومعرفة تاريخ الأشياء، يبدو ذلك جليًا في اقتناء الكتب وشرائها بشكل مستمر حتى لو لم يكن لديك الوقت الكافي لقراءتها جميعًا.
يجب أن تضع الحدود لنفسك أيضًا حتى لا يصبح الأمر خارج السيطرة، بإمكانك أن تحدد مبلغًا معينًا من المال وتلتزم به
يلجأ بعض الناس إلى جمع الأشياء التي تمنحهم شعورًا بالاسترخاء للتخلص من التوتر أو التي تمنحهم إحساسًا بالسعادة مثل الأشياء الجميلة أو ذات القيمة العالية أو النادرة، كما يتجه البعض إلى جمع الأشياء كهواية اجتماعية تربطه بمجموعة من الناس يتشاركون معًا ما جمعوه ويصبح محور حديثهم، وربما يتحول الأمر إلى تنافس أو تحدٍ لاقتناء مجموعة كاملة من شيء ما.
السبب الأكثر شيوعًا بين عامة البشر هو الذكريات والحنين إلى الماضي، فالكثير من الناس يلجأون إلى الاحتفاظ بالأشياء التي تذكرهم بطفولتهم أو بموقف معين مروا به وكان مؤثرًا في حياتهم مثل العملات المعدنية أو ألعاب الطفولة أو ملابس الأطفال.
في بعض الحالات يرتبط الاكتناز بمشكلات أخرى لا تتعلق بالاكتناز ذاته مثل الإصابة بصدمة ما فيصبح الاكتناز مجرد رد فعل لهذه الصدمة، كما يرتبط الاكتناز بهوس الشراء أيضًا حيث ينخرط الناس في شراء الكثير من الأشياء المهمة وغير المهمة، فيجدون أنفسهم محاصرين بكثير من الأغراض ويفقدون القدرة على التمييز بين المهم منها وغير المهم.
كيف نعالج سلوكيات الاكتناز؟
قبل أن يتحول جمع الأشياء إلى مرض نفسي يصعب علاجه، هناك بعض الآليات التي قد تساعدك في التخلص من هوس اكتناز الأشياء.
توقف عن التفكير في مقتنياتك كاستثمار
يعتقد الكثيرون أن ما يشترونه سيستطيعون بيعه مرة أخرى في المستقبل لتحقيق ربح أعلى، لكن الأمور لا تسير على هذا النحو، فما يحظى بإعجاب الناس اليوم لن يعجبهم في المستقبل بشكل كبير ولن يصبح له قيمة، لذا اشتر فقط ما يعجبك وتود الاستمتاع به دون خطط مستقبلية.
ارسم حدودًا لنفسك
مثلما تضع القوانين لأطفالك من أجل مصلحتهم، يجب أن تضع الحدود لنفسك أيضًا حتى لا يصبح الأمر خارج السيطرة، بإمكانك أن تحدد مبلغًا معينًا من المال وتلتزم به وأن تخصص أيضًا مساحة معينة من المنزل لمقتنياتك وتلتزم بها، هذه الطريقة ستساعدك على الحد من الشراء كما أنها ستساعدك على التخلص من الأشياء التي لم يعد لها فائدة.
تجنب المثيرات
إذا كنت تعلم أنك تعاني من مشكلة ما فمن المنطقي أن تبتعد عن كل ما يثيرها، لذا توقف عن التردد على المتاجر فالالتزام بخطة الإنفاق وحدها لن يساعد في حل المشكلة إذا كانت متفاقمة وربما تدفعك إلى الاستدانة لشراء ما ترغب به، ابتعد كذلك عن متابعة هواة جمع الأشياء التي تحبها على مواقع التواصل الاجتماعي وحاول أن تنشغل بهوايات أخرى.
ربما تساعدك التكنولوجيا في الاحتفاظ بالأشياء التي تحبها دون الحاجة إلى مساحة واسعة، كأن تحتفظ بصور لمقتنياتك المميزة قبل التخلص منها
ابحث عن المعنى لا الكمال
هل فكرت يومًا لماذا تحتفظ بكل هذه الأشياء؟ ربما تحتفظ بها لأنه تذكرك بطفولتك أو بفيلمك المفضل أو بحدث مهم، لتحقيق المعنى يمكنك أن تحتفظ بالمميز فقط من كل مجموعة وتتخلى عن بقيتها.
فعل الخير
قد يساعدك التصدق وفعل الخيرات على القدرة على التخلى بسهولة أكبر عن مقتنياتك، كأن تتخلى عن الملابس التي لم تعد ترتديها وتحتفظ بها للذكرى فقط من أجل الفقراء، فالعطاء خاصة للمحتاجين يمنحنا شعورًا بالرضا.
استخدم التكنولوجيا
ربما تساعدك التكنولوجيا في الاحتفاظ بالأشياء التي تحبها دون الحاجة إلى مساحة واسعة، كأن تحتفظ بصور لمقتنياتك المميزة قبل التخلص منها أو الحصول على نسخ رقمية من كتبك المفضلة وغيرهم الكثير.
اعرض أغراضك
ربما تجد أنك قد وصلت إلى مرحلة بعيدة من جمع الأشياء حتى إنك لم تعد تعلم ما لديك، قد يساعدك عرض ما لديك وإظهاره في اكتشاف بعض الأشياء التي لم يعد لها قيمة فترغب في التخلص منها.
ابحث عن اهتمامات أخرى
بشكل عام من الضروري أن يكون لديك العديد من الهوايات والاهتمامات التي تمارسها لتحافظ على شعورك المستمر بالإثارة والاستمتاع والشغف، وحتى لا تصبح عاطفتك مرتبطة بهواية واحدة فقط فتشعر أنك قد تضيع من دونها.
اضطراب الاكتناز القهري
في بعض الأحيان يتحول الولع باقتناء الأشياء إلى مرض يسمى اضطراب الاكتناز القهري وفي تلك الحالة يجب أن يتدخل الطبيب لعلاج المشكلة باستخدام العلاج السلوكي المعرفي، ويبدأ هذا العلاج عادة بتحدث الطبيب مع المرضى عن تحديد الأهداف أولًا لتقييم مدى رغبتهم واستعدادهم للتخلص من بعض الأشياء.
في المرحلة التالية يقسم المرضى الأشياء إلى 3 فئات: الأشياء التي سيحتفظون بها والأشياء التي سيتبرعون بها والأشياء التي سيتخلصون منها، في تلك المرحلة يتعرض المرضى إلى احتمالية فقدان ما يملكونه مما يؤدي إلى زيادة القلق، لكن مع استمرار التعرض يتضاءل هذا القلق ويصبح المرضى أكثر مرونة بشأن ممتلكاتهم.
من أشهر حالات الاكتناز التي أدت إلى وفاة صاحبيها، قصة شقيقين في نيويورك هومر ولانجلي كولير، حيث وجدت الشرطة جثتيهما في المنزل عام 1947 وكان هومر قد مات تحت جبل من الصحف القديمة وبجواره أدوات منزلية وصناديق والكثير من الأشياء المبعثرة، حيث بدا أن وزن الصحف قد تسبب في عدم قدرته على النهوض ولم يتمكن شقيقه من العثور عليه وسط هذه الفوضى حتى مات من الجوع، أما شقيقه فيبدو أنه هرب من المنزل بعد أن تأكد من وفاة هومر، فالشرطة لم تعثر عليه أبدًا بعد ذلك.
إذا كنت من هواة جمع الأشياء فراقب سلوكك واحذر أن يتحول الأمر إلى مرض يصعب السيطرة عليه ويؤدي إلى عواقب وخيمة، ابدأ الآن في التخلص من كل ما تجمعه دون جدوى.