أحدث الصراع في سوريا تغيرات عدة على الصعيد العسكري والسياسي، في ظل تعنت نظام الأسد في السلطة وعدم التخلي عن الحكم، ما دفعه لاستجرار قوات خارجية علها تبقيه على رأس الحكم رغمًا عن شعبه، ويبدو أن التحولات التي شهدتها الأطراف المتنازعة على التراب السوري، المتمثلة بالمعارضة والنظام وقسد، وكل مع داعمه، وصلت إلى طريق مسدود في إيجاد حل ينهي القضية برمتها، ما ساهم في التعامل مع العشائر السورية وكسب ودّها، التي توزعت تبعًا لمناطق السيطرة، وهي مرتبطةٌ ببعضها البعض.
وخلال الفترة الأخيرة شهدت الأراضي السورية هدوءًا نسبيًا لا معارك فعالة فيه واستقرار كل قوة في مناطقها التي تمددت إليها، في حين لوحظ نشاط لتلك القوى يتمثل في كسب ود العشائر السورية في مختلف أنحاء البلاد سعيًا لأمر يعين تلك القوى في السيطرة تمامًا على مناطق جديدة، وما هو مستبعد أن يصب في مسار جمع السوريين.
مساعٍ للتقرب من العشائر
فشل النظام السوري خلال السنوات السابقة أي قبل التدخل الروسي، في استعادة المناطق التي خرجت عن سيطرته، ما دفعه إلى التعاون بشكل مباشر مع العشائر السورية بمختلف أنحاء سوريا سعيًا منه للحفاظ على حاضنته الشعبية إلى جانب حفاظه على أكبر رقعة جغرافية ممكنة، لكن الأمر خرج عن سيطرته مع توسع سيطرة المعارضة أولًا وقسد لاحقًا على حساب تنظيم داعش الذي حصر مناطق سيطرة المعارضة، في منطقة جغرافية صغيرة.
عشائر موالية للأسد في ريف حلب
لكن الأمر بات الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالجزيرة السورية قد يخسرها النظام ولن يستطيع الحصول على ثرواتها الباطنية، ما دفعه إلى استغلال الشرخ الذي حدث بين العشائر العربية وقيادة قسد لصالحه من خلال وقوفه إلى جانب العشائر ضد قسد، وكذلك تشكيل قوات عسكرية أطلق عليها “جيش العشائر” بمباركة إيرانية.
وذلك عقب اغتيالات عدة شهدها العام الفائت قتل فيها شيوخ عشائر وشخصيات عربية محلية من دير الزور والرقة، إذ يرمي النظام إلى سحب البساط من تحت أقدام قسد من خلال إيجاد فجوة بين العشائر العربية وقسد التي تحكم المنطقة هناك، وكان النظام السوري قد نظم ملتقى للعشائر العربية في مدينة حلب بحضور أكثر من 50 قبيلة وعشيرة، تضمن شعارات داعمة لانتفاضة العشائر التي شهدتها مدينة دير الزور العام الماضي، ضد الأتراك والأمريكان وقسد.
واظبت إيران على بذل كامل جهودها خلال العام الفائت، للتقرب من العشائر السورية العربية في مختلف أنحاء البلاد وأبرزها الموجودة داخل مناطق سيطرة النظام السوري، كونها ترتبط بعشائر أخرى خارج مناطق سيطرته كالمناطق في شمال شرق سوريا وشمال غرب سوريا.
العشائر الموالية للنظام في زيارة إلى طهران
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم استقبلت طهران وجهاء عشائر عربية في شرق الفرات، حيث وصل الوفد القادم من دمشق وفقًا لدعوة تلقاها من النظام الإيراني، واجتمع الوفد مع مسؤولين إيرانيين تحدثوا عن تحرك العشائر العربية في منطقة الفرات ضد الوجود العسكري الأمريكي وقسد، ورفض العشائر العربية للوجود الأجنبي في سوريا، بينما سبق هذه الزيارة اجتماع مماثل مع محمد حسن أختري رئيس الهيئة العليا للمجمع العالمي لآل البيت، مع وجهاء العشائر في دمشق، الذي دعا فيه العشائر إلى سحب أبنائها من قوات قسد وإلحاقهم بصفوف الحرس الثوري الإيراني، وذلك عبر انضمامهم إلى جيش العشائر الذي تكفلت إيران بدعمه لوجستيًا وعسكريًا، بتنسيق مباشر مع النظام السوري.
كما تحاول إيران عبر مليشياتها في دير الزور التقرب من العشائر الموالية للنظام عبر كسب ودهم لا سيما أنهم حلقة الوصل بينها وبين شرق الفرت، المناطق التي تقع تحت سيطرة قسد، وستحاول إيران من خلال هذه العملية توسيع نفوذها في المد الشيعي وترسيخ وجودها عبر تأمين دخل مادي لمليشياتها من خلال السيطرة على آبار النفط والغاز، في حال استطاعت سحب البساط من تحت واشنطن وحليفتها قسد.
ولم تُستثن روسيا من التعاون مع العشائر السورية، فهي أيضًا لها دور مماثل، في بقاء نظام الأسد، لذلك تسعى إلى ترسيخ وجودها كون المناطق العشائرية غنية بالبترول، التي تسيطر عليها قسد وواشنطن، فإنها تحاول التقرب من العشائر العربية السورية شرق الفرات، واستغلال الشرخ الكبير بين قسد والمكون العربي في محافظتي دير الزور والرقة. وتهدف روسيا إلى تعزيز وجودها فيها لتحقيق توازن نفوذ مع الأمريكيين الذين يسيطرون على جل المناطق التي تضم حقول وآبار النفط في شرقي سورية.
واجتمع ضباط روس مع وجهاء العشائر في مدينة الميادين والقرى التي تصلها مع البوكمال، حيث قدم الروس تطمينات للوجهاء بإعادة الاستقرار إلى المنطقة في الأيام المقبلة والسعي لتخفيف الضربات الجوية عليها من خلال وجودها.
ويأتي هذا بعد هدوء المعارك العسكرية نسبيًا، حيث توجهت روسيا إلى الميدان السوري في ظل التغلغل الإيراني، في مختلف المناطق السورية، وحاولت نشر قواتها في مناطق عدة تغلب عليها السيطرة الإيرانية منها مدينة البوكمال ذات الموقع المهم لطهران، إلى جانب تواصلها المستمر مع العشائر العربية التي ترتبط بإيران، للحفاظ على وجودها إلى جانب كونها تفرض أمرًا واقعًا في توسع رقعة نقاطها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ومن هذا المنطلق الحد من النشاط الإيراني الذي يسعى إلى محاربة الوجود الأمريكي على الأراضي السورية.
مغازلة ووعود وردية
رغم الوجود الأمريكي المتواصل في شرق الفرات فإنها لم تخدم العشائر العربية بالشكل الذي يرغبون به، في ظل حكم المكون الكردي لهم، فهي ظلت تعدهم بالاستقرار الدائم والحفاظ على دورهم في إدارة شرق الفرات.
ويبدو أن واشنطن لا تريد أن تدير العشائر العربية مناطقها، فهي ترفض أي تشكيل عسكري أو سياسي لا يكون تحت مظلة قسد التي تخدم المصالح الأمريكية بشكل أو بآخر، وذلك تقوم واشنطن بمغازلة العشائر وإشراك فئات معينة في إدارة المناطق العربية تنضوي تحت مظلة العشائر التي ترضي قسد.
بينما تبقى العشائر رهانًا جديدًا لروسيا وإيران والنظام في المنطقة وواشنطن في الوقت ذاته تمنع ذلك بأي شكل من الأشكال عبر الضغط على قسد في إشراك عدد من العشائر واحتوائهم في الإدارة الذاتية فقط، بينما الدور البارز للكرد، في حين هددت العشائر التحالف الدولي بقيادة واشنطن بإجبار القوات العربية من أبناء العشائر على رمي السلاح وتنفيذ احتجاجات في ريف دير الزور في حال لم تحل واشنطن الوضع الأمني وتمنح العشائر إدارة مناطقها الخالية من الوجود الكردي.
ملتقى العشائر السورية شرق الفرات برعاية قسد
قسد هي الأخرى فشلت في احتواء العشائر السورية شرق الفرات واتجهت إلى التصعيد، لا سيما فيما يخدم بقاءها في المنطقة وهي في الوقت ذاته تخشى طغيان المكون العربي عليها خاصةً أن المكون الكردي هو الذي ينفرد بإدارة المنطقة، لذلك اختارت قسد شخصيات معينة من العشائر لتشكيل مجالس تتحدث باسم عشائر دير الزور والرقة بما يخدم مصلحتها.
وعلى الرغم من كل المحاولات التي انتهجتها قسد، فإنها فشلت في تحقيق مضامين السيطرة الكاملة بسبب عدم وفائها بالوعود التي قدمتها، لذلك اتجهت إلى قمع التكتلات العشائرية المناوئة لها التي استخدمتها أطراف متعددة المصالح في سبيل إسقاط ورقة قسد في شرق سوريا.
في حين تشهد المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة قسد انفلاتًا أمنيًا واغتيالات متواصلة، إلى جانب كون قسد تشن حملات دهم واعتقال ضد أبناء العشائر بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلى جانب حملات التجنيد الإجباري، ما أدى إلى شرخ كبير بينها وبين العشائر في مناطق سيطرتها.
تعزيز دور العشائر في مشاريعهم العسكرية
احتضنت تركيا العشائر السورية داخل أراضيها مع الانهيار الأمني الذي شهدته سوريا في المراحل الأولى من الثورة السورية ومع التدخل التركي في الأراضي السورية، فقد حثت تركيا العشائر على تشكيل مجالس وقبائل خاصة بهم في الأراضي التركية وانتقلت لاحقًا إلى الأراضي السورية، وعمل “نون بوست” على تغطية تشكيل مجلس العشائر السورية في مدينة أعزاز في ريف حلب، برعاية تركيا خلال عام 2018.
مجلس العشائر العربية المعارضة في ريف حلب
شهد 22 من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي الاجتماع الثاني لمجلس العشائر العربية في بلدة سجو بريف حلب، بدعم من تركيا التي تواصل إيجاد شخصيات عشائرية بارزة لحضور الاجتماعات الدورية.
وتبدو تركيا من خلال دعمها للعشائر تريد الوصول إلى مناطق شرق الفرات، فهذه العشائر على اتصال مباشر بالعشائر السورية في الرقة والحسكة ودير الزور، ما سيكسبها دعمًا محليًا في القضاء على قسد التي تشكل خطرًا على تركيا.
العشائر العربية المعارضة في تركيا
تدعم المعارضة السورية العشائر العربية التي هي جزء منها، حيث أكد رئيس الحكومة السورية المؤقتة دعم حكومته لمجلس العشائر في الاجتماع الأخير، إلى جانب دعم الجيش الوطني للعشائر السورية التي تعارض النظام السوري، إذ ستحقق عملية إرضاء العشائر العربية دعمًا محليًا لكل قوة عسكرية تسعى للسيطرة على منطقة ما، وهذا ما ترمي إليه تركيا والمعارضة السورية.
وتشكل العشائر العربية في سوريا أهمية بالغة كونها تمتاز بشعبية عند السوريين في مختلف المناطق وقد تساهم في تنفيذ مصالح الجهة التي تسعى إلى تعزيز دورها بما يخدم مصلحتها، وهذا ما يرغب به أطراف الصراع في سوريا من العشائر.
يبدو الركض خلف العشائر السورية ما هو إلا لتنفيذ مصالح الدولة الداعمة أو الجهة العسكرية التي تسيطر على الأرض، في حين يبقى دورهم مهمشًا في مصير البلاد، على الرغم من دورهم الذي قد يساهم في الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع أطراف الصراع، لكنه غير واضح المعالم طالما أنهم توزعوا كل يتبع للجهة التي تحكمه، وهم مشتتون بالفعل ولا يوجد لديهم مجلس موحد.