ترجمة وتحرير نون بوست
تدق الإصابات المتزايدة بسرعة بفيروس كوفيد ـ19 أجراس الإنذار في مصر، مما يؤدي إلى فرض مجموعة جديدة من القيود الحكومية وتجدد المخاوف من دفع نظام الرعاية الصحية في البلاد إلى حافة الانهيار. في الواقع، وصلت الإصابات والوفيات بفيروس كوفيد ـ19 إلى مستويات جديدة في الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان، وسط تحذيرات من مسؤولي الصحة من أن الرقم الحقيقي للوفيات قد يكون أعلى بكثير مما وقع الإبلاغ عنه.
دفعت الضرورة الملحة للأزمة المتفاقمة السلطات المصرية إلى إلغاء احتفالات رأس السنة الجديدة وحظر تجمعات الزفاف ومراسم الجنازة. وكانت وزارة الصحة قد أبلغت عن 1411 إصابة في 30 كانون الأول/ديسمبر، وهو أعلى معدل إصابة بالفيروس ليوم واحد في خمسة أشهر، ليصل إجمالي عدد الإصابات إلى 139471 منذ انتشار الوباء في شباط/فبراير 2020. وقد وقع الإبلاغ عن 56 حالة وفاة من قبل السلطات الصحية في ذلك اليوم، وهو أعلى إجمالي يومي منذ آب/أغسطس. مع أكثر من 7600 حالة وفاة بسبب فيروس كوفيد ـ19، تمتلك مصر ثاني أعلى معدل وفيات في إفريقيا.
التقييم الخادع
لقد حيرت أرقام مصر الخبراء الذين يقولون إن معدل الوفيات الذي يبلغ حوالي 5 بالمئة من الحالات المسجلة لكوفيدـ19 يتجاوز بكثير مثيله في البلدان ذات التركيبة السكانية المماثلة، ومن المحتمل أن يكون إجمالي عدد الإصابات أعلى بكثير من الأرقام الرسمية (تسجيل 140 ألف إصابة مؤكدة في مصر بين السكان البالغ عددهم 100 مليون، مقابل 600 ألف حالة في العراق و1.2 مليون حالة في إيران 1.2 و438 ألف حالة في إسرائيل و363 ألف حالة في المملكة العربية السعودية).
قال المسؤولون في الأسابيع الأخيرة إن الأرقام الحقيقية للحالات قد تكون في الواقع أعلى بكثير مما وقع الإبلاغ عنه. شكك ريك برينان، مدير برنامج الطوارئ الصحية لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية، في العدد الرسمي وقال في ندوة عبر الإنترنت في التاسع من كانون الأول/ديسمبر أن الحكومة ركزت اختباراتها على مجموعة فرعية صغيرة من المواطنين، وخاصة أولئك الذين يعانون من أعراض حادة.
كذلك، أضاف برينان أن أولئك الذين يعانون من أعراض خفيفة أو معتدلة لم يخضعوا لاختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل، قائلا: “نرى أن الأرقام الرسمية في مصر هي تقديرات ولا تمثل العدد الحقيقي لمرضى فيروس كورونا، لكننا [منظمة الصحة العالمية] لا نعتمد على التقارير اليومية فقط؛ كما ننظر في مؤشرات أخرى مثل الوفيات ومعدل إشغال وحدة العناية المركزة وقدرات المستشفى”.
لا تُسجل الوفيات في المنزل أو في المستشفيات الخاصة في الأرقام الرسمية، والتي تخص المستشفيات الحكومية فقط. ومع ذلك، من الصعب إخفاء مدى كارثية المأساة.
في 21 كانون الأول/ديسمبر، قدر عضو اللجنة العلمية بوزارة الصحة والسكان الإصابات الحقيقية بأكثر من 10 أضعاف الأرقام الرسمية. وقال محمد النادي: “لدينا إصابات بفيروس كورونا أكثر مما وقع الإعلان عنه. هي أعلى بعشر مرات على الأقل”.
حاولت السلطات المصرية تضييق الخناق على من يشككون في ردها أو الأرقام الرسمية، ومن بينهم ستة أطباء وصيادلة وقع سجنهم بتهمة “نشر أخبار كاذبة” بعد إثارة مخاوف بشأن نقص معدات الحماية للعاملين في مجال الرعاية الصحية. وفي آذار/مارس، أجبرت مصر الصحفية في صحيفة الغارديان روث مايكلسون على مغادرة البلاد لنشرها تقريرا عن دراسة علمية تقول إنه من المرجح أن يكون لدى مصر حالات إصابة بفيروس كورونا أكثر مما وقع تأكيده رسميا.
ارتفاع التكاليف
حددت وزارة الصحة 360 مستشفى على مستوى البلاد للتعامل مع عدوى فيروس كوفيدـ19، بينما خصصت وزارة التعليم العالي عددا أكبر من المستشفيات التعليمية للأشخاص المصابين بالفيروس. لكن الأطباء يقولون إن هذا أقل بكثير من الأرقام المطلوبة للتعامل مع تدافع المرضى الجدد، مما يعني أنه لا يمكن علاج سوى عدد صغير من المصابين.
قال خبير أمراض الرئة هشام أبو النصر لموقع ميدل إيست آي: “تستقبل المستشفيات المزيد من الأشخاص كل يوم، وهذا هو سبب نفاد المساحة المتاحة لديهم. لكن هذا يفتح الباب لمزيد من الوفيات”. من جهتها، قالت رشا أحمد، ربة منزل في أوائل الثلاثينات من عمرها ثبتت إصابتها مؤخرًا بفيروس كوفيدـ19 إن مستشفى شرق القاهرة أرسلها إلى منزلها لأن الأسرة كانت مخصصة للحالات الشديدة فقط. وصرحت لموقع ميدل إيست آي قائلة: “ليس من السهل تأمين سرير في المستشفى. هناك الكثير من المرضى في المستشفيات”. في الوقت نفسه، تزدهر المستشفيات الخاصة مستفيدة من الطلب المتزايد لفرض أسعار باهظة. ومع ذلك، فحتى الأغنياء نسبيا لا يستطيعون تحمل تكاليفها.
في قضية رفيعة المستوى تسلط الضوء على التحديات المختلفة التي يواجهها المصريون، أفادت التقارير أن فؤاد فرج، الأستاذ بجامعة القاهرة، وزوجته المحتضرة لم يقع فبولهما في مستشفى تديره الدولة في أواخر كانون الأول/ديسمبر. ثم لجأ الزوجان إلى مستشفى خاص لكنهما غادراه بعد أن عجزا عن تحمل تكاليفه الزائدة. وقع إدخال زوجة الأستاذ لاحقا إلى مستشفى عام، فقط بعد تدخل وزير التعليم العالي شخصيا. لكن بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم أموال أو اتصالات رفيعة المستوى، يمكن أن يعني نقص الأسرّة العودة لمحاربة المرض أو حتى الموت في أماكن معيشية ضيقة، أين يمكن أن تنتشر العدوى بحرية.
يخوض صُنّاع القرار في القاهرة الآن سباقا مع الزمن لوقف انتشار الفيروس ويسارعون إلى وضع سلسلة من الإجراءات خلال السنة الجديدة.
إخفاء الحقيقة
لا تُسجل الوفيات في المنزل أو في المستشفيات الخاصة في الأرقام الرسمية، والتي تخص المستشفيات الحكومية فقط. ومع ذلك، من الصعب إخفاء مدى كارثية المأساة. لقد أفاد جهاز الإحصاء الرسمي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مؤخرا عن 60 ألف حالة وفاة في الفترة من أيار/مايو حتى تموز/يوليو 2020، وهي أشهر الذروة للموجة الأولى من كوفيدـ19 في مصر.
هذا أعلى بكثير من متوسط معدل الوفيات في الأشهر المقابلة في السنوات السابقة. وقد عزا البعض هذا التباين إلى كوفيدـ19. في الواقع، قالت نجوى الشافعي، عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء، النقابة المستقلة للأطباء في البلاد، لموقع ميدل إيست آي: “الوفيات تتزايد بسبب عدم التزام الناس العاديين بالإجراءات الوقائية. يساهم انخفاض درجات الحرارة أيضا في انتشار الفيروس على نطاق أوسع”.
كما تم توجيه الغضب المتصاعد تجاه الحكومة المصرية لتأخيرها إطلاق برنامج التحصين الذي وقع الترويج له كثيرا. يُذكر أن الحكومة أعلنت أن برنامج التحصين سيبدأ بالعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية ثم كبار السن قبل نهاية سنة 2020. كذلك، فإن اختيار مصر لشراء 100 ألف جرعة من لقاح سينوفارم الصيني، الذي نادرا ما يستخدم في دول أخرى، كان أيضا سببا لانتقادها. غير أن الشافعي أكدت على أن التأخير يعود إلى مخاوف تتعلق بالسلامة وليس إلى عدم الكفاءة. وقالت: “أعتقد أن السلطات تستغرق وقتا لضمان أن جرعات اللقاح التي وصلت آمنة للاستخدام. آمل أن تبدأ عملية التحصين قريبا”.
سباق مع الزمن
يخوض صُنّاع القرار في القاهرة الآن سباقا مع الزمن لوقف انتشار الفيروس ويسارعون إلى وضع سلسلة من الإجراءات خلال السنة الجديدة. يوم الخميس، أرجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي امتحانات الفصل الدراسي الأول لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات بعد الإبلاغ عن عدة إصابات ووفيات في المؤسسات التعليمية بالبلاد وتحت ضغط من الأولياء المذعرين.
تعليقا على القرار، قال وزير التربية والتعليم، طارق شوقي إن القرار يهدف إلى إبقاء عدد الإصابات تحت السيطرة خلال ذروة انتشار كوفيدـ19 في شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير. كذلك، سيصبح ارتداء الأقنعة إلزاميا اعتبارا من يوم السبت، مع فرض غرامات صارمة على من لا يفعلون ذلك في العمل أو في وسائل النقل العام.
تقول السلطات إنه قد يكون هناك المزيد من القيود إذا استمرت حالات العدوى في التصاعد. وقالت شادية ثابت، عضو لجنة الصحة في البرلمان المصري لموقع ميدل إيست آي: “اتخذت الحكومة إجراءات صارمة لمنع انتشار العدوى. أعتقد أننا بحاجة إلى الانتقال إلى المستوى التالي، أي بفرض المزيد من الإغلاقات إذا لم تؤتي هذه الإجراءات ثمارها”.
المصدر: ميدل إيست آي