تاريخ العسكرية في العراق ضارب في القدم ويُخبرنا التاريخ أن أول جيوش التي عرفها الإنسان تشكلت على هذه البقعة من الأرض، بداية من الممالك السومرية مرورًا بالإمبراطورية الأكادية والبابلية وصولًا للقرن التاسع قبل الميلاد حين وضع الآشوريون الأسس التي يعرفها العالم اليوم لبناء وتشكيل الجيوش النظامية.
أما جيش العراق الحديث فقد تشكل في الـ 6 من يناير/كانون الثاني عام 1921م وبذلك يكون اليوم قد أكمل قرنًا من الزمان منذ تأسيسه.
يعتبر الجيش العراقي الحديث أكثر جيوش المنطقة خوضًا للحروب بداية من حروب الاستقلال الأنجلوعراقية مرورًا بالحروب القومية في 48 و73 ثم حربي الخليج الأولى والثانية وصولًا لحرب العراق ثم معارك استعادة المدن من تنظيم الدولة الإسلامة “داعش”.
وصل الجيش العراقي أوج قوته عام 1990 حيث بلغ تعداد مقاتليه في الصنوف المختلفة مليون مقاتل، ما جعله يحتل المرتبة الرابعة عالميًا بين الجيوش الأكثر تعدادًا في ذلك الوقت.
لم تخل هذه المسيرة الطويلة من الاشتباك السياسي، فشارك الجيش بشكل كبير في رسم سياسات العراق الحديث منذ تأسيسه وإلى اليوم.
في هذا المقال أضع 8 مصادر مختلفة يمكن من خلالها فهم حروب الجيش العراقي وتأثيراته على الساحة العسكرية والسياسية والمجتمعية داخل العراق وخارجه في المنطقة والإقليم الذي يشكل العراق جزءًا محوريًا منه.
كتاب تأسيس الجيش العراقي وتطوره ودوره السياسي 1921 – 1941م
تقدم الباحثة في جامعة بغداد الدكتورة رجاء الخطاب كتابًا عن حقبة مهمة من تاريخ الجيش العراقي منذ تأسيسه وحتى ثورة مايس 1941م وهي الفترة الأولى من الحكم الملكي للعراق الذي كان يحاول الانبثاق عن الوصاية البريطانية.
فوج موسى الكاظم أول تشكيل في الجيش العراقي
تقول الخطاب في مقدمة الكتاب الصادر عام 1979م “إن موضوع تأسيس الجيش العراقي وتطور دوره السياسي فيما بين سنتي 1921 – 1914 واحد من الجوانب البارزة في تاريخ العراق الحديث التي بغيرها تبقى مسألة فهم تاريخ العراق الحديث قاصرة”.
وقد قدم الكتاب في 550 صفحة تصورًا جيدًا لتلك الحقبة الزمنية خاصة فيما يتعلق بمراحل التأسيس وما سبقها من تدافع عراقي بريطاني بشأن الموضوع وصولًا لمرحلة الصدام في مايس 1941.
كتاب دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا عام 1941م
ركز الكاتب فاضل البراك في كتابه على الحرب الأنجلوعراقية ودور الجيش المحوري في هذه الحرب وتحديدًا حركة مايس 1941م ضد البريطانيين أو ما عرفت بثورة رشيد علي الكيلاني السياسي المسنود من تكتل في الجيش العراقي الذي يعرف بتكتل العقداء الأربعة بزعامة صلاح الدين الصباغ وكل من فهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان.
أفراد من القوات المسلحة العراقية في جنين – فلسطين 1948
وقد استعان الكاتب بمصادر مهمة لكتابه شملت وثائق إنجليزية وعربية وألمانية، كما استفاد من مذكرات شخصية لشخصيات محورية عاصرت هذه الفترة الزمنية كرشيد علي الكيلاني وصلاح الدين الصباغ وطه الهاشمي ومفتي فلسطين الحسيني وغيرهم.
كتاب الجيش والسلطة في العراق الملكي 1921 – 1958
كيف فتح الباب على مصراعيه بأحداث 14 من يوليو/تموز 1958 للجيش بالتدخل في السلطة السياسية في العراق؟ وكيف تنامت قوة الجيش ونخبه في العهد الملكي وصولًا لهذا التاريخ؟
يجيب الكاتب عقيل الناصري عن هذه الأسئلة وغيرها في هذا الكتاب الذي يشرح طبيعة التداخلات السياسية للسلطة العسكرية في البلاد والوجوه التي تصدرت تلك المرحلة من الجيش وتأثيراتها ومكامن قوتها ويرصد طبيعة المطبخ السياسي العراقي داخل الجيش وصولًا لنقطة خروجهم من الثكنات ليعطلوا الدستور الدائم ويستولوا على المشهد السياسي والاقتصادي وحتى الفكري في عراق ما بعد 14 تموز.
كتاب جيش في الذاكرة المرجع في حروب العراق المعاصر 1965 – 2003
يقدم الفريق الركن ياسين فليح المعيني تصورًا شاملًا لمشاركة الجيش العراقي وحروبه من ستينيات القرن الماضي وحتى عام 2003 ويقع الكتاب في 600 صفحة قدم خلالها المعيني شهادة من داخل الجيش العراقي عن حروبه التي خاضها.
يقسم الكتاب إلى 18 فصلًا ليتمكن الباحث من تغطية أحداث واقعية للفترة من 1965 وحتى 2003، يعتبر الكتاب من المصادر المهمة للاطلاع على السردية من لسان الجيش نفسه عن أبرز حروبه التي خاضها في تلك الفترة الزمنية.
حارس البوابة الشرقية 1973م
يقدم الكاتب الصحفي والروائي المصري جمال الغيطاني في كتابه حارس البوابة الشرقية سردًا صحفيًا ممتعًا لطبيعة مشاركة القوات العراقية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م بعد أن وجد الكاتب تعتيمًا إعلاميًا على هذا الدور المهم للجيش العراقي في هذه الحرب فيقول:
“لاحظت من خلال متابعتي لما كتب عن حرب أكتوبر ندرة ما ذكر حول دور الجيش العراقي ووصل الأمر إلى حدٍ يشبه التعتيم الإعلامي. لا أدرى ما مصدره أو المسؤول عنه”.
وقد سرد الغيطاني في هذا الكتاب دور الجيش العراقي على جبهة قناة السويس والجولان عبر عمل صحفي متميز بالاستماع لشهادات الموجودين في الجبهات فيقول فيها: “بدأت رحلة بحث بهدف استكشاف دور الجيش العراقي في حرب أكتوبر وهكذا فمهمتى هي البحث عن دور الجيش العراقي في حرب أكتوبر ليس من خلال الوقائع المدونة بل من خلال البشر الذين خاضوها”.
كتاب الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988 مذكرات مقاتل
يوثّق الفريق الأول الركن نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق يوميات الحرب العراقية الإيرانية في صورة مذكرات ينشرها أول مرة.
طيارون عراقيون يستعدون لضرب أهداف إيرانية جديدة خلال الحرب العراقية الإيرانية وتظهر خلفهم طائرات الميراج إف
ويعد الكتاب أول رواية للحرب العراقية الإيرانية يكتبها عسكري عراقي خاض تلك الحرب منذ أول يوم لاندلاعها في سنة 1980 حتى نهايتها في سنة 1988، وكان شاهدًا على جميع معاركها التي شارك فيها مباشرة حين كان قائدًا لفرقة مشاة، أو خطط لها وتابع تنفيذها عندما تولى رئاسة أركان الجيش العراقي سنة 1987.
وتكشف هذه المذكرات معلومات جديدة ومغايرة لما هو سائد عن الحرب العراقية الإيرانية التي كانت من أطول حروب العالم في القرن العشرين.
كتاب مذكرات نائب عريف في القوات العراقية 1991م
يقدم لنا الكاتب الكويتي نجيب عبد الله الرفاعي في هذا الكتيب الصغير الذي لا تتجاوز صفحاته الثمانين صفحة، مذكرات شبه يومية لأحد الجنود العراقيين في أثناء الأحداث الشهيرة لغزو الكويت.
هذا الكتاب عبارة عن مذكرات وجدت في الكويت بعد انسحاب الجيش العراقي منها والفضل في نشر هذه المذكرات لمن عثر عليها، ويشاهد المطالع للكتاب صعوبة التجربة التي مر بها المقاتل العراقي في مشاركته باجتياح جاره الشقيق وكمية الألم الكبيرة التي رافقت هذه الأوامر العسكرية.
الكتاب وعنوانه والتعليق عليه تم من الدكتور نجيب الرفاعي لذلك قد يربك المطالع الذي يعتقد أن ما كتبه الرفاعي هو جزء من مذكرات الجندي العراقي لذلك يجب أن ينتبه القراء لهذه النقطة عند الاطلاع على الكتاب.
كتاب الحرب الأمريكية على العراق 2003
يسرد لنا الفريق الركن طه الشكرجي آخر حروب الجيش العراقي قبل قرار حله من الحاكم الأمريكي بول بريمر، ويسوق الكاتب أسباب الغزو ومجريات الأحداث والمعارك وعوامل فشل القوات العراقية ونجاح الأمريكية.
كما يخوض الكاتب في البعد السياسي العراقي والدولي وتأثيراته على الحرب إضافة للبعد الاقتصادي والفكري، يقع الكتاب في 165 صفحة ويشكل رؤية من داخل الجيش لطبيعة الأحداث ما قبل وخلال 2003.
الجيش العراقي T-72 دبابة ينفذ تدريبات بالذخيرة الحية في ميدان بسماية بغداد، 28 أكتوبر 2008
في الختام لم أتمكن من الحصول على كتاب يتحدث عن الجيش العراقي بعد قرار حله من الحاكم المدني للعراق بول بريمر عقب الغزو الأمريكي للعراق في 2004.
وللأسف فإن هذه الفترة الصاخبة من تاريخ المؤسسة العسكرية في العراق بين الحل وإعادة التشكيل والحرب الطائفية وصولًا لقتال تنظيم الدولة واسترجاع المدن العراقية ما زالت غير موثقة بأبحاث شافية وكتب ترصد لنا 17 عامًا من تاريخ الجيش العراقي غير الموثق.
قرن من الزمان انتهى منذ تأسيس الجيش العراقي ولم ينزل الجندي العراقي إصبعه على الزناد ولم تعرف الأجساد الراحة إلا على السواتر، فمتى تعود القوات لثكناتها وينعم العراق بالاستقرار؟! يبقى هذا السؤال أمنيةً بلا إجابة حتى نشهد تاريخًا تنفصل فيه البندقية عن السياسة.