منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تمسكه بتنظيم انتخابات نيابية مسبقة واستعجاله لجنة خبير القانون الجزائري أحمد لعرابة، لتجهيزه في غضون أسبوعين تحسبًا لإطلاق المسار الانتخابي، تفاقمت مخاوف الأحزاب التقليدية في البلاد بسبب التوجه نحو إسقاط “الكوتا” أو ما يعرف بنظام المحاصصة السري الذي كان يعتمد في الانتخابات النيابية وحتى المحلية.
يتوقع مراقبون ومتتبعون للمشهد السياسي في البلاد أن يرسم قانون الانتخابات الجديد في الجزائر والمرتقب الإفراج عنه في الأيام القليلة القادمة خريطة سياسية جديدة، لأن النظام الانتخابي الجديد المرتقب لن يكرس نظام المحاصصة المعمول به منذ سنوات الذي استفادت منه أحزاب كانت محسوبة على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وأخرى من المعارضة.
التقليديون في ورطة
يبدو أن آمال وأحلام التقليديين في الحصول على مكانة بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) ستتبدد هذه المرة، ولا حل أمامها إلا توحيد صفوفها والتنسيق فيما بينها.
وكان نظام المحاصصة السري من التهم التي تتبادلها الأوساط السياسية في البلاد وهو ما حدث في الانتخابات البرلمانية التي جرى تنظيمها في مايو/أيار 2012 حيث أكد زعيم جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي) عبد الله جاب الله، حيازته على معطيات وأدلة تثبت حصول جبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض) على مقاعد ضمن الكوتة المخصصة له.
ويصنف نظام المحاصصة السري في خانة المواضيع المسكوت عنها إعلاميًا وسياسيًا، فلا حزب يجهر علنًا بحصوله على مقاعد ضمن هذا النظام وحتى رسميًا إلى غاية إقرار الرئاسة الجزائرية باعتماد هذا النظام في الانتخابات النيابية والمحلية، وبحسب البيان الرئاسي الذي صدر نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، فإن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمر لجنة لعرابة المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي بتحديد مقاييس انتخابية شفافة تقطع نهائيًا مع ممارسات الماضي السلبية بمنع المحاصصة “الكوتا” في توزيع المقاعد وشراء الذمم والفصل بين المال والسياسة كشروط لا بد منها لهيكلة الحياة السياسية وضمان انتخابات تعبر حقًا ودون منازع عن الإرادة الشعبية، لتنبثق عنها مؤسسات ديمقراطية نظيفة ذات مستوى ومصداقية ومفتوحة للشباب لا سيما الجامعيين منهم والمجتمع المدني.
حددت الضوابط أن يكون للأحزاب الراغبة في دخول غمار الحملة الانتخابية 10 مقاعد في غرفتي البرلمان
وبرزت أول مواجهة بين السلطة والمعارضة الإسلامية خلال الحملة الانتخابية للاستفتاء على تعديل الدستور في الجزائر، حيث اتهم تيارا الإخوانيين عبد الرزاق مقري وعبد الله جاب الله السلطة بمنعهما من تنشيط حملة انتخابية بسبب موقفهما الرافض للدستور، بينما نفت السلطة المستقلة للانتخابات تصريحات هذين الأخيرين وأكدت أن حركة مجتمع السلم التي يقودها مقري وحزب العدالة والتنمية الذي يقوده عبد الله جاب الله لم يقدما لها ملفات تنشيط الحملة الانتخابية بخصوص الدستور وفق ما يقتضيه القانون.
وحددت الضوابط أن يكون للأحزاب الراغبة في دخول غمار الحملة الانتخابية 10 مقاعد في غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة ومقاعد في المجالس الشعبية المحلية على مستوى 25 ولاية على الأقل، وهي الشروط التي لا تتوافر عليها الحركتان.
واختار الإسلاميون التخندق في الجبهة المعارضة للدستور الجديد في الجزائر، وتركزت تحفظاتهم على غموض نظام الحكم ومواد تريد أن تجعل المدرسة والمسجد بعيدين كل البعد عن الشعب إضافة إلى عدم اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع.
امتحان حقيقي للسلطة
يعلق المحلل السياسي والإعلامي أحسن خلاص على هذا النظام بالقول: “المحاصصة ليست نظامًا قائمًا، بل سلوكيات سرية قائمة منذ مدة ولا شيء يدل أنها ستنتهي”، ويرى المتحدث أن التخلي عن هذا النظام سيشكل ضربة قاصمة للأحزاب التقليدية التي رضيت باللعبة في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ورجح المحلل السياسي أن يحمل القانون المعدل الذي سيتم الإفراج عنه لاحقًا تغييرًا للنظام الانتخابي المعمول به حاليًّا والمتمثل في إلغاء شرط 4% للمشاركة واعتماد القائمة الاسمية للدوائر في دورين بدل القائمة الولائية النسبية.
وتشكل العتبة الانتخابية الواردة في المادتين 73 و94 من القانون الانتخابي الحاليّ، هاجسًا للأحزاب الفتية التي حصلت على نسبة أدنى من 4% من الأصوات في آخر انتخابات تم تنظيمها في البلاد، وهو ما يفرض عليها جمع التوقيعات لقبول قوائمها.
وتنص المادتان 73 و95 من القانون الحاليّ، على أن القوائم المرشحة للانتخابات التشريعية أو البلدية، سواء باسم تكتل حزبي أم باسم حزب، يجب أن تكون قد بلغت نسبة تعادل أو تفوق 4% من الأصوات أو 10 منتخبين في المجالس المنتخبة في آخر انتخابات سابقة، وفي حالة عدم تحقيق هذه النسبة سيكون على القوائم المرشحة من الأحزاب والأحزاب الجديدة والمستقلين جمع 250 توقيعًا من الناخبين لقبول ترشيحها.
مخاوف من أن تكون التعديلات التي ستجرى على قانون الانتخابات سطحية وشكلية وهو ما لا يخدم السلطة ولا العملية الانتخابية
ويعتقد الباحث في الشؤون السياسية مبروك كاهي، أن معالم قانون الانتخاب لم تتضح بعد، ويقول لـ”نون بوست” إنه وفي حالة الاحتفاظ بنفس المنوال السياسي القائم على المحاصصة فستعيد الانتخابات البرلمانية المرتقبة إنتاج نفس التركيبة التشريعية الحاليّة أي ستواصل أحزاب الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة السيطرة على المشهد البرلماني مع تراجع حقيقي للتيار اليساري جراء الضرر الذي لحق به بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق، أما الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي فستحاول الحفاظ على موقعها الوسطي.
ويرى العضو البارز في مبادرة القوى الوطنية للإصلاح عبد القادر بريش، أن إسقاط نظام المحاصصة سيكون بمثابة امتحان حقيقي للسلطة الجديدة في الجزائر، فيقول لـ”نون بوست” إنه وفي حالة ما إذا كرس النظام الانتخابي الجديد نظام المحاصصة المعمول به خلال العقدين الماضيين من الزمن الذي تستفيد من أحزاب الموالاة وقطاع عريض من أحزاب المعارضة فإن القوى القديمة ستحكم قبضتها على المجالس المنتخبة.
وأبدى أستاذ القانون الدستوري عامر رخيلة، مخاوفه من أن تكون التعديلات التي ستجرى على قانون الانتخابات سطحية وشكلية وهو ما لا يخدم – بحسبه – لا السلطة ولا العملية الانتخابية التي ستبقى خاضعة لنفس السلوكات القديمة.
ويرافع رخيلة من أجل إحداث تعديلات جوهرية وعميقة لقانون الانتخابات، من خلال التخلي عن نظام القائمة النسبية المعتمدة حاليًّا لأنها تقف وراء استفحال ظاهرة الرشوة الانتخابية وتحكم القبلية والجهوية في العملية الانتخابية إضافة إلى سيطرة الإدارات المركزية للأحزاب السياسية وتدخل مؤسسات لا علاقة لها بالنشاط الحزبي في ضبط القوائم الانتخابية.
وقال القانوني المعروف، في مقال له على صفحته على الفيسبوك، إن إلحاح الرئيس تبون في ظهوره الأخير، على وجوب الإسراع في مراجعة قانون الانتخابات يستوجب طرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكننا الأمل في أن لجنة لعرابة ستقدم للمجتمع تشريعًا انتخابيًا يضمن ديمقراطية الترشح والتمثيل والجدارة في الفوز؟ واختتم رخيلة تصريحاته بالقول: “نأمل ألا تخيب اللجنة مثلما، وبكل موضوعية، خيبت آمال الكل في مضمون الدستور، الذي فهمت من كلمة الرئيس أنه سيقدم على إصداره بمجرد عودته للجزائر”.