قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت القبضة الأمنية تتحكم فى كل مفاصل الدولة المصرية، وكان الحرس الجامعي أحد مظاهر هذه السيطرة الأمنية، حيث كان الأمن المتواجد داخل أسوار الجامعة هو أحد أجهزة وزارة الداخلية ويتبعها إداريًا منذ عام 1981م، وكان تواجد الأمن يهدف إلى قمع أي حراك طلابي أو تعبير سياسي معارض للسلطات الحاكمة حينها، وكان الأمن يتدخل بشكل مباشر في الأنشطة الطلابية بتزوير انتخابات الاتحادات الطلابية، كما كان يُشترط الحصول على موافقة أمنية لتعيين أي من الطلبة أوائل الكليات في الجامعة أو التعيين فى أي من الوظائف القيادية بالجامعة كرئيس الجامعة وعمداء الكليات.
وفي نهاية أكتوبر من العام 2010 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا نهائيًا برفض تواجد الحرس الجامعي داخل الجامعات المصرية، إلا أن هذا الحكم لم يعمم تنفيذه إلا بعد قيام الثورة المصرية في يناير 2011، ليتم استبدال الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية بحرس إداري مدني تابع لوزارة التعليم العالي، حيث أعلنت الجامعات عن حاجتها لشغل وظائف أفراد أمن يتبعون وزارة التعليم العالي مسئوليتهم المباشرة هي حماية منشآت الجامعة دون أي رقابة على النشاط الطلابي.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 بدأ الأمن الإداري يخرج عن الدور المنوط به ليقوم بالاعتداء على الطلاب والاشتراك مع أجهزة وزارة الداخلية في فض التظاهرات وتحرير مذكرات بانفلات الأوضاع ليبرر طلبات إدارة الجامعات من وزارة الداخلية الدخول لأسوار الجامعة للتعامل المباشر مع الطلاب المعارضين والاعتداء على تجمعاتهم؛ مما أسفر عن مقتل 23 طالبًا وجرح أكثر من 1123 آخرين داخل أسوار الجامعات المصرية حسب ما قاله تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، كما عمل أفراد الأمن الإداري على القبض بشكل غير قانوني على عدد كبير من الطلاب والطالبات واحتجازهم داخل الجامعة بعد التعدي عليهم بالضرب والسحل قبل تسليمهم إلى قوات الداخلية.
وبالرغم من هذه الممارسات القمعية فشلت السلطات في منع تظاهرات الطلاب المعارضة حتى آخر لحظات العام الدراسي 2013 /2014؛ فاتجهت إرادة السلطات إلى مزيد من الممارسات لقمع أي حراك طلابي معارض داخل أسوار الجامعة.
بتاريخ 4/9/2014 صدر قرار وزير التعليم العالي المصري بتأجيل بدء العام الدراسي في الجامعات إلى11 أكتوبر بدعوى استكمال الصيانة في المدن الجامعية، إلا أن تصريحات المسئولين بعدها والقرارات الرسمية التى تلت هذا القرار أثبتت أنه قرار مسيس ويهدف إلى استكمال الاستعدادات الأمنية لمكافحة وقمع المظاهرات المعارضة للنظام.
بتاريخ 12/9/2014 اجتمع الرئيس العسكري “عبد الفتاح السيسي” مع رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة، وحول هذا الاجتماع صرح وزير التعليم العالي لوسائل إعلام مصرية “أن السيسي طلب من رؤساء الجامعات أن يكونوا على قدر المسئولية استعدادًا للعام الدراسي الجديد، كما طالب بزيادة الاستعدادات الأمنية بالجامعات مع بدء العام الدراسي، الذي من المنتظر أن يبدأ في11 أكتوبر المقبل، من حيث الاستعانة بشركات أمن خاصة بالجامعات التي تشهد أعمال عنف وشغب، بالإضافة إلى الأمن الإداري بالجامعات، والشرطة التي ستكون موجودة خارج الأسوار”.
بتاريخ 15 /9 /2014 أقر المجلس الأعلى للجامعات في جلسة طارئة خطة تأمين الجامعات المصرية قبل بدء العام الدراسي الجديد المقرر انطلاقه 11 أكتوبر المقبل وذلك من خلال شركات أمن خاصة، إضافة إلى تفعيل البروتوكول الموقع مع وزارة الداخلية، وزيادة عدد أفراد الأمن الإداري في الجامعات وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك.
بتاريخ 24/9/2014 أعلن اللواء “شريف خالد” وكيل المخابرات الحربية السابق، والرئيس التنفيذي لشركة فالكون لخدمات الحراسة والأمن، في تصريحات لوسائل إعلام مصرية أن الشركة عقدت اتفاقًا مع وزارة التعليم العالي على تأمين 15 جامعة من بينها (القاهرة، الإسكندرية، عين شمس، حلوان، المنيا، أسيوط، الزقازيق، المنصورة، بني سويف، طنطا) وشرعت الشركة في تركيب بوابات فولاذية للجامعات وكاميرات مراقبة، كما نشرت بتاريخ 08/10/2014 عناصرها في الجامعات المذكورة لتبدأ مهام الحراسة.
وحسب الأوراق الرسمية فمن المفترض أن شركات “فالكون” التي يرأسها اللواء شريف خالد، تقدم خدماتها الأمنية مسلحة بشكل كامل دون المروحيات، وهي الشركة الوحيدة التي لديها تصريح البندقية الخرطوش في الشرق الاوسط والتي حصلت عليها قبيل تولي المسئولية لتأمين عبد الفتاح السيسي أثناء حملته الانتخابية. والشركة مملوكة بنسبة 40% للبنك التجاري الدولي CIB حيث أسسها البنك كأحد شركاته عام 2006.
الأمر الأكثر خطورة أن لفالكون حق نشر (قوات تدخل سريع) كخدمة أمنية خاصة تحصلت عليها من قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية عقب نجاح السيسي، وتتضمن الخدمة نشر مجموعات مسلحة بالأسلحة اللازمة والمركبات والموتسيكلات في نقاط الارتكاز المستهدفة ومنها مناطق مكافحة الإرهاب، وتدار هذه القوات الخاصة بغرفة عمليات مركزية تتم بالتنسيق مع وزارة الداخلية وأجهزة تتبع ومراقبة، ويعتقد الطلاب أن هذه الخدمات الأمنية سيتم استخدامها في الجامعات لقمع المظاهرات الطلابية كبديل عن قوات الداخلية سيئة السمعة دوليًا ورفع الحرج عنها الفترة المقبلة.
ويأتي تكليف الشركة من وزارة التعليم العالي بالحق الحصري لإدارة 15 جامعة أمنيًا دون غيرها من الشركات ودون أي حد أدنى من الشفافية والتنافسية في البروتوكول الموقع بين الطرفين، في إطار مجموعة من الصفقات والامتيازات للشركة كمكافأة لها على دورها في تأمين السيسي في حملته الانتخابية، تمثلت في زيادة التعاقدات التي وصلت إلى 2 مليار جنيه وبروتوكلات التعاون الحكومية وشركات رجال الأعمال المؤيدين لانقلاب 3 يوليو ومنشآت الإعلاميين وآخرهم عمرو أديب، وكذلك افتتاح أول كاش سنتر في مصر وتأمين مباريات كرة القدم وموقع مشروع قناة السويس، والحصول على تراخيص البندقية الخرطوش والتدخل السريع؛ الأمر الذى أدى لارتفاع أرباح الشركة إلى 20% في الشهور الأخيرة، حيث من المتوقع أن تصل إلى 216 مليون جنيه في نهاية 2014 لتحتكر 45% من السوق المصري في قطاع الخدمات الأمنية، وزيادة الإيرادات بنسبة 40% عن 2011، وافتتاح 4 فروع جديدة.
فبعد حملة السيسى؛ ارتفع حجم العاملين بفالكون جروب والتي صارت تضم 7 شركات، من 6000 إلى 12 ألف موظف منهم 580 موظفة في قطاع الأمن النسائي، ويتم تدريب هؤلاء العاملين بمعهد أمناء الشرطة، بمرتبات تبدأ بـ 1200 جنيه شهريًا لمدد عمل تصل إلى 12 ساعة يوميًا، الجدير بالذكر أن عدد كبير من المديرين والمشرفين والإدارات الوسطى والعليا بالشركة هم من الضباط السابقين بالجيش والشرطة وأجهزة المخابرات والأمن الوطني.
وفي أبريل 2014 وقعت الأميرة “بسمة بنت سعود عبد العزيز آل سعود” بروتوكول تعاون بين شركة فالكون ومركز “صدي الحياة السعودية الدولي” الذى تديره الأميرة السعودية بحجم أعمال يقدر بـ 30 مليون جنيه لتأسيس المركز الأمني النسائي التخصصي في السعودية.
وفي العام 2008 وقعت مجموعة شركات “النالي” الإماراتية اتفاقية مع “فالكون جروب” لتأسيس شركة مشتركة تعمل في مجال الخدمات الأمنية، وساهمت “فالكون” بنسبة 60 في المائة في الشركة الجديدة، فيما تبلغ حصة الجانب الإماراتي الـ 40 في المائة الباقية.
وأصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بيانًا أكدت فيه أن مجموعة فالكون أقدمت على التعاقد مع وزارة التعليم العالي وهي على دراية تامة بأن الجامعات في ظل الوضع السياسي المتردي تشهد أنشطة احتجاجية مشروعة ضد السلطات الحالية وأن التدخل فيها سيؤدي إلى صدامات تضر بمصالح المجموعة والبنك التجاري الدولي الذي تتبع له مجموعة فالكون على المستويين المحلي والدولي.
كما دعا البيان مجموعة فالكون والبنك التجاري الدولي إلى فسخ العقد الذي أبرمته مع وزارة التعليم العالي درءًا لأي مساءلة قانونية لمسئولي الشركة وموظفيها قد تنتج عن الاشتراك في فض مظاهرات أو اعتصامات الطلبة السلمية.
المصادر: المرصد العربي للحقوق والحريات + مواقع إخبارية مصرية