ترجمة وتحرير نون بوست
قبل عدة أسابيع، صدرت تقارير في مصر تتحدث عن تشكي المواطنين من أن الكثير من المواد المدرسية التي يتلقاها أطفالهم، بما في ذلك دروس الدين والتاريخ والجغرافيا، تستند إلى مناهج معتمدة من قبل الإمارات العربية المتحدة وليس من قبل مصر. وقد سلط بعض الآباء الضوء على ما زعموا أنه “تشويه للتاريخ”، وهو ما قد يعني – وفقا لما صرحوا به – أن أطفالهم “لا يتعرفون على وطنهم بشكل صحيح”.
حذّر أعضاء البرلمان والصحفيون الذين تلقوا الشكاوى من أن ما يحدث ربما يكون مؤامرة تحاك من قبل الحكومة الإماراتية لتشكيل هوية الجيل القادم من المصريين. وقد خلفت هذه الحادثة الذعر في صفوف الأولياء. ومع وجود أخطاء في الواقع في الكتب المدرسية وأخطاء مطبعية في المصاحف، إلا أنه يبدو أنه لا يوجد قوة إرشادية واحدة تسعى إلى تشويه التاريخ أو تحريف الروايات المقبولة في البلاد. وحتى عدد المدارس التي اكتُشفت فيها هذه الأخطاء كان ضئيلاً – بضع عشرات من بين أكثر من 7750 مدرسة خاصة في البلاد.
لكن شكاوى أولياء الأمور تضمنت قلقًا أعمق من سيطرة الإمارات على نظام التعليم المصري بطريقة يمكن أن تُغير المجتمع المصري. في سنة 2015، بعد حوالي سنة من تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة، التزمت الإمارات العربية المتحدة – التي أيدت الإطاحة بسلف السيسي محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين – بتأسيس 100 مدرسة جديدة في مصر.
في ذلك الوقت، بدت هذه الهدية بمثابة بادرة صداقة تجاه حليف مصري انضم إلى التحالف العربي الذي أطلقته السعودية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، والذي ضم البحرين والإمارات والسودان. ولكن بغض النظر عن هذه الهدية التي اعتبرها المصريون شيئا لا يتجاوز حدود الاستثمار النقدي السخي، كانت الإمارات العربية المتحدة تعتبر المدارس الخاصة في مصر جزءًا من استثماراتها المربحة.
في سنة 2018، بدأت مجموعة جيمس التعليمية، أكبر شركة استشارات وإدارة تعليمية خاصة في العالم، ممارسة الأعمال التجارية في مصر بالشراكة مع شركة هيرمس المصرية. اشترى مركز الشركة في الإمارات العربية المتحدة حصة 50 بالمئة في أربع مدارس في مصر، وهو انتهاك واضح لقانون يقيد الملكية الأجنبية للمدارس الخاصة في الدولة بـ 20 بالمئة. بعد ذلك بسنتين، وتحديدا في نيسان/ أبريل 2020، أعلنت الشركة أنها تعتزم استثمار 300 مليون دولار في بناء 30 مدرسة خاصة في غضون عامين بطاقة تتراوح ما بين 25 و30 ألف طالب. كما تقدم الشركة خدمات إضافية مثل الزي المدرسي والوجبات وتدريب المعلمين.
أشار المركز المصري للدراسات الاقتصادية، الذي نشر البيانات، إلى أن عدد المدارس الخاصة التي تنوي الإمارات الاستثمار فيها صغير نسبيًا مقارنة بإجمالي عدد المدارس الخاصة في مصر. لكن المركز حذّر أيضًا من أن مثل هذا الاستثمار الضخم في هذا العدد الصغير من المدارس يمكن أن يخلق نخبة تعليمية من أجل الربح، مما قد يضر بالنظام المدرسي الحكومي والبنية الاجتماعية في مصر، خاصة عند مقارنته باستثمار الحكومة في التعليم.
وفقًا للبنك الدولي، فإن حوالي 94 بالمئة من ميزانية التعليم المصرية مخصصة للأجور، وخمسة بالمئة موجهة إلى احتياجات أخرى، وحوالي واحد بالمئة فقط للاستثمار في التنمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المقارنات التي تتضمن العدد الإجمالي للمدارس الخاصة المصرية يشوه الصورة الحقيقية، لأن عدد المدارس التي ترعاها الإمارات يجب مقارنتها بإجمالي المدارس الخاصة الدولية – والتي يوجد منها 217. وهذا يعني أن 30 مدرسة إماراتية تشكل حوالي 14 في المئة من جميع المدارس الخاصة الدولية في مصر.
تعتبر الرسوم الدراسية في هذه المدارس باهظة مقارنة بالمعايير المصرية. ففي إحدى المدارس البريطانية الخاصة في مصر، يبلغ إجمالي الرسوم الدراسية السنوية حوالي 4500 دولار للصف الأول، بينما يصل إجمالي الرسوم الدراسية إلى 8800 دولار بالنسبة للصف الثاني عشر. وفي بلد يبلغ متوسط الأجر فيه حوالي 625 دولارا أمريكيا في الشهر، حيث يعيش أكثر من ثلث سكانه البالغ عددهم 105 ملايين نسمة على عتبة الفقر، من الواضح أن شريحة قليلة من الأثرياء فقط قادرون على تحمل تكاليف مثل هذه الرسوم الدراسية.
أصبح ارتياد المدارس الدولية رمزًا للمكانة المرموقة، مثل امتلاك سيارة فاخرة أو منزل في حي راقي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن هذا الأمر يضمن آفاقا اقتصادية لأبناء الأثرياء، الذين يتابعون عمومًا تعليمهم العالي في الخارج. كما يفضل أرباب العمل توظيف خريجي هذه المدارس ويقدمون لهم رواتب أعلى بكثير مقارنة بالرواتب التي يتقاضاها خريجو الجامعات الحكومية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء طبقة من المهنيين والمديرين والمسؤولين الحكوميين الذين يتفوّقون على معظم الشباب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الدراسة في هذا المسار رفيع المستوى والمكلف، والذي تموله الإمارات العربية المتحدة بالكامل.
لكن سلك التعليم ليس المجال المصري الوحيد الذي تتدخل فيه الإمارات. فقد أعلنت الحكومة مؤخرا عن خطط لخصخصة شركتين مملوكتين للجيش المصري. إحداها شركة نفطية والأخرى هي شركة “صافي” للمياه المعدنية، وهي أضخم شركة متخصصة في هذا المجال في البلاد.
موظف في مدرسة طيبة المعادي الدولية في القاهرة بمصر، في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
إن خصخصة شركات القطاع المدني المملوكة للجيش يعدّ جزءا من التزام مصر تجاه صندوق النقد الدولي لإشراك القطاع الخاص في الاقتصاد بشكل أكبر وتقليل مشاركة الجيش في العمليات المدنية.
في المرحلة الأولية، ستطرح مصر هذه الشركات على رجال الأعمال المصريين والأجانب، يليها فيما بعد اكتتاب عام في البورصة. وحسب التقارير الواردة من مصر، من المتوقع أن تحظى الشركات الإماراتية بالأولوية بسبب المصالح الدبلوماسية المشتركة بين البلدين.
تجدر الإشارة إلى أن الإمارات والسعودية تسيطران على قطاع الصحة في مصر، حيث يمتلك السعوديون تسعة مستشفيات في حين يمتلك الإماراتيون 15 مستشفى، هذا إلى جانب أكثر من 900 مختبر في عشرات الفروع في جميع أنحاء البلاد. ينضاف ذلك إلى تحكّمها في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بنحو 45 مليار دولار. ولكن ما يثير القلق هو أن هذه المشاركة الواسعة في المجال الطبي، وخاصة في مجال الأدوية، من شأنها أن تلغي الرقابة على أسعار الأدوية وتؤدي إلى زيادات كبيرة في الأسعار التي يمكن أن تكون بمثابة ضربة قاضية بالنسبة للفقراء.
أعرب أعضاء البرلمان المصري عن قلقهم من أن الشركات الإماراتية ستعمل كشركات وهمية للشركات الإسرائيلية التي ترغب في دخول هذا السوق المربح. وقد حذرت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب إيناس عبد الحليم من “أهمية عدم مشاركة الجهات المثيرة للقلق في مثل هذه الاستثمارات” – ولكنها لم تذكر إسرائيل بالتحديد، لكن التلميح كان واضحا بما فيه الكفاية.
عمومًا، تعدّ الخصخصة مفهوما مرعبا في مصر كما أنها تثير مخاوف كبيرة بشأن البطالة و”خسارة الأصول الوطنية”. ولكن يبدو الأمر وكأن الرئيس السيسي، الذي نال إشادة مؤسسات الإقراض الدولية بفضل مساهماته على الصعيد الاقتصادي، لم يتكدّر من الانتقادات. يعتبر الاستثمار الأجنبي في مصر علامة على عودة الثقة في الاقتصاد، وقد تشجع توقعات النمو الاقتصادي التي تتراوح بين خمسة وستة بالمئة هذه السنة على المزيد من الاستثمار.
مع ذلك، لا تزال المرابيح التي تنطوي على ذلك غير ضخمة. ففي سنة 2019، بلغت حوالي تسعة مليارات دولار، ولكن هناك أمل بأنها ستنمو إلى ما يصل إلى 100 مليار دولار. وفي الوقت الحالي، قد يبدو هذا الطموح غير واقعي، ولكن دخول شركات النفط والغاز الدولية إلى مصر، واحتمال بيع الغاز إلى أوروبا، قد يحول مصر في العقد المقبل إلى دولة مستقلة بذاتها، حتى لو كان هذا النمو على حساب الفئات الأضعف اقتصاديًا من السكان.
المصدر: هارتس