ترجمة وتحرير: نون بوست
تتباهى “إسرائيل” بأنها تفوقت على الدول الأخرى بحملة التطعيم ضد فيروس كوفيد-19، حيث تلقى أكثر من 12 بالمئة من سكانها أول جرعة من أصل اثنين منذ كانون الأول/ ديسمبر. وتسعى “إسرائيل” إلى أن تكون الأولى في العالم التي تنجح في القضاء على هذا الفيروس. لهذا السبب، دفعت سعرًا أعلى بكثير للحصول على أولوية الوصول إلى اللقاح – حيث أشارت التقارير إلى أن “إسرائيل” دفعت حوالي 62 دولارًا لكل جرعة، بينما لم تتجاوز تكلفتها في الولايات المتحدة 20 دولارًا.
روّج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لهذا “الإنجاز” الذي تمكن من تحقيقه بفضل العلاقة المتميزة التي يربطها مع شركة اللقاح “فايزر”. في الأثناء، يتواصل عدد الإصابات في الارتفاع في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر. حتى يوم الأربعاء، سجلت منظمة الصحة العالمية أكثر من 162 ألف حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في الأراضي المحتلة، بما في ذلك 1663 حالة وفاة.
تعرضت “إسرائيل” لانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان لتهربها من مسؤولياتها كقوة محتلة – كما هو محدد بموجب القانون الدولي – ليس فقط من خلال إخفاقها في توصيل اللقاحات إلى خمسة ملايين فلسطيني يعيشون على الأراضي المحتلة، بل أيضًا جراء تجاهل المخاطر التي تحدق بحياة الأسرى الفلسطينيين. بالنسبة للفلسطينيين، أصبح “نجاح” حملة التطعيم الإسرائيلية التي تم الترويج لها على نطاق واسع بمثابة تذكير مهم آخر بالفجوة الشاسعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال.
صعوبات الحصول على اللقاح
في البداية، استخف نادر أبو شرخ، وهو مُدرس تاريخ في غزة، بخطورة الوباء، حتى وقع تشخيص إصابة والدته البالغة من العمر 60 سنة بكوفيد-19 قبل شهر. منذ ذلك الحين، يتابع أبو شرخ عن كثب تطور اللقاحات حول العالم، و”احتمالات وصولها إلينا نحن الفلسطينيين”. ويقول أبو شرخ إن “إسرائيل فخورة بتطعيم مواطنيها، بينما نحن غارقون في مخاوفنا وانقساماتنا”، مضيفًا “إن دول العالم وإسرائيل تعلن بوضوح عن التطعيمات ونسب التطعيم وكل ما يتعلق بطرق مواجهة الفيروس، ولكن نحن الضعفاء لا نعرف شيئا عن ذلك”.
الجرعات الأولى التي ستصل إلى الأراضي الفلسطينية من المحتمل أن تأتي من خلال برنامج كوفاكس الذي يوفر اللقاحات للدول التي لا تستطيع تحمل تكاليف شرائها
قبل أيام، أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، لإذاعة “صوت فلسطين” أنها وقّعت عقدًا مع شركة تصنيع لقاح لكنها تنتظر موافقة الحكومة. وتابعت الكيلة أنها تتوقع أن يكون اللقاح متاحًا قبل شهر شباط/ فبراير، مؤكدة أنها ستعطي الأولوية للطاقم الطبي، خاصة العاملين في وحدات العناية المركزة والمختبرات ومراكز فرز حالات فيروس كورونا.
في المقابل، أفاد مصدر في وزارة الصحة بأن الشركة التي تعاقدت معها السلطة الفلسطينية للحصول على حوالي مليوني جرعة من اللقاح لم تحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية بعد، لذلك من المستبعد توزيعه بحلول الموعد الذي حددته الوزيرة. في البداية، راهنت السلطة الفلسطينية على شراء اللقاح الروسي، لكن موسكو تراجعت عن بيع اللقاح في الخارج، قائلة إنها تفتقر إلى الكميات الكافية للتصدير.
حسب رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة، عبد الناصر صبح، فإن الجرعات الأولى التي ستصل إلى الأراضي الفلسطينية من المحتمل أن تأتي من خلال برنامج كوفاكس الذي يوفر اللقاحات للدول التي لا تستطيع تحمل تكاليف شرائها. ومن المقرر أن يستأنف برنامج كوفاكس نشاطه بعد منتصف شباط/ فبراير، دون وضع أي آجال محددة لتوزيع اللقاح في الأراضي المحتلة.
وفي حين أكد صبح أن “الأولوية ستُعطى للمسنين وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة”، تشير التقديرات إلى أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة لا يمثلون سوى 3 بالمئة فقط من إجمالي السكان الذين يقطنون في غزة والضفة الغربية. وهذا ما أثار مخاوف البعض من إرسال دفعات صغيرة من اللقاحات.
الالتزامات القانونية لقوة الاحتلال
أثارت فجوة التطعيم بين “إسرائيل” والأراضي المحتلة انتقادات مرة أخرى. في بيان أصدره يوم الأربعاء، أوضح صالح حجازي، نائب مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “يسلط برنامج لقاح كوفيد-19 الإسرائيلي الضوء على التمييز المؤسسي الذي يحدد سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين”.
وأضاف حجازي “بينما تحتفل إسرائيل بتحقيقها حملة تطعيم قياسية، فإن ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة لن يتلقوا أي لقاح وعليهم الانتظار لفترة أطول – ولا يمكن أن يكون هناك دليل أفضل على أفضلية حياة الإسرائيليين على الفلسطينيين”.
رفضت وسائل الإعلام الإسرائيلية اتهامات مفادها أن “إسرائيل” منخرطة في ممارسات “فصل عنصري طبي”، مشيرة إلى أن انتقادات من هذا النوع معادية للسامية، وزعمت أنه ما لم تقدم السلطات الفلسطينية طلبا رسميا للمساعدة في الحصول على اللقاح، فلا يتوجب على “إسرائيل” أن تتحمل أي مسؤولية عن تقديم الدعم الطبي للفلسطينيين، وذلك وفقا لاتفاقيات أوسلو لسنة 1993 التي أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية.
لكن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية الحفاظ على “المؤسسات والخدمات الطبية والمستشفيات، والصحة العامة والنظافة في الأراضي المحتلة، مع الإشارة بصفة خاصة إلى اعتماد وتطبيق الإجراءات الوقائية والاحترازية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة”.
هناك حالة من الذعر والقلق على حياة الأسرى، في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا داخل السجون
كثيرًا ما تشير “إسرائيل” إلى وجود السلطة الفلسطينية كحجة تعفيها من واجباتها فيما يتعلق بتوفير الدعم للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، إلا أن الإدارة الفلسطينية لا تتمتع في الواقع إلا بسلطة محدودة للغاية في بعض مناطق الضفة الغربية فقط، ولا تزال تعتمد على التنسيق مع “إسرائيل” للقيام بالعديد من وظائفها الأساسية.
نددت العديد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية – بما في ذلك مركز الميزان لحقوق الإنسان، ومركز عدالة، ومنظمة غيشا، بتهرب “إسرائيل” من مسؤولياتها على النحو المحدد في اتفاقيات جنيف. وذلك ما أكده نائب مدير مركز الميزان سمير زقوت لموقع “ميدل إيست آي” بقوله إن “إسرائيل مُلزمة كقوة محتلة بموجب القانون الدولي بتزويد الفلسطينيين بجرعات لقاح من نفس الجودة التي تمنحها لمواطنيها”.
أصبح مصير الفلسطينيين المعتقلين في سجون “إسرائيل” مصدر قلق شديد مع ارتفاع عدد حالات الإصابة، في حين ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية الشهر الماضي أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أمير أوحانا طلب من دائرة السجون الامتناع عن تطعيم السجناء الفلسطينيين. وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر، أصدر أوحانا تعليمات بالبدء في تقديم اللقاح للعاملين في خدمة السجون – ولكن ليس للسجناء أنفسهم.
وفي حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”، قال المتحدث باسم لجنة الأسرى الفلسطينيين أحمد المدلل إن “هناك حالة من الذعر والقلق على حياة الأسرى، في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا داخل السجون. يأتي ذلك الانتشار نتيجة نقص الوسائل الوقائية والمستلزمات العلاجية، بالإضافة إلى منع دخول الأطباء والمختصين، وعدم السماح بالتلقيح داخل السجون”.
وفقًا لجمعية الأسرى الفلسطينيين، يبلغ عدد السجناء الفلسطينيين المصابين بفيروس كورونا في السجون الإسرائيلية حوالي 200 سجين، من بين بحوالي 4400 من الفلسطينيين المعتقلين حاليًا.
غزة في خطر
اتهم زقوت “إسرائيل” بممارسة “التمييز العنصري” ضد الفلسطينيين، واستهدافهم قطاع غزة بشكل خاص. أخبر زقوت موقع “ميدل إيست آي” بأن “مسؤولية إسرائيل تتزايد في غزة على وجهٍ خاص، لخضوعها لحصار خانق منذ 14 سنة، مما يفرض على إسرائيل التزامات بموجب القانون الدولي والإسرائيلي بأن تتحمل مسؤولية الحفاظ على صحة وسلامة مليوني فلسطيني”.
لم تتسبب جائحة كوفيد-19 والافتقار إلى الوصول العادل للقاحات إلا في تعميق مظاهر التمييز واللامساواة التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون
كانت المرافق الطبية في الجيب الفلسطيني تعاني من وضع متردي حتى قبل انتشار الوباء، ولم يؤد تفشي الفيروس إلا لتفاقم الأوضاع. ورغم تأخر وصول الفيروس لغزة، إلا أنه انتشر على نطاق واسع في أواخر آب/ أغسطس.
تعتمد حركة حماس، التي تحكم غزة منذ سنة 2007، على القرارات المتخذة من قبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من أجل الحصول على اللقاح، بينما تتطلب جميع البضائع التي تدخل غزة عبر المعابر الواقعة على الجانب الإسرائيلي موافقةً من “إسرائيل”.
قال نائب مدير الطب الوقائي في وزارة الصحة بغزة مجدي ضهير إن هناك تنسيقًا مع السلطة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية، مؤكدًا لإذاعة القدس القائمة في غزة أن المسؤولين في القطاع يعملون مع عدة جهات لتسريع وصول اللقاح بحلول شباط/ فبراير. وحسب معطيات وزارة الصحة في غزة، فإن مستودعاتها تعاني من نقص بنسبة 44 بالمئة في الأدوية، ونسبة 35 بالمئة في المعدات الطبية؛ بينما 65 بالمئة من المواد المخبرية على وشك النفاذ.
من جهته، قال زقوت إن القيود التي تفرضها “إسرائيل” على غزة “تؤثر على النظام الصحي والبنية التحتية، حيث تُصنف المعدات الطبية وقطع الغيار للأجهزة الطبية ضمن العناصر التي تعتبرها إسرائيل ذات استخدام مزدوج، وبالتالي يُمنع دخولها إلى قطاع غزة المحاصر”.
في ظل هذه الأوضاع المزرية التي سبقت تفشي الوباء العالمي، تواصل الجماعات الحقوقية مطالبة “إسرائيل” بأن تتصرف. كتبت منظمة العفو الدولية يوم الأربعاء: “على مدى أكثر من نصف قرن من الاحتلال وتطبيق نظام التمييز المؤسسي في (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، بما في ذلك القدس الشرقية، حرمت إسرائيل الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وارتكبت انتهاكات جماعية لحقوق الإنسان”. وأضافت المنظمة: “لم تتسبب جائحة كوفيد-19 والافتقار إلى الوصول العادل للقاحات إلا في تعميق مظاهر التمييز واللامساواة التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون”.
المصدر: ميدل إيست آي