ترجمة وتحرير: نون بوست
سيبدأ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن فترة ولايته بعد أن يؤدي اليمين في 20 كانون الثاني/ يناير باعتباره الرئيس الـ46 للولايات المتحدة. وتعتبر القضية الفلسطينية واحدة من أبرز ملفات السياسة الخارجية المطروحة على طاولة الإدارة الجديدة. لقد أدت سياسات ترامب خلال الأيام الأخيرة من رئاسته إلى تشويه صورة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم ودعمت ممارسات “إسرائيل” غير القانونية في الأراضي الفلسطينية في ظل إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بالإضافة إلى مخالفته للقانون الدولي، فإن الاعتراف بالقدس عاصمة ل”إسرائيل” قوّض دور الوساطة الذي كان قد تضاءل بالفعل. والآن، يمكن لإدارة بايدن أن تستفيد من دروس فترة أوباما لتصحيح مسار عملية السلام. رغم من أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال رئاسة أوباما لم ترتق إلى مستوى الود الذي وصلت إليه في عهد ترامب، إلا أن إصرار الديمقراطيين على حل الدولتين لم يُترجم أبدا إلى عقوبات رادعة ضد “إسرائيل”.
في أول يوم له في منصبه، أجرى أوباما أول مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعيّن مبعوثا خاصا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. في خطابه بالقاهرة سنة 2008، خصص أوباما حيزا كبيرا للحديث عن القضية الفلسطينية وطلب من وزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون، زيادة الضغط على “إسرائيل” لوقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية.
في سنة 2011، وبعد اقتراح أوباما حل الدولتين وفق حدود سنة 1967، اتسم لقاء نتنياهو وأوباما في البيت الأبيض بالكثير من التوتر. كما انتقد نتنياهو غرفتي الكونغرس ومارس الضغوط على الإدارة الأمريكية من خلال اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
في نفس السنة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد طلب السلطة الفلسطينية الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة واقتراح نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ورغم إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية سنة 2013، استمرت الخلافات بين حكومة نتنياهو والبيت الأبيض.
في 2014، ورغم استمرار التوتر بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، حصلت تل أبيب – أهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط – على المساعدة العسكرية الأمريكية، ووصفت واشنطن هجمات “إسرائيل” المتتالية على غزة بأنها “دفاع عن النفس”.
ورغم تصاعد قوى المعارضة والتوتر الحاد في المجتمع الإسرائيلي، مازال نتنياهو إلى اليوم في منصب رئيس الوزراء. أما بايدن، فهو موجود في البيت الأبيض هذه المرة كرئيس بعد أن شغل منصب نائب الرئيس في فترة أوباما. ومع استمرار السياسة الإسرائيلية العدوانية واحتلال الأراضي الفلسطينية وتجاهل قضية اللاجئين على المستوى الدولي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه حاليا، مدى جدية إدارة بايدن في اتخاذ خطوات في المستقبل القريب لتحويل الخطابات الجوفاء إلى أفعال على الأرض.
أكثر من ميلوني فلسطيني ما يعادل 47 بالمئة من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2021
تقول الأمم المتحدة إنه لا يمكن حل القضية الفلسطينية إلا إذا انسحبت “إسرائيل” من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، أشار نيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إلى ضرورة العمل على إقامة شراكة واسعة النطاق لإعادة إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وأكد ملادينوف أن الوضع الحالي يقوّض حل الدولتين، مشيرا إلى استمرار سياسة الاستيطان والتوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. كما أوضح أن أكثر من ميلوني فلسطيني، أي ما يعادل 47 بالمئة من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2021.
في ظل هذه المعطيات، يتساءل كثيرون عن الشكل الذي ستكون عليه العلاقات التركية الإسرائيلية في فترة بايدن. في السنوات الماضية، تصاعد التوتر بين تركيا و”إسرائيل”، أهم حليفين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعد أزمة سفينة مرمرة سنة 2010، وكان الرئيس أوباما قد أحال القضية حينها إلى الأمم المتحدة محاولا تطبيق سياسة تجنب الخسائر في النزاعات الخارجية.
على امتداد السنوات العشر الماضية، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية الكثير من الهزات، بداية بالهجوم على سفينة مرمرة، مرورا بموقف أنقرة القوي ضد سياسات الاحتلال والحروب غير المتكافئة في قطاع غزة، وصولا إلى إعلان القدس عاصمة ل”إسرائيل” من جانب واحد.
في الوقت الراهن، يتوقع بعض الخبراء في تركيا وخارجها أن أنقرة ترغب في فتح صفحة جديدة مع تل أبيب دون أي شروط. لكن هذا التصور لا يبدو منطقيا، حتى إن افترضنا أن تركيا ستغض النظر عن تصرفات إدارة نتنياهو ضد الفلسطينيين، فالمعطيات الإقليمية وطبيعة العلاقات الثنائية على امتداد السنوات العشر الماضية تؤكد أن الأمر لن يكون بهذه البساطة.
في الواقع، ترغب أنقرة في تحسين العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكنها لا تشعر بالضرورة بنفس الرغبة تجاه “إسرائيل”. وقد بات هذا الأمر جليا خاصة في ظل تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الأخيرة.
ورغم أن أنقرة تبدو منفتحة على المبادرات التي اقترحتها عدة أطراف في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، ومستعدة للحوار بشأن النزاع على موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، إلا أنه لا يمكن النظر إلى هذا الموقف باعتباره رغبة في توطيد العلاقات دون أي شروط.
من غير المرجح على الإطلاق أن تعود العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى سالف عهدها دون حل المشاكل السياسية العالقة.
يعتمد استئناف العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي بين تركيا و”إسرائيل” على مدى فهم الإداراتين الجديدتين في تل أبيب وواشنطن للخطوط الحمراء التركية
في تصريحات أدلى بها يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر وتطرق فيها إلى المشاكل بين تركيا و”إسرائيل”، قال الرئيس أردوغان للصحفيين في إسطنبول إن تركيا لديها مشاكل “مع شخصيات على أعلى مستوى” في “إسرائيل” وإن هذه العلاقات من الممكن أن تكون “مختلفة تماماً” لو لم تكن تلك القضايا موجودة.
قدم كل من الرئيس أردوغان ووزير الخارجية جاويش أوغلو إجابات واضحة جدا على إمكانية التقارب مع “إسرائيل”، وأكدا مجددا أن القضية الفلسطينية خط أحمر بالنسبة لتركيا.
في أعقاب هذه التصريحات، يصعب أن نتوقع خطوات تركية ملموسة للتقارب مع إسرائيل في ظل استمرار السياسات الاستيطانية، لأن أنقرة بإدارتها الحالية ستظل أقوى مدافع عن الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال. وترى أنقرة أن توقف إدارة نتنياهو عن سياساتها العدوانية شرط أساسي لإقامة علاقات وديّة.
بشكل عام، يعتمد استئناف العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي بين تركيا و”إسرائيل” على مدى فهم الإداراتين الجديدتين في تل أبيب وواشنطن للخطوط الحمراء التركية فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
المصدر: ديلي صباح