ترجمة وتحرير: نون بوست
غالبا ما يُقدم وادي السيليكون في كاليفورنيا – حيث يقع مقر أكبر عمالقة التكنولوجيا – على أنه تكتل موحد من الشركات التي تعمل بنفس الوتيرة. وتعتبر كل من شركة غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت وآبل وأمازون الأعضاء الحيوية لهذا التكتل، وهي تنسق فيما بينها من أجل ضمان الأداء الصحيح لكل منها. قد يكون لديها مصالح وبعض الاهتمامات المشتركة، ولكن في مواجهة “لحظة الحقيقة” يتضح العكس، حيث أنه لكل شركة طريقتها الخاصة في ممارسة الأعمال التجارية ولكل منها مكانته في السوق.
إن هذا الأمر لا يقتصر على اختلاف وتيرة عمل هذه الشركات فحسب، وإنما يشمل المواجهات القائمة فيما بينها أيضًا. وتتصاعد الخلافات بينها وتشتد تدريجيا مثل المعركة القائمة بين شركة آبل وفيسبوك التي ازدادت حدتها خلال الأسابيع الأخيرة بسبب ما يمكن أن نطلق عليه “قضية الخصوصية”، وهي ركيزة متأصلة في أعمال فيسبوك التجارية التي أصبحت في الأشهر الأخيرة مصدرا للتوترات المتكررة. وفي الوقت الذي رفعت فيه حكومة الولايات المتحدة دعوى ضد فيسبوك في المحكمة بهدف تفكيك الشركة، عاد واتساب إلى مركز الجدل في الآونة الأخيرة.
ما هي مشكلة فيسبوك الآن مع واتساب؟
يعد تطبيق المراسلة واتساب أحد أبرز عناصر شبكة التواصل الاجتماعي. بعد المنصة الأم، التي سجلت ما يصل إلى ثلاثة مليارات مستخدم، يضم واتساب أكبر عدد من المستخدمين بقاعدة تضم حوالي ملياري مستخدم. إنها أداة تواصل أساسية بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين لاحظوا أهميته حتى خلال فترة العمل عن بُعد.
البيانات الوصفية
يبدو أن سلسلة التغييرات في شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية ستجبر المستخدمين على مشاركة جميع بياناتهم مع فيسبوك، بما في ذلك رقم الهاتف. تسمح مجموعات المعلومات هذه، المعروفة باسم البيانات الوصفية، بمعرفة العديد من المعلومات عن المستخدمين. إنه منبع ذهب خالص لأعمال الشركة التي يقع مقرها في مينلو بارك التي تعتمد على الإعلانات التي تناسب اهتماماتك ومشاغلك.
يوفر النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، الذي يحكم البيانات الشخصية في إسبانيا والدول المجاورة الأخرى، جدران حماية تمنع واتساب من مشاركة بيانات المستخدمين مع فيسبوك
يجب علينا أيضا إضافة إنستغرام الذي يعد بمثابة منجم ذهب آخر للبيانات الشخصية بالنسبة لفيسبوك. إنه تغيير ملحوظ. وحتى الآن كان “اختياريا”. ولكن يجهل الكثيرون ذلك ولا يعرفون كيفية التعامل مع سياسات الخصوصية، سواءً تلك الخاصة بفيسبوك أو أي خدمة أخرى تقريبا.
لكن في هذه الحالة، يوجد استثناء كبير وهو أوروبا. يوفر النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، الذي يحكم البيانات الشخصية في إسبانيا والدول المجاورة الأخرى، “جدران حماية” تمنع واتساب من مشاركة بيانات المستخدمين مع فيسبوك بنفس الطريقة التي من المنتظر أن تعتمدها الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تُطبّق هذه الآلية أيضا على إدماج غوغل ومتجر فتبيت، بسبب حالة مماثلة. وخلال هذا الخميس نشرت نيامه سويني، مديرة مكتب سياسة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، تغريدة أوضحت فيها هذه النقطة.
أصل العداوة بين آبل ومارك زوكربيرغ
هل تجمع هذه التطبيقات الكثير من البيانات؟ حسب ما ذُكر سابقا، من الصعب تحديد كمية ونوعية البيانات التي تجمعها كل منصة عن مستخدميها. وهو شيء تنوي آبل الآن إصلاحه ودعم إحدى الحجج التسويقية الرئيسية التي كانت تستغلها في الآونة الأخيرة لتبرير السعر المرتفع لأجهزتها في المنافسة، وهي الخصوصية والاستخدام الأقل عدوانية للمعلومات الخاصة بالمستخدمين. لكن فيما تتمثل المشكلة؟ تكمن المشكلة في أن هذه الشركات تتمتع بالسيطرة المطلقة على “تطبيقاتها”، التي تمثل نسبة صغيرة من تلك الموزعة عبر متجر آبل للتطبيقات.
لجعل المستخدمين أكثر وعيا بكيفية تتبع الأطراف الثالثة لهم، أو ما إذا كانت المعلومات التي يستخدمونها مرتبطة بملفهم الشخصي أم لا، أنشأت الشركة إصدار أي أو إس 14.3، وهو أحدث إصدار من نظام التشغيل الخاص بآبل، الذي يوفر للمستخدمين سلسلة من الإشارات التي تساعدهم على معرفة البيانات التي تستخدمها التطبيقات قبل أي عملية تنزيل أو تثبيت.
قامت مجلة فوربس بجولة في متجر آبل وقارنت بين ما تجمعه “تطبيقات” مثل سيجنال وآي مسج وواتساب وفيسبوك ماسنجر من بيانات. وقد تبين أن التطبيقات التابعة إلى تكتل زوكربيرغ كان أداؤها ضعيفا، بينما تفوقت على بقية التطبيقات فيما يتعلق بجمع البيانات. ولكن هذا ليس المقياس الوحيد. فقد تم أيضا تنشيط وظيفة إضافية تحت شعار “شفافية تتبع التطبيق” الذي ينص على أنه: “إذا كنت لا تمانع في أن يتم تعقبك، فلا توجد مشكلة. لكن عليك الإجابة بنعم”.
فيسبوك ومفارقة الشركات الصغرى
إن ما تفعله آبل أزعج المسؤولين في مكاتب مينلو بارك، لأنهم يدركون أن الخطوة التي اتخذتها تمثل هجومًا مباشرًا على نموذج أعمالهم وهم يتهمون الشركة بممارسات مناهضة لمبدأ المنافسة. من شأن هذه الأدوات أن تسهّل على مستخدمي أيفون أو آي باد فهم كيفية عمل الشبكات الاجتماعية وطريقة جنيها للأرباح. ومع حرمانها من القدرة على تتبع هؤلاء المستخدمين، ينبغي أن تكون الإعلانات أكثر عمومية وأقل تخصيصًا.
انخفضت فاعلية الإعلانات الموجهة في فيسبوك بنسبة تصل إلى 60 بالمئة. ومع ذلك، يظل فيسبوك الشبكة الاجتماعية التي تستأثر بأكبر قدر من الأموال المتأتية من الإعلانات، والممثل الأضخم للإعلان عبر الإنترنت إلى جانب غوغل.
أطلقت الشركة حملة عامة للتشكيك في هذه التحركات التي تقودها شركة آبل. لكنها لم تفعل ذلك من خلال انتقاد ما تفعله، وإنما عن طريق تسليط الضوء على الشركات الصغرى والمتوسطة التي تستخدم منصتها لبيع منتجاتها وخدماتها. كما نشرت شركة فيسبوك إعلانات في صحف مثل “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” توقعت فيها “أن ذلك الأمر سيكون مدمرا” لهذه الشركات. وقد لمحت هذه الإعلانات إلى أن شركة آبل تريد إجبار هذه الشركات على نموذج دفع معين يجبرها على التخلي عن جزء من الدخل الخاص بها.
من المفارقات أن شركة فيسبوك تستخدم حجة الشركات الصغرى لتقويض جهود آبل الخاصة بسياسة الخصوصية. ورغم التحقيق الذي فتحه الكونغرس الأمريكي بشأن الممارسات الاحتكارية لكلتا الشركتين، أشار التقرير إلى أن الشركة حاولت شراء الشركات الصغرى والاستحواذ عليها لإزاحة المنافسين المحتملين من السوق. وفي حال رفضت هذه الشركات العرض، تعمل فيسبوك على تطوير منتج مشابه، مثل حالة سناب شات.
آبل، المدافع عن المستخدمين
بينما قدمت شركة فيسبوك نفسها كمدافع عن الشركات الصغرى، برزت آبل كمدافع عن المستخدمين. في هذا الصدد، أوضحت بعض الأطراف التابعة للشركة أنه “يجب أن يعرف المستخدمون متى يتم جمع بياناتهم ومشاركتها مع “التطبيقات” والمواقع الأخرى. وينبغي أيضًا أن يكون لديهم خيار السماح بذلك أو رفضه”. ومن جهته، أكد تيم كوك نفسه في ملفه الشخصي على تويتر أن “الشفافية في تتبع البيانات من خلال التطبيقات التي تعمل بنظام أي أو إس 14 لا تتطلب من فيسبوك تعديل منهجه لتتبع المستخدمين وإنشاء إعلانات مستهدفة، وإنما تمنح المستخدمين القدرة على الاختيار”.
استخدمت جين هوفارت، مديرة الخصوصية في شركة آبل، نبرة أكثر صرامة، في حديثها عن “تجاهل الخصوصية” المتزايد مشيرة إلى أن فيسبوك أوضحت أن كل ما تريده هو “جمع المزيد من البيانات”. تعتبر شركة آبل بمثابة نادٍ رقمي حصري برسوم دخول أعلى بكثير مقارنة بتطبيقات أخرى. ومقابل ذلك، يتمتع المستخدمون بفضاء رقمي أكثر أمانا وخصوصية. في هذا الفضاء، تتحكم آبل في كل شيء “الأجهزة” و”البرنامج” على حد سواء.
يمنح هذا الأمر شركة آبل هيمنة مطلقة مما يساعدها على الحفاظ على معايير الجودة وتقليل تهديدات “البرامج الضارة”. وفي حين أن آبل أشبه بناد خاص فقط بالأعضاء، فإن شركات مثل فيسبوك أو غوغل تعد مثل محلات قمار يُسمح فيها بالدخول لأي شخص مجانا من أجل القيام بأعمال مختلفة مع التمتع بالمشروبات – التي ستكون في هذه الحالة الإعلانات.
هذه المواجهة بين فيسبوك وآبل تقف وراءها مشاكل أخرى سبق أن اعترضت طريق آبل: وهي القوة والظروف التي يرسخها المزودون والمطورون في النظام الإيكولوجي للشركة. وهو أمر تدرسه السلطات المنظمة للمنافسة في جانبي المحيط الأطلسي، التي تأخذ بعين الاعتبار عمولة 30 بالمئة المفروضة على عمليات التنزيل والاشتراك للدخول إلى سوق معين.
في المقابل، تكون هذه الشركات قادرة على الوصول إلى مجموعة ضخمة من العملاء، الذين تمتلك مختلف بياناتهم بالفعل. وقد دافعت الشركة عن نفسها من خلال التأكد من أن هذه العمولة تتماشى مع السوق وأن عملاءها راضون وأن هناك بدائل من الشركات المصنعة للأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تتواجه فيها هاتان الشركتان من أجل أعمالهما التجارية. إنها تفعل ذلك منذ سنوات بالدخول في صراعات تقف وراءها رؤيتان مختلفتان تمامًا للتكنولوجيا. ترى شركة آبل أن ثورة “الهواتف الذكية” هي بمثابة استمرار لثورة الحوسبة الشخصية حيث يجب أن يستمر الناس في التمتع بالسيطرة المطلقة. ومن ناحية أخرى، تعتبر فيسبوك الإنترنت فرصة لإعادة تعريف العلاقات بين التقنيات والمستخدمين، من خلال تقديم نماذج أعمال جديدة تقوم أساسا على المتاجرة في البيانات الشخصية.
المصدر: الكونفيدينسيال