قال مساعد القائد العام للجيش الإيراني لشؤون العمليات الأدميرال محمود موسوي في تصريح له الثلاثاء الماضي، على هامش إقامة أول مناورات قتالية كبرى لمُسيرات الجيش الإيراني في مدينة سمنان وسط البلاد: “في ضوء المميزات المتوافرة في مسيرات الجيش عبر استخدام منظومات صاروخية ورشاشة، فهي قادرة على تنفيذ عمليات ناجحة ضد الطائرات المأهولة وغير المأهولة في ارتفاعات عالية”.
مشيرًا إلى عقم إجراءات الحظر الدولي والقيود في مجال صادرات وواردات المعدات الدفاعية، وأضاف “تم تسليح الطائرات المسيرة بأحدث صواريخ “جو-أرض”، وكذلك بالقنابل الذكية بالغة الدقة، لتوفير إمكانية تدمير الأهداف الثابتة والمتحركة في البر والبحر”.
هذا التطور الكبير في قدرات الجيش الإيراني، شكل بدوره تطورًا كبيرًا في عقيدة القتال الإيرانية، نحو تبني مفاهيم الحروب الجديدة أو التي تعرف بحروب الجيل الخامس، وهي قناعة إيرانية بدأت تفرض نفسها على تقاليد العقيدة العسكرية، وتحديدًا بعد النجاحات الإستراتيجية التي حققتها المُسيرات التركية “بيرقدار” في الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ، حيث وجدت إيران في ذلك إخلالًا بتوازن القوى بينها وبين تركيا، التي أصبحت متطورة جدًا في هذا المجال.
ترتكز العقيدة العسكرية الإيرانية على فرضيات الحرب اللامتماثلة، بما في ذلك توظيف الجغرافيا والعمق الإستراتيجي والرغبة العامة في قبول الخسائر
شكلت الحرب العراقية الإيرانية خلال الأعوام 1980-1988، ركيزة مهمة في العقيدة العسكرية الإيرانية، فهي ما زالت تدعم كل تحركات القوات المسلحة الإيرانية، من حيث الدروس المستفادة والنتائج المترتبة، كما استفادت العقيدة العسكرية الإيرانية من الدروس العسكرية التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 أو حرب 2006 بين “إسرائيل” وحزب الله أو الصراع بين الحركات الفلسطينية و”إسرائيل”، من أجل دعم عقائدهم وإستراتيجياتهم الخاصة.
كما ترتكز العقيدة العسكرية الإيرانية على فرضيات الحرب اللامتماثلة، بما في ذلك توظيف الجغرافيا والعمق الإستراتيجي والرغبة العامة في قبول الخسائر، وترجمتها تحت عنوان الجهاد المقدس، وذلك لمواجهة خصوم متفوقين عليها من الناحية التكنولوجية كالولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، وأخيرًا وجدت في نتائج الحرب على تنظيم داعش، فرصةً كبيرةً لتحشيد الكثير من الوكلاء في تنفيذ أهداف إستراتيجية إيرانية، دون تدخل مباشر من العنصر الإيراني بشكل مكثف والاكتفاء بمهام الاستشارة والتدريب.
بدايات التوظيف في الإستراتيجية العسكرية
شكلت الهجمات الإيرانية على المنشآت النفطية السعودية في بقيق وخريص في 14 من سبتمبر/أيلول 2019، أول تطور عملياتي لتأثير الطائرات المُسيرة الإيرانية، التي نجحت بتنفيذ مهام قتالية على مستوى عالٍ من التقنية العسكرية، متجاوزةً المنظومات الدفاعية السعودية بصورة ناجحة.
وهذا التطور الكبير في صناعة الطائرات المُسيرة الإيرانية، يوضح من جانب آخر التأثير الكبير الذي تمارسه مؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية، في إنتاج أجيال مختلفة من الطائرات المُسيرة، وذلك عبر تقنية الهندسة العكسية، من خلال القيام بعمليات النمذجة العسكرية للعديد من الطائرات المُسيرة.
تحدث تقرير نشرته مجلة فوربس الأمريكية، أن إيران استطاعت إسقاط طائرة (RQ-4A Global Hawk) الأمريكية بصاروخ أرض – جو في 20 من يونيو/حزيران 2019، فوق منطقة مضيق هرمز، واستطاعت تجميع حطامها لاستخدامه في استنساخ الطائرة محليًا، مشيرًا إلى أنها تمتلك خبرات كبيرة في مجال الهندسة العكسية، التي يتم الاعتماد عليها في إنتاج نسخ من الطائرات الأصلية، دون الحصول على كامل المعلومات الخاصة بالسلاح الأصلي.
أبرز ثلاث طائرات مُسيرة إيرانية تحمل أسماء شاهد 129 وصاعقة ومهاجر 6، ويمكن استخدامها في تنفيذ هجمات خارج حدود إيران
وفي الآونة الأخيرة، اعتمدت إيران ووكلاؤها في الشرق الأوسط، بشكل متزايد على الطائرات المسيرة في اليمن وسوريا والعراق ومضيق هرمز، كما أن الطائرات المسيرة الإيرانية تقوم، إلى جانب مهام الاستطلاع، بإسقاط الذخيرة وتنفيذ تفجيرات على أهداف معينة، حيث طورت إيران صناعة سلاح محلية ضخمة في ظل العقوبات الدولية والمنع المفروض على استيراد الأسلحة، وفي المناورات الأخيرة الثلاثاء الماضي، اختبرت بنجاح طائرة “انتحارية” بعيدة المدى من دون طيار، حملت اسم “الذخائر”، وشملت أيضًا اختبارات ناجحة لطائرات من دون طيار رباعية المروحيات، قادرة على إسقاط ذخائر عنقودية صغيرة.
أبرز ثلاث طائرات مُسيرة إيرانية تحمل أسماء شاهد 129 وصاعقة ومهاجر 6، ويمكن استخدامها في تنفيذ هجمات خارج حدود إيران، وأورد موقع “أميركان إنتربرايز إنستيتيوت” الأمريكي، أن إيران تعتبر سلاح الطائرات المسيرة يجب أن يكون ذراعًا قوية ضمن أذرع جيشها، ومكونًا رئيسيًا ضمن إستراتيجيتها العسكرية.
ويضيف الموقع “يجب على الخبراء الغربيين ألا يتجاهلوا خطورة الطائرات المُسيرة الإيرانية، التي تستثمر إيران في تطويرها منذ أكثر من ثلاثة عقود”، فالهدف الرئيسي لهذه المسيرات هو الاستطلاع وتنفيذ الهجمات، إلى جانب إمكاناتها في تنفيذ هجمات في كل الظروف الجوية.
إمكانية تحولها لقوة ردع إستراتيجي
هناك إجماع واسع داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية على أن إيران لن تقدم أي تنازلات فيما يتعلق بإستراتيجيتها في الردع والدفاع، حيث استخدمت تقليديًا إستراتيجية الردع لتعزيز أمنها القومي والدفاع عن وحدة أراضيها في السنوات الأخيرة، هذه الإستراتيجية لها شقان: الأول هو تعزيز ودعم الحلفاء الإقليميين في لبنان والعراق وسوريا واليمن وأماكن أخرى، والثاني هو تعزيز قدراتها الصاروخية الباليستية وبناء واختبار الصواريخ قصيرة وطويلة المدى.
إستراتيجية الردع هذه ظلت قاصرة من وجهة نظر القادة العسكريين في إيران، والسبب الرئيسي في ذلك أن إيران ليست عضوًا في أي تحالفات عسكرية إقليمية، فضلًا عن حاجتها لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع إيران مؤخرًا لتطوير صناعة الطائرات المُسيرة، لتدخل ضمن أضلاع الردع الإستراتيجي الإيراني (البرنامج النووي والوكلاء الإقيميين والصواريخ الباليستية).
تقرير نشره موقع “ناشيونال إنترست” الأمريكي، تحدث عن أن المسيرات الإيرانية قد تكون غير متطورة، لكنها يمكن أن تشكل خطرًا على قوات العدو إذا استخدمتها إيران بالطريقة الصحيحة وبأعداد كافية، وهو ما قد يحدث تغييرًا في موازين القوى مستقبلًا، إذا امتلكت إيران تكنولوجيا جيدة لتطويرها.
إن تأثير الطائرات المُسيرة الإيرانية يتضح من خلال القدرة على تنفيذ هجمات متعددة في آن واحد، دون الحاجة لاستنزاف العنصر البشري أو حتى تحريك قوات وآليات عسكرية على الأرض أو تعريض حلفائها لخسائر مادية وبشرية، ومن هنا يمكن القول إن تأثير الطائرات المُسيرة الإيرانية يتبين في:
- تنفيذ مهام هجومية على أهداف بعيدة، مع ميزة العودة، وهي ميزات تتمتع بها طائرة شاهد 129.
- تنفيذ مهام انتحارية (كميكازي)، على أهداف حيوية وذات أهمية كبيرة، وهي ميزة تتمتع بها طائرة أبابيل بأجيالها الثلاثة.
- تنفيذ مهام الاستطلاع ومتابعة الأهداف الثابتة والمتحركة، وهي ميزة تتمتع بها طائرة كرار ومهاجر 6.
إن الحاجة الإستراتيجية الإيرانية اليوم، قد تدفعها لتنويع مصادر ردعها الإستراتيجي، مع تزايد الضغوط التي تتعرض لها إيران، وتحديدًا فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو الوضع الصعب الذي يعاني منه حلفاؤها، ومن ثم فإن الاعتماد على الصواريخ الباليستية الإيرانية وحدها، قد لا يغذي الحاجات الأمنية الإيرانية مستقبلًا، وهو ما يجعل القيادة الإيرانية تفكر مليًا في أهمية إدراج سلاح الطائرات المُسيرة ضمن أدوات ردعها الإستراتيجي، وكذلك تنويع أوراق التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وما يدلل على أهمية وتأثير برنامج الطائرات المسيرة الإيرانية، هو الإشارة إليها في البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في العُلا السعودية في 5 من يناير/كانون الثاني 2021، من ضرورة أن يتضمن أي اتفاق جديد مع إيران، برنامج طائراتها المُسيرة، إلى جانب برنامج الصواريخ الباليستية.