“كنا حوالي 16 شخص في مكان يشيل 3 آلاف.. وهشام طلعت أنشأ مسجدًا كبيرًا.. وعز جهز جيم وسبا في غاية التقدم بأحدث الأجهزة”.. تصريحات أدلى بها الموسيقار المصري هاني مهنا بشأن طبيعة الحياة داخل إحدى السجون التي كان بها رفقة نجلي الرئيس الراحل حسني مبارك وبعض رموز نظامه المنحل، أثارت الكثير من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي.
مهنا خلال حوار له مع الإعلامي يوسف الحسيني بإذاعة “نجوم إف إم” كشف عن الرفاهية الكبيرة التي كان يعيشها رموز المرحلة المباركية البائدة، خلال تواجدهم في السجن عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مقارنة بالوضع المأساوي داخل زنازين الموت التي يقبع بداخلها المعارضين والنشطاء وأبناء الثورة.
الشهادة التي أدلى بها الفنان المصري عن سجون “الكبار” ربما لم تقدم جديدًا في مضمونها لكنها تؤكد وبصورة كبيرة واقع الفساد الذي لا يزل يعشش بين جدران منظومة العدالة في مصر رغم شعارات المساواة التي يرفعها أنصار النظام الحالي بين الحين والأخر.
وكان مهنا قد حُبس جرًاء حكم صدر بحقه في أكتوبر 2014 بالحبس 5 سنوات بتهمة الاستيلاء على المال العام، لكن أفرج عنه بعد 6 أشهر فقط بعدما توصل إلى تسوية مع إدارة بنك الإسكندرية صاحب الحق في الدعوى المرفوعة ضده، والتي على إثرها قام بسداد مبلغ 3 ملايين و183 ألف جنيه مصري.
على طريقة الأفلام المصرية
الحياة المرفهة لرموز مبارك والمتورطين في قتل الثوار كما وصفها مهنا تشبه إلى حد كبير ما تناقلته بعض الأفلام المصرية ومنها على سبيل المثال فيلم “الأفوكاتو” المنتج عام 1983 والذي كشف عن الفجوة الكبيرة داخل السجون بين عامة الناس ورجال الأعمال وعلية القوم، وكيف تحولت زنزانة أحد الأثرياء المحبوسين في قضايا مال عام إلى جناح فندقي مكتمل مقومات الترفيه.
إسهاب مهنا في شهادته جاء ردًا على سؤال حول كواليس معرفته بنجلي مبارك، جمال وعلاء، حيث أضاف أن العلاقة بهما بدأت داخل السجن عام 2014: “دخلت سجن طرة في آواخر عام 2014، وتقابلت مع حبيب العادلي وجمال وعلاء مبارك، ومجموعة من الضباط وكنا حوالي 16 شخص، وفي مبنين يشيلوا 3 آلاف واحد”.
وعن مظاهر الترفيه داخل سجن طره قال “رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى (الذي أفرج عنه السيسي بقرار عفو رئاسي في يوليو 2017) أنشأ مسجدًا كبيرًا أثناء حبسه في سجن طرة، ورجل الأعمال أحمد عز قام بإنشاء جيم بأجهزة وسبا في غاية التقدم بأحدث الأجهزة وترابيزات البلياردو والبينج بونج”.
وأضاف: “أول دخولي السجن أصيبت بحالة من الخضة، كنت رايح ببدلة، لكني بدلت اللبس للأزرق، ولقيت علاء مبارك أحضر لي تليفزيون وثلاجة حاجات زيادة من عندهم، وكانت أول مرة أقعد معاهم واتعرف عليهم عن قرب، وكونت فريق كرة قدم، وكنا بنلعب أنا وعلاء مع بعض في فريق وجمال عامل فريق مع الضباط الآخرين، والعادلي كان الحكم أحيانًا أثناء المبارايات”.
وعن نوعية الشخصيات التي قابلها الموسيقار المصري في محبسه المرفه: “قعدت 6 أشهر، والتجربة خلتني أتعرف على الناس دول، كان معانا ضابط محبوس لأنه قتل واحد لحد الموت وكانت صحته كويسه، ولما يوقعني أثناء اللعب كان علاء وجمال يجروا عليا ويقولوا له ده ثروة قومية”.
سجون 5 نجوم
ربما لم تضف شهادة الموسيقار المصري جديدًا عن حال سجون الكبار في مصر إلا أنها في الوقت نفسه تؤكد تلك الحقيقة، رغم النفي المتواصل لها من السلطات الحاكمة والتي طالما عزفت على اوتار المساواة داخل سجونها، وذلك في ردها على الانتقادات الموجهة بهذا الشأن من قبل جمعيات حقوق الإنسان.
عشرات الشهادات وأمثالها من التقارير والتحقيقات الوثائقية أكدت على أن وضعية سجون رجال الأعمال والمسؤولين والقضاة والضباط داخل السجون ليست كغيرها من سجون العامة، وأن مستوى الرفاهية التي شهدته تلك السجون يفوق في كثير من الأحيان بعض الفنادق.
تحت عنوان “عنابر «5 نجوم» للضباط المتهمين بالسجون” كشفت صحيفة “المصري اليوم” في تقرير لها بتاريخ 19/4/2015 مستوى عنابر الضباط وكبار المسؤولين وما يتوفر بها من مقومات الترفيه والتسلية، مستشهدًا في ذلك بتصريحات اللواء محمد نجيب مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون الأسبق.
مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون بحكم منصبه فهو على دراية تامة بكواليس المشهد من الداخل، وهو الأحق والأجدر بنقل الصورة بكافة تفاصيلها، فال “لا يمكن وضع ضابط أو أي من أفراد الشرطة إذا تحولوا إلى متهمين أو أصبح محكوماً عليهم فى مكان واحد مع أي من الجنائيين أو المسجلين”.
وأضاف أن وزارة الداخلية خصصت أماكن معينة لقضاء رجال الشرطة والقضاة فترة العقوبة فيها، حيث تم تخصيص عنابر داخل الليمانات والسجون، منها عنبر رقم 5 فى سجن مزرعة طرة، وعنبر فى سجن المرج، كذلك فى مختلف السجون على مستوى محافظات الجمهورية.
نجيب في محاولة لتبرير هذا التوجه العنصري أشار إلى أن ذلك إنما جاء “لدواع أمنية” هذا في الوقت الذي نقلت فيه الصحيفة المصرية عن مصادر خاصة بها قولهم إن بعض أماكن الاحتجاز تحولت إلى ما يشبه «الإقامة فى فنادق الـ5 نجوم».
وفي حوار مع صحيفة “الشروق” المصرية في إبريل 2014 قال محمد عمرو سيد، أقدم سجين في مصر، والذي أفرج عنه بعد قضائه عقوبة سجن لمدة 44 عامًا، «الوزراء والقيادات المهمة في الدولة يتم وضعهم في سجن مزرعة طرة، وهو من أرقى السجون»، واصفًا من يحبسون في سجن المزرعة «كأنه في فندق».
وفي الجهة الأخرى من المشهد يقبع المعارضون ونشطاء الرأي والصحفيون في سجون أشبه بـ “زنازين الموت” وذلك بحسب شهادات السجناء أنفسهم، كما جاء على لسان ذات السجين الذي قال “إنه لا توجد حياة آدمية داخل السجون المصرية، عدا سجن طرة”.
واستعرض أقدم سجين مصري ملامح الحياة غير الأدمية داخل الزنازين ومنها ترك المسجونين دون مأكل ومشرب لمدة تزيد عن 24 ساعة، وبعضهم يمنع من الاستحمام أو غسيل الوجه لمدة تقترب من 6 أشهر كاملة، الأمر الذي يصيب الكثير منهم بالأمراض التي تفضي إلى الموت نهاية المطاف.
وتابع «هناك سجونًا تعاني غياب وجود دورات مياه أو مستشفيات مهمة لعلاج ومتابعة المرضى بالسجون القديمة، الممثلة في أسيوط وقنا وبورسعيد وطره القديم والقناطر وطنطا وأبو زعبل، ما يجبر المسجون على قضاء حاجته داخل جركن أو جردل مياه فارغ يوضع داخل الزنزانة ومخصص لما بين (15 إلى 40 سجينًا)».
تتطابق شهادة السجين وغيره من السجناء مع التقارير الحقوقية التي تكشف حجم التنكيل والتعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها المسجونون داخل الزنازين التي تفتقد لأبجديات الحياة فضلا عن القتل البطيئ الذي يواجه العشرات منهم إما جرًاء التعذيب الشديد أو منع الأدوية عن أصحاب الأمراض المزمنة.
تعليق أخو د. عبد الله شحاتة نائب وزير المالية الأسبق المعتقل إنفرادى فى العقرب من ٦ سنين على كلام هانى مهنا عن فترة إعتقال ولاد #مبارك وال١٤ واحد من رجال الأعمال بعد ثورة يناير. دة اللى كسبناه من إنقلاب #السيسى. الحقيقة فيهم الخير قضاة مصر أوفياء للى عينهم pic.twitter.com/xEz4ySGeHX
— BE (@bhmmostafa) January 10, 2021
وفي الوقت الذي كان يقبع فيه مهنا و15 أخرين رموز مبارك في مكان يسع 3 ألاف شخص، تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة إشغال السجون تصل إلى 160 بالمائة من طاقتها، بينما تصل نسبة الإشغال في مراكز الاحتجاز 300 بالمائة من طاقتها، ما يعني أن الوضع في النظام الجنائي المصري على حافة الهاوية.
وفي المحصلة تأتي شهادة الفنان المصري لتكشف عن حجم الازداوجية والفساد داخل السجون المصرية، والعوار الذي يصيب عين العدالة التي تغض الطرف عن الانتهاكات الفاضحة التي يتعرض لها عشرات الآلاف من الأبرياء بسبب أرائهم السياسية في الوقت الذي يُحمل فيه الفاسدون ولصوص المال العام على أكف الراحة.