جاءت معظم اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لفريقه المعاون في مختلف المجالات من “قدامى المحاربين” في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي من الواضح أن ظله يخيم على بقية الترشيحات التي لم تحسم بعد، وتأتي في معظمها مزيجًا من دائرته المقربة من الأصدقاء والمستشارين ذوي الخبرة.
الاختيارات في مجملها تعكس أريحية واضحة للرئيس المنتخب في التحرك والمناورة تجاه القضايا الداخلية لا سيما بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس (مجلس النواب بأغلبية 222 مقعدًا مقابل 212 للجمهوريين، وتعادل الحزبين في مجلس الشيوخ بـ50 مقعدًا لكليهما، وتحسم كامالا هاريس الأغلبية لصالح الديمقراطيين) لكن الأمر ربما يختلف نسبيًا حيال الملفات والقضايا الخارجية خاصة التي يتقاطع بعضها مع مسألة الأمن القومي الأمريكي.
بحسب الإعلام الأمريكي فإن أولويات بايدن خلال الولاية الأولى له كرئيس للولايات المتحدة سترتكز على 3 أضلاع تعالج – وفق ما يراه البعض – القصور الذي شابها خلال فترة حكم الرئيس المهزوم دونالد ترامب، وهي: إنعاش الاقتصاد من تداعيات جائحة كورونا وإنهاء الانقسام والفرقة بين الأمريكيين، وأخيرًا إعادة النظر في السياسة الخارجية بما يعيد أمريكا للساحة الدولية مرة أخرى بعد العزلة التي فرضتها سياسات ترامب.
في هذه الجولة نلقي الضوء على أبرز الأسماء التي اختارها بايدن لتولي المناصب ذات الصبغة السياسية والأمنية القومية، وما تحمله تلك الخيارات – المثيرة للجدل في بعضها – من دلالات تتعلق بالسياسة الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط خلال السنوات الأربعة القادمة على الأقل.
وزير الخارجية: أنتوني بلينكن
عُرف عنه قربه الشديد لبايدن منذ سنوات، فقد كان أحد المستشارين الرئيسيين له حين كان رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، ومع تولي أوباما الرئاسة في 2009، شغل منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس (جو بايدن) ثم نائبًا لمستشار الأمن القومي للرئيس، وفي 2014 أصبح نائبًا لوزير الخارجية (جون كيري).
خطا بلينكن أولى خطواته نحو السياسية بداية تسعينيات القرن الماضي، حين انتقل من عمله كصحفي في جريدة “الجمهورية الجديدة” إلى محرر خطابات الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون في مجال السياسة الخارجية في البيت الأبيض.
يؤمن الوزير المرشح بالمبادئ الأمريكية الخاصة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد استمد هذا الموقف من زوج أمه، المحامي الدولي الراحل صامويل بيزار (أحد أصغر الناجين من المحرقة النازية) الذي أصبح بعد ذلك كاتب الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي.
كان أبرز المناصرين لتدخل عسكري ضد نظام بشار الأسد في سوريا 2013 بعد الاتهامات التي وجهت للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة، رغم رفض أوباما التدخل آنذاك، كما أنه من أبرز المؤيدين والمناصرين لإسرائيل ودعمها غير المشروط.
تتمحور أجندة بلينكن في 3 محاور رئيسية: إعادة أمريكا إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها ترامب، وإلى عضويتها في منظمة الصحة العالمية، وإنعاش الاتفاق النووي مع إيران الذي شارك في صياغته، ما يؤذن بالقطيعة مع عهد ترامب فيما يتعلق بسياسة بلاده الخارجية.
له موقف مناهض للدعم الأمريكي المطلق للسعودية والإمارات في حربهما في اليمن، ففي 2018 وقع خطابًا قدمه مسؤولون لإنهاء دعم بلاده للحرب اليمنية، رغم وجود قرار موقع في 2015 بتقديم دعم أولي للتحالف العربي، وهو القرار الذي اتهم بسببه ترامب فيما بعد بأنه يستخدمه لمنح الرياض “شيك على بياض” بشأن الحرب في هذا البلد العربي.
وزيرة الدفاع: ميشيل فلورنوي
أول امرأة من المحتمل أن ترأس البنتاغون في سابقة فريدة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، اختيار حمل الكثير من الدلالات والرسائل، لكنه كان تتويجًا لمسيرة طويلة قضتها المرشحة داخل الكيانات والأنظمة الدفاعية والأمنية، إذ عملت كوكيل وزارة الدفاع للسياسة في إدارة أوباما في الفترة من 2009-2012.
اختيار فلورنوي لم يكن مفاجئًا لدى البعض، فقد سبق أن تم ترشيحها للمنصب ذاته مع المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، هذا بجانب أنها واحدة ممن يشار لهم بالبنان داخل البنتاغون لقيادته أو على الأقل تقلد منصب مهم بداخله، لما تمتلكه من إمكانات كبيرة.
معروف عن وزيرة الدفاع الجديدة (59 عامًا) ميولها للتعاون العسكري في الخارج وتعزيز الاستثمارات الدفاعية لبلادها، كونها من أبرز المناصرين لفكرة تطوير الأسلحة الدفاعية الأمريكية وتصديرها للخارج، إذ دعت إلى إرسال تكنولوجيا مضادة للطائرات دون طيار إلى السعودية قبل ذلك.
هذا التوجه أقلق الكثير من النشطاء الأمريكيين المناهضين للحروب، ومنهم مارسي وينوجراد، التي علقت بقولها: “دعوة فلورنوي لزيادة الاستثمار الأمريكي في الأنظمة العسكرية غير المأهولة لا تبشر بالخير بالنسبة للشرق الأوسط، حيث يتم ترويع العديد من الدول من الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تحلق فوق رؤوسنا ويمكن أن تنتهي حفلات الزفاف بمأساة”، وفق ما نقل موقع “ميدل إيست آي“.
مدير المخابرات الوطنية: أفريل هينز
وقع اختيار بادين على المحامية المخضرمة، آفريل هينز، لتولي منصب مديرة الاستخبارات الوطنية، لتصبح بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في التاريخ الأمريكي، وهو الاختيار الذي أثار الكثير من الجدل لما له من أهمية كبرى، كون هذا المنصب الأرفع في الوسط الاستخباري الأمريكي، حيث يشرف مدير الاستخبارات الوطنية على 12 وكالة استخبارية وترفع إليه تقاريرها.
لم تنحدر هينز من الوسط الاستخباري لتولي هذا المنصب، وذلك رغم توليها العديد من المهام الأخرى، لكنها كانت بعيدة نسبيًا عن طبيعة عمل منصبها الجديد، إذ عملت نائب كبير مستشاري الأغلبية الديمقراطية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بين عامي 2007-2008.
وبعد تولي أوباما الرئاسة بعام واحد فقط عملت في عدة مناصب في مجال الأمن القومي، حيث شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي والنائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية وكانت أول امرأة تتولى هذا المنصب في هذا الوقت.
تعرض بايدن بسبب هذا الخيار لانتقادات حادة وذلك بسبب دورها في برنامج الهجمات بالطائرات المسيرة الذي اعتمدته إدارة أوباما، ويتهمه حقوقيون بأنه تسبب في مقتل المئات من المدنيين، هذا بخلاف دعمها لـ”جينا هاسبل” مديرة وكالة المخابرات المركزية المتورطة بشكل مباشر في برنامج التعذيب سيئ السمعة الذي تم اعتماده في أعقاب هجمات 11سبتمبر 2001.
يمثل اختيار هينز تحديًا كبيرًا للملف الحقوقي كونها أحد المشاركين في تنقيح تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب، الذي أعفى موظفي وكالة المخابرات المركزية من تهمة التجسس على محققي التعذيب، وهو الموقف الذي ربما يلقي بظلاله على مستوى وحجم الثقة في منظومة العدالة الداخلية لا سيما مع المعارضين أو المتهمين من أبناء الجاليات الأجنبية.
مستشار الأمن القومي: جيك سوليفان
سيصبح سوليفان البالغ من العمر 43 عامًا أصغر مستشار للأمن القومي منذ نحو 60 عامًا، وقد عمل سابقًا مستشارًا للأمن القومي لبايدن خلال ولاية أوباما، كما كان له دور محوري في إبرام الاتفاق النووي الإيراني بعد وساطته لإجراء محادثات عبر القنوات الخلفية مع طهران.
وفي 2006 عمل مستشارًا رئيسيًا للسيناتور عن ولاية مينيسوتا إيمي كلوبوشار التي قدمته بشكل رسمي إلى هيلاري كلينتون، وكان من أبرز الداعمين للتدخل العسكري في ليبيا وسوريا، كما عارض مناشدات السفير ريتشارد هولبروك للتحدث إلى طالبان على الأقل دون شروط مسبقة.
بعد خسارة كلينتون أمام ترامب في انتخابات 2016 عاد سوليفان للعمل الأكاديمي والاستشاري مرة أخرى، وحصل على زمالة رفيعة المستوى في مؤسسة كارنيغي، كما عمل في بعض الشركات التي حققت نجاحات كبيرة بفضل سياساته منها شركة “ماكرو أدفايسري بارتنرز” التي حقّقت إيرادات بلغت 37 مليون دولار خلال عام 2019، وانضم إلى شركة الاستشارات البريطانية السابقة للتجسّس في الشهر نفسه الذي تنحى فيه أوباما.
يميل مستشار الأمن القومي إلى عودة الاتفاق النووي الإيراني وفتح قنوات اتصال مع طهران، مستنكرًا سياسة ترامب في دعم السعودية، وهو الذي كان قد طالب بإصدار “إدانة أكثر عدوانية” لمقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي والدعوة إلى مزيد من الشفافية بشأن التحقيقات في هذا الحادث ومحاكمة المتورطين فيه.
سفيرة الأمم المتحدة: ليندا توماس جرينفيلد
مثّل اختيار بايدن لليندا توماس جرينفيلد علامة بارزة في تشكيلة الاختيارات التي قدمها للشارع الأمريكي، كونها أول امرأة من أصول إفريقية ذات بشرة سمراء تحتل هذا المنصب، وما لذلك من دلالة تتعلق بنظرة الرئيس الجديد للأقليات العرقية في بلاده بعد فاجعة جورج فلويد.
الاختيار لم يكن لمغازلة السود فقط، بل لما تمتلكه جرينفيلد من إمكانات وخبرات تؤهلها لهذا المنصب، حيث عملت كمساعدة لوزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية في مكتب الشؤون الإفريقية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في الفترة من 2013 إلى 2017، بجانب أنها كبيرة المستشارين في مجموعة ألبرايت ستونبريدج في واشنطن العاصمة.
لها باع طويل في العمل الدبلوماسي في الشؤون الإفريقية، إذ عملت كسفيرة للولايات المتحدة في ليبيريا، بالإضافة إلى خدمتها في باكستان وكينيا، كما أنها قادت السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء خلال أحداث عصيبة مثل تفشي فيروس إيبولا على نطاق واسع في غرب إفريقيا.
تميل سفيرة الأمم المتحدة الجديدة للعمل الدبلوماسي أكثر من العسكري، وهي من أبرز الداعين لتنشيط دور وزارة الخارجية واعتماد النهج الدبلوماسي في التعامل مع مختلف الملفات، مع الوضع في الاعتبار أنها كانت من أشد المعارضين لسياسة ترامب ضد الأقليات المسلمة بما في ذلك قرارات الحظر التي وصفتها بأنها تمثل خطورة وتهديد على المجتمع الأمريكي وصورة الدولة خارجيًا.
بريت ماكغورك.. مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا
أحد المثيرين للجدل في تشيكلة بايدن المختارة لقيادة السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الدبلوماسي بريت ماكغورك، العائد من عمله كمبعوث التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية (من 2015-2018)، إلى واجهة السياسة الأمريكية مجددًا.
عمل ماكغوراك في المجال الدبلوماسي منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، مرورًا بعهدي أوباما وترامب، وها هو يواصل مسيرته السياسية مع بايدن، وقد شغل العديد من المناصب منها نائبًا للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في وزارة الخارجية الأمريكية في 2014/2015، كذلك نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للعراق وإيران في مكتب شؤون الشرق الأوسط.
في كتابه “نقاط القرار” أشار إليه الرئيس جورج دبليو بوش على أنه جزء من فرقة المحاربين الشخصية للرئيس التي أدت إلى إحداث إستراتيجية جديدة وإعادة الحرب إلى مسارها في العراق، وكان في 2008 قد عمل كمفاوض رئيسي ومنسق خلال المحادثات الثنائية مع الحكومة العراقية من أجل اتفاقية “الإطار الإستراتيجي طويلة الأجل”، و”الاتفاقية الأمنية لتنظيم الوجود المؤقت للقوات الأمريكية” وتطبيع العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة.
من أشد المعارضين لقرار ترامب الانسحاب من سوريا، كما أنه من أشد المتحمسين لتسليح المليشيات الكردية الانفصالية المسلحة، مساهمًا وبشكل كبير في تقديم كل أشكال الدعم والتخطيط والتوجيه لإبعاد شبهة الإرهاب عنها وإكسابها صفة سياسية تحت مسميات شتى، وهو ما سيكون له تداعياته على العلاقات الأمريكية التركية كما سيرد ذكره.
الفترة الطويلة التي قضاها ماكغورك في العمل مع بوش وأوباما وترامب ودوره المحوري في المفاوضات السرية في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها من بلدان المنطقة، من المرجح أن يكون لها دور كبير في تسهيل مهمته الاستخباراتية الجديدة في الشرق الأوسط وإفريقيا، هذا بجانب ما يتمتع به من مؤهلات شخصية كقدرة كبيرة على التفاوض والتحدث بلغات المنطقة، العربية والفارسية.
وليام بيرنز.. مدير “سي آي إيه”
“إن بيرنز يتفق معي على أن عمل الاستخبارات لا بد أن يتجرد من السياسة، وأن محترفي الاستخبارات الذين يكرسون حياتهم لخدمة أمتنا يستحقون منا التقدير والاحترام”.. هكذا علق بايدن على اختياره للدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز، لشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”.
بيرنز كان قد قاد الوفد الأمريكي في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، في عهد أوباما، كما شغل عدة مناصب دبلوماسية كان لها دور كبير في تعزيز قدراته السياسية التي تعتمد في المقام الأول على النهج الدبلوماسي، منها سفير الولايات المتحدة في روسيا والأردن، ويرأس بيرنز حاليًّا مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
وعلى مدار 33 عامًا عمل بيرنز في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، تحت قيادة رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، وكانت أبرز المهام التي أوكلت له، عمله في منصب نائب وزير الخارجية في فترة أوباما، ثم مساعدًا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
يميل مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية الجديد إلى التهدئة في التعاطي مع الملفات الإقليمية والدولية، كما أن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب يأتي على رأس أولوياته في المرحلة المقبلة، حيث كان قائد الفريق الذي قاد إلى توقيع الاتفاق قبل 5 سنوات.
السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط
حملت تلك التعيينات وما تحمله من إرث سياسي وأيديولوجي العديد من الرسائل والدلالات التي تكشف وبصورة نسبية ملامح السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس الديمقراطي، التي تأتي في معظمها سلبية إلى حد ما حيال الملفات الحساسة في المنطقة.
أولًا: الملف السوري والعلاقات مع تركيا
حمل اختيار بريت ماكغورك، لمنصب مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رسالة سلبية عن مستقبل العلاقات التركية الأمريكية، فالسيرة الذاتية للمستشار الجديد تشير إلى كراهيته الواضحة لتركيا وحبه ودعمه لتنظيمات بي كا كا الإرهابية.
وفي أكثر من مرة صدرت عنه تصريحات مناوئة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتبرًا أن الأخير “يهاجم إسرائيل ويدعو المسلمين للتوحد صد الغرب”، معتبرًا في الوقت ذاته أن التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”، منتصف سبتمبر الماضي، مدفوع بأسباب عدة من أبرزها العداء المشترك لتركيا.
الرجل نفسه لا يجد حرجًا في الإفصاح عن علاقته الحميمية بالميليشيات الكردية الانفصالية، وظهر مرة بتاريخ 1 من فبراير/شباط 2016، وهو يسلم جائزة لأحد قادة “ب ي د/ بي كا كا”، ومرة أخرى في 17 من مايو/أيار 2017، وهو في اجتماع مع قادة ما يسمى بحماية الشعب “ي ب ك”، وفق ما ذكرت “الأناضول“.
كان ماكغورك على رأس المنتقدين لقرار ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، كما اتهم أنقرة بتسهيل دخول 40 ألف عنصر من داعش عبر حدودها إلى سوريا والعراق، فيما انتقد العمليات العسكرية التركية في سوريا، الأمر الذي دفع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في عام 2017 إلى المطالبة بعزله بعد أن أدان أكثر من مرة تخلي الإدارة الأمريكية عن الأكراد في ظل الهجمات على مناطق بشمال شرق سوريا.
وفي الجهة الأخرى رحبت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بهذا الاختيار الذي تراه في صالحها على المستوى السياسي والعسكري، وهو ما عبر عنه عضو هيئة العلاقات الخارجية في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، دارا مصطفى، بقوله: “نأمل من عودة ماكغورك القوية لموقع مسؤولية أعلى لإدارة كامل ملفات الشرق الأوسط، أن يساهم في حلحلة الأزمة السورية عبر دعم مشروع الإدارة الذاتية” حسبما نقلت صحيفة “القدس العربي“.
الباحث المختص بالشأن الأمريكي عبد الرحمن السراج، يرى أن نجاح بايدن في المقام الأول ثم تشكيلة المستشارين المختارين تشير إلى احتمالية تكرار أسلوب أوباما في إدارة الملف السودي، مضيفًا في تصريحاته “تعيين ماكغورك سيكون سلبيًا بكل المقاييس في الملف السوري، حيث من المرجح أن لا تدعم إدارة بايدن صراحة إعلان حكم ذاتي في شمال شرق سوريا، وإنما ستسعى إلى فرض ذلك بخطوات على الأرض لفرض الأمر الواقع” هذا بجانب الموقف المتشدد من أنقرة الداعم الوحيد للمعارضة السورية التي أقلقها هذا الاختيار بشدة.
ورغم أنه من المبكر لأوانه الحكم على أداء ماكغورك في منصبه الجديد الذي بلا شك سيكون له حسابات مغايرة عما كانت عليه الأجواء فيما قبل في ظل المستجدات التي شهدتها الساحة مؤخرًا، فإن الوقوع على هذا الاختيار تحديدًا لا يبشر بخير بشأن سياسة واشنطن الجديدة تجاه أنقرة، رغم أن كلاهما حلفاء في “الناتو” كما ذهب موقع المونيتور الأمريكي.
ثانيًا: الملف الإيراني
يعد الملف الإيراني الأكثر تفاؤلًا في إدارة بايدن الجديدة، فعلى خلاف التصعيد الذي مارسه ترامب تجاه طهران حملت اختيارات الرئيس الديمقراطي الجديد رسائل تتسم بالحذر والتهدئة مع الدولة الإسلامية دون الرغبة في الصدام معها خاصة فيما يتعلق بالملف الأكثر جدلًا “الاتفاق النووي”.
الأسماء المختارة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية وشؤون السياسة الخارجية معظمها شارك في مفاوضات الاتفاق النووي في 2015، وأيد هذه الخطوة التي وصفت وقتها بـ”التاريخية”، بجانب أن الغالبية منهم وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط يحذرون من نشوب صراع جديد مع طهران قد يؤثر على مصالح أمريكا في المنطقة.
وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ووزيرة الدفاع ومدير المخابرات الوطنية دعوا في كثير من تصريحاتهم لـ”التعددية” في التعامل مع إيران، وضرورة بث روح الحياة في الاتفاق مرة أخرى، وإن كان بشروط وضمانات أكثر، في مقابل تجميد العقوبات المفروضة على الإيرانيين وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وفي مقال له في موقع “بلومبيرغ” في يونيو/حزيران 2019 كتب ماكغوراك يقول: “نقطة انطلاق لمحادثات جديدة، على سبيل المثال، قد تطالب إيران بالموافقة على البقاء ضمن حدود اتفاق 2016 والإفراج عن جميع الأمريكيين المحتجزين ظلمًا في سجونها، في موازاة ذلك، قد توافق واشنطن على تجميد العقوبات المفروضة حديثًا، طالما أن المفاوضات نحو اتفاق أقوى تحرز تقدمًا”.
ثالثًا: القضية الفلسطينية
تفرض القضية الفلسطينية والعلاقات مع تل أبيب نفسها كإحدى أبرز القضايا على رأس أولويات السياسة الخارجية الأمريكية المنتظرة، التي من المتوقع أن تواجه انقسامات داخل الإدارة الجديدة في ظل تباين الرؤى حيال أدوات التعامل مع هذا الملف.
بداية لم يتطرق بايدن في برنامجه السياسي بشكل أو بآخر إلى مسألة التراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهي القرارات التي واجهت انتقادات حادة من يساريي الحزب الديمقراطي ضد ترامب بسبب تصرفاته الأحادية الداعمة لتل أبيب على المطلق.
وكان بايدن وبلينكن قد تعهدا خلال الحملة الرئاسية بالعمل على إعادة مسار التفاوض على حل الدولتين، مع عدم التراجع عن القرارات التي اتخذها ترامب، وهو التعهد الذي أثار حالة غضب داخل التيار اليساري، الأمر الذي يرجح أن يكون له تداعياته المستقبلية.
وفي هذا الإطار يعول البعض على الإدارة الجديدة في القطيعة النسبية مع إستراتيجية ترامب، حيث تعليق الدعم المستمر للكيان المحتل في حدود معينة، لا سيما في ظل الانتقادات الحادة التي واجهتها إدارة الرئيس المهزوم بسبب التقارب الأحادي مع “إسرائيل” وتبنيه المواقف الإسرائيلية بصورة كاملة.
يذكر أنه خلال سنوات ترامب الأربعة تعمق العداء البين بين ممثلي التيار اليساري بالحزب، وعلى رأسهم السيناتور بيرني ساندرز والنائبات ألكسندريا كورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب، والخارجية الأمريكية بسبب الموقف من “إسرائيل” على حساب الفلسطينيين.
غير أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، أكدت أكثر من مرة على استمرار المساعدات الأمريكية لإسرائيل دون شروط مسبقة، لافتة إلى أن بايدن “أوضح أنه لن يربط المساعدة العسكرية بأي قرارات سياسية تتخذها إسرائيل، وستحافظ الإدارة على التزامها غير القابل للكسر بأمن إسرائيل، وضمان حفاظ إسرائيل على تفوقها العسكري النوعي”.
رابعًا: حقوق الإنسان والملف اليمني
من الواضح أن سياسة ترامب التي تمنح شيكًا على بياض وتدعم الممارسات الاستبدادية والمنافسات الداخلية والحروب بالوكالة لن تستمر في عهد بايدن بالشكل الذي كانت عليه في عهد الإدارة السابقة، وإن كان ذلك لا يعني وفق تصور البعض الانتصار لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
سجل الرئيس المنتخب خلال فترة عمله بمجلس الشيوخ كسيناتور في لجنة العلاقات الخارجية أو كنائب للرئيس أوباما، تجاهلت بشكل واضح ملفات حقوق الإنسان في التعامل مع حلفاء بلاده في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن قراءته عمليًا من خلال الاطلاع على برنامج السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة في البرنامج الرئاسي لبايدن الذي خلا بصورة لافتة من مسألة دعم القضايا الحقوقية.
ويعد هذا الملف قنبلة موقوتة من المتوقع أن تنذر بمواجهة مع يساريي الحزب في ظل التوقعات التي تستبعد التغيرات الكبيرة في التعامل مع المسألة الحقوقية واتخاذ مواقف رسمية تجاه دول حليفة لأمريكا حتى لو كان لها ملف حقوقي سيئ في ظل البرغماتية التي يسعى البعض لتحقيقها من خلال تلك العلاقات التي من المرجح أن تجعل من هذا الملف “ورقة ضغط وابتزاز” يمكن إخراجها وقت الحاجة.
بايدن خلال حملته الانتخابية تعهد بوقف التدخل في حرب اليمن من خلال تجميد المساعدات العسكرية المقدمة لقوات التحالف بقيادة السعودية، وهي الوعود التي من المبكر اختبارها بعد، رغم حالة الاتفاق العامة التي تسود الإدارة الجديدة بضرورة وقف هذه الحرب التي خلفت وراءها جرائم إنسانية عديدة.
من ناحية أخرى، تعهد بايدن بوقف التدخل في حرب اليمن عن طريق وقف دعم التحالف العربي والتوقف عن تصدير السلاح لدوله، مع التعهد بعدم مواصلة سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تمنح شيكًا على بياض وتدعم الممارسات الاستبدادية والمنافسات الداخلية والحروب بالوكالة”، لكن عددًا من المعلقين اليساريين يقولون إن ذلك كان خطابًا مثاليًا للحملة الانتخابية لجذب أصوات يساري الحزب الديمقراطي ليس إلا.
تشكيلة اقتصادية من قدامى المحاربين
كما هو حال السياسة والأمن القومي جاء الاقتصاد كذلك، إذ أبقى الرئيس المنتخب دائرة اختياراته للمناصب الاقتصادية على “قدامى المحاربين” في إدارة أوباما، في محاولة للوفاء بوعوده الانتخابية التي أطلقها طوال الشهور الماضية، وذلك رغم الانتقادات التي وجهت لتلك السياسة في الاختيارات.
ومن أبرز الأسماء المختارة لإدارة الملف الاقتصادي تعيين جانيت يلين (74 سنة) وزيرة للخزانة، وهي التي كانت ترأس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ( 2014-2018) لتصبح – حال المصادقة عليها رسميًا من الكونغرس – أول امرأة تتبوأ وزارة الخزانة في تاريخها الممتد 231 عامًا.
كما اختير والي آدييمو (الذي كان نائبًا لمستشار الأمن القومي في عهد أوباما) نائبًا ليلين في الخزانة، وجرى ترشيح المديرة التنفيذية لمركز التقدم الأمريكي للأبحاث، نيرا تاندن، لرئاسة مكتب الإدارة والموازنة، فضلًا عن اختيار مدير كلية برنستون للشؤون العامة والدولية، سيسيليا راوس، لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، وهي التي كانت عضوًا في المجلس من 2009-2011.
أما عن فريق الاتصال الخاص بالرئيس فجاء حصريًا مكونًا من الإناث، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث اختيرت جين ساكي (41 سنة) متحدثة باسم البيت الأبيض، وهي التي كانت تحتل نفس المنصب في عهد أوباما، بجانب كيت بيدينغفيلد التي ستشغل منصب مديرة الاتصالات، وهي التي كانت نائبة لمدير حملة بايدن.
الأمور أمام بايدن ورغم ما تبدو عليه من أريحية في إدارة المشهد بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس، إلا أن هناك عقبات من المتوقع أن تصعب من المهمة، على رأسها المعارضة القوية المحتملة من الحزب الجمهوري، التي ستجعل من الانفراد البايدني بالقرار مسألة صعبة، خاصة حيال المسائل الخلافية بين الحزبين، وعلى رأسها الملف الإيراني وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
على كل حال.. ليس شرطًا أن تنسحب تلك القراءة الأولية على ملامح السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عملي، فمن المبكر جدًا الحكم على التوجهات الجديدة خاصة بعدما شهدته الساحة الشرق أوسطية والعالمية من تطورات أعادت تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية وعليه ربما تعيد معها أدوات التعاطي وتشكيل المواقف وفق المستجدات الجديدة.