بينما تتوجه أنظار العالم إلى الفصل الأخير من حكم ترامب ومحاولات عزله، تستعد إدارة الرئيس القادم جو بايدن لاستلام مهامها في الـ20 من يناير/كانون الثاني.. فهل يمكن استشراف سياسة بايدن من خلال تعييناته الجديدة؟
تصالح مع العالم
إن تشكيلة بايدن الحكومية هي نسخة مطورة من فريق الرئيس الأسبق باراك أوباما، فقد اختار الرئيس الجديد لوزارة الخارجية أنتوني بلينكن، في قرار سيشكل عودة إلى نهج العمل متعدد الأطراف خلافًا لسياسة الرئيس ترامب الذي طالبه حاكم ولاية ميريلاند الجمهوري بالاعتراف بالهزيمة بعد أن جعل البلاد تبدو كـ”جمهورية موز”.
بلينكن (58 عامًا) هو أحد مستشاري بايدن الرئيسيين في مجال السياسة الخارجية، وكان المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما عندما كان بايدن يشغل في ذلك الوقت منصب نائب الرئيس. يتحدث بلينكن الفرنسية بطلاقة، وهو محاور لبق، ومن مؤيدي أوروبا، وقد ارتاد مدرسة في باريس، حيث كان زوج والدته يمارس مهنة المحاماة.
اختار بايدن أيضًا جيك سوليفان – أحد أقرب معاونيه – مستشارًا للأمن القومي، وهو على ما يبدو لا يريد تكرار نفس مشاكل ترامب مع مستشاره السابق جون بولتون، الذي تعرض للإقالة بسبب اختلافه مع سياسته الخارجية، كما اختار أليخاندرو كايوركاس وزيرًا للأمن الداخلي، وهو أول أمريكي مهاجر من أصول لاتينية، ما يعني توجهًا كبيرًا للمصالحة الداخلية مع الأقليات والمهاجرين والسود بطبيعة الحال.
ممثل أمريكا في الأمم المتحدة ستشغله السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، وكانت قد تولت سابقًا منصب مساعدة في وزارة الخارجية لشؤون إفريقيا بعهد أوباما، وقادت غرينفيلد السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء خلال أحداث عصيبة مثل تفشي فيروس إيبولا على نطاق واسع في غرب إفريقيا، وهي سياسة تخالف سياسة ترامب الذي وصف في يناير/كانون الثاني 2018، بعض أجزاء من إفريقيا بأنها “دول قذرة”.
في الدائرة الاقتصادية، لم يخرج الرئيس عن دائرة “المحاربين القدامى” في إدارة أوباما، ليعكس ما قالت شبكة “سي إن إن” إنه مزيج من دائرته الخاصة من الأصدقاء والمستشارين الوسطيين من ذوي الخبرة والتنوع، ومحاولة للوفاء بوعوده الانتخابية التي أطلقها طوال الشهور الماضية، إذ تم تعيين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) السابقة (في الفترة بين 2014-2018)، جانيت يلين (74 سنة) وزيرةً للخزانة، وكانت قد رأست مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس بيل كلينتون، وهو ما يعني أنه في حال صادق عليها الكونغرس ستكون أول امرأة تتبوأ وزارة الخزانة في تاريخها الممتد منذ 231 عامًا.
وكانت يلين قد كسرت الحواجز بتعيينها أول امرأة على رأس الاحتياطي الفيدرالي، وستوكل إليها، وفق تصريحات بايدن، مهمة إعادة إنعاش الاقتصاد الأمريكي المنهك من تداعيات كورونا.
تبقى المفارقة الأكبر، تعيين بيت بوتيجيج، منافس بايدن السابق في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وزيرًا للنقل
وفي سياق ترشيحات الفريق الاقتصادي ذاته، رشِّح والي آدييمو نائبًا ليلين في الخزانة، وكان نائبًا لمستشار الأمن القومي في عهد أوباما، ثم تولى رئاسة مؤسسة أوباما التي تشرف على التخطيط لمكتبة الرئيس الديمقراطي السابق، كما جرى ترشيح نيرا تاندن المديرة التنفيذية لمركز التقدم الأمريكي للأبحاث، لرئاسة مكتب الإدارة والموازنة، وهي التي ساعدت إدارة أوباما في وضع برنامج “أوباما كير” للرعاية الصحية، الذي سعى الجمهوريون لتنحيته جانبًا، حيث ستكون تاندون أول سيدة ملونة تقود مكتب الإدارة والموازنة إذا جرى التصديق على تعيينها.
كما اختار بايدن سيسيليا راوس، وهي اقتصادية تدير كلية برنستون للشؤون العامة والدولية، لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، وكانت عضوًا في المجلس في عهد أوباما في الفترة من 2009 إلى 2011، وكذلك ستنضم إلى المجلس هيذر بوشي، المصنفة كـ”خبيرة اقتصادية بارزة”، التي شاركت في تأسيس مركز واشنطن للنمو المنصف وتركز في عملها على الفوارق الاقتصادية.
وتبقى المفارقة الأكبر، تعيين بيت بوتيجيج، منافس بايدن السابق في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وزيرًا للنقل في الإدارة المقبلة، وهو أول شخص مثلي الجنس يتم تعيينه في منصب وزاري بالولايات المتحدة.
أما التعيينات الأخرى، فبخلاف اختيارات ترامب في أول عهده الرئاسي في يناير/كانون الثاني 2017، الذي اعتمد على رجال من البيض لشغل المناصب الرئيسية، وصفت تقارير أمريكية “التعيينات المبكرة” لبايدن بأنها شديدة التنوع، بما شمل تعيين فريق كامل من النساء مسؤول عن شؤون الاتصال في البيت الأبيض.
وبحسب تصريحات بايدن نفسه، فقد قال: “الفريق يشبه أمريكا، ولديه جدية في تحقيق الهدف، وأعلى درجة من الكفاءة وعقيدة لا تحيد في آفاق بلاده. سيكون الفريق مستعدًا من اليوم الأول للعمل من أجل كل الأمريكيين”.
وجاءت ترشيحات فريق بايدن الاقتصادي، بعد يومين من تشكيله فريق الاتصال الخاص به في البيت الأبيض، الذي سيكون مكوّنًا من الإناث حصرًا، وهو ما وصفه مكتبه بأنه الفريق الأول من نوعه في تاريخ البلاد، الذي اعتمد كذلك على عناصر خدمت في عهد أوباما، وأهم التعيينات:
– جين ساكي (41 سنة): متحدثة باسم البيت الأبيض، وهو منصب بارز، وشغلت سابقًا مناصب عليا عديدة، بينها مديرة الاتصالات بالبيت الأبيض في ظل إدارة أوباما. إضافة إلى ساكي، أعلنت ست شخصيات أخرى، بينها كيت بيدينغفيلد التي كانت نائبة لمدير حملة بايدن، وستشغل منصب مديرة الاتصالات في البيت الأبيض.
– آشلي إتيان: مديرة الاتصالات لنائبة الرئيس كامالا هاريس.
– سيمون ساندرز: كبيرة مستشاري هاريس والمتحدثة باسمها.
– بيلي توبار: نائبة لمديرة الاتصالات في البيت الأبيض.
فريق الاتصالات بالبيت الأبيض، والمكون بالكامل من النساء سيتشاركنَ الالتزام نفسه بإعادة بناء هذه البلاد بشكل أفضل
– كارين جان بيير: نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض.
– إليزابيث ألكسندر: مديرة لاتصالات السيدة الأولى جيل بايدن.
ولا تتطلب هذه التعيينات موافقة مجلس الشيوخ على عكس المناصب الوزارية. وبحسب بايدن، فإن فريق الاتصالات بالبيت الأبيض، والمكون بالكامل من النساء سيوفرن وجهات نظر متنوعة لعملهن، ويتشاركنَ الالتزام نفسه بإعادة بناء هذه البلاد بشكل أفضل.
رسائل سيئة إلى الشرق الأوسط
في خضم التعيينات، يأتي تعيين بريت ماكغورك كمبعوث للرئيس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خطوة غير مطمئنة، ففي تقرير مطول نشرته وكالة الأناضول، استعرضت فيه أهم محطات ماكغورك، يتبين توجهات السياسة الأمريكية الجديدة:
– هو محام ودبلوماسي أمريكي عينه أوباما في 23 من أكتوبر/تشرين أول 2015 ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، خلفًا للجنرال جون ألين، بعدما كان نائبًا له منذ 16 من سبتمبر/أيلول 2014.
– قبل ذلك عمل ماكغورك نائبًا لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون العراق وإيران، وقاد مفاوضات سرية مع إيران بين أكتوبر/تشرين الأول 2014 ويناير/كانون الثاني 2016، أدت إلى الإفراج عن أربعة سجناء أمريكيين من سجن “إيفين” في طهران، كان من بينهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست” جيسون رضائیان.
– عمل ماكغورك مساعدًا خاصًا للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش ومديرًا لشؤون العراق وأفغانستان، أما في عهد أوباما، فعمل مستشارًا خاصًا بالمجلس الأمن القومي وكبير مستشاري سفير الولايات المتحدة إلى العراق.
– يناير 2004 عاد ماكغورك ليعمل في القطاع الحكومي مستشارًا قانونيًا في سلطة الائتلاف المؤقت، ومستشارًا قانونيًا لسفير الولايات المتحدة في بغداد، وخلال تلك الفترة ساهم في صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت والقانون الإداري الانتقالي، وأشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء إياد علاوي.
– 2005 انتقل ماكغورك للعمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي مديرًا لشؤون العراق، ثم عمل مستشارًا خاصًا للرئيس الأمريكي ومدير شؤون العراق وأفغانستان.
– عام 2006 كان ماكغورك أول من دعا إلى تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه العراق، وروج لفكرة زيادة عدد القوات الأمريكية هناك التي بدأت بالفعل في يناير/كانون الثاني 2007.
– طلب الرئيس بوش من ماكغورك قيادة المفاوضات مع حكومة العراق بجانب السفير ريان كروكر، لوضع أسس اتفاقية الإطار الإستراتيجي والاتفاقية الأمنية لضمان الاستمرارية في ذلك النهج السياسي بعد نهاية ولايته.
– عام 2009 كان ماكغورك أحد السياسيين الثلاث الذين انتقلوا من إدارة الرئيس بوش إلى إدارة الرئيس أوباما وتولى منصب مستشار الرئيس الأمريكي ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.
– في أغسطس/آب 2013 تم تعيين ماكغورك نائبًا لمساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران في مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية.
استنساخ جو بايدن لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، يثير شكوك كبيرة بشأن وجود سياسة جديدة تختلف عن سياسة أوباما في المنطقة التي كانت أحد أسباب دمار المنطقة
– في 13 من سبتمبر/أيلول 2014 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تعيين ماكغورك سفيرًا ونائبًا للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة داعش، وبعدها بثلاثة أيام التقى السفير ماكغورك في البيت الأبيض مع الرئيس أوباما وجنرال مشاة البحرية المتقاعد جون ألين لمناقشة إستراتيجية بناء تحالف دولي لمكافحة داعش.
– في 3 من ديسمبر/كانون الأول 2014 عقد اجتماع في العاصمة البلجيكية بروكسل وتم تشكيل تحالف رسمي من 62 دولة لدعم العراق ومساعدة الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء حيدرالعبادي، في محاربة داعش، بالإضافة إلى خمسة أطر عسكرية ودبلوماسية لدعم هذا الجهد.
– في يناير/كانون الثاني 2016 زار الدبلوماسي ماكغورك شمال سوريا كجزء من بعثة مكافحة داعش والتقى مسؤولين من تنظيمي “ب ي د” و”ي ب ك”.
مبعوث الرئيس الأمريكي ورجله في الشرق الأوسط إذن، رجل يعرف المنطقة جيدًا، وتكمن المشكلة في أن تلك الفترة شهدت أسوأ أحداث المنطقة: القضاء على الربيع العربي وإنهاء الثورة السورية وتمكين المليشيات الإيرانية فيها من دخول داعش للموصل والاتفاق النووي الإيراني.
رغم أن المعطيات الموجودة في المنطقة تختلف الآن عن المعطيات الموجودة في ذلك الوقت، لكن استنساخ جو بايدن لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، يثير شكوكًا كبيرةً عن وجود سياسة جديدة تختلف عن سياسة أوباما في المنطقة التي كانت أحد أسباب دمار المنطقة وإطلاق يد إيران فيها على حساب تخفيف الوجود الأمريكي هناك، فهل يكون بايدن طوق النجاة الجديد لإيران من حصارها الخانق؟