بدأت ملامح التصعيد الخطابي تعود تدريجيًا على لسان المسؤولين الإيرانيين في الآونة الأخيرة، تحديدًا بعد أن صادق الكونغرس الأمريكي بمجلسيه على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت في الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وكانت أولى ملامح هذا التصعيد في الكلمة التي ألقاها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بمناسبة الذكرى السنوية لخروج تظاهرات ضد نظام الشاه في قم، التي جاءت مترافقة أيضًا مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط الطائرة الأوكرانية في أثناء عملية الرد على مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، التي راح ضحيتها 176 مدنيًا، معظمهم من المواطنين الإيرانيين.
إذ سعى خامنئي إلى توجيه رسائل عديدة نحو الخارج، وتحديدًا الولايات المتحدة والأوربيين، عندما أشار إلى أن الإيرانيين ليسوا مستعجلين لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، “فنحن ليس لدينا أي استعجال ولا نصر على عودتها، ومن واجب الولايات المتحدة وأوروبا التي تتبعها، احترام حق الشعب الإيراني هذا، وفي حال رفعت العقوبات سيكون لعودة الأمريكيين إلى الاتفاق معنى، وفي حال عدم رفع العقوبات لن تصب عودة الولايات المتحدة في مصلحتنا، لا بل قد تحصل على حسابنا أيضًا”.
إيران تنتج الماء الثقيل بما يغطي حاجتها، فضلًا عن التصدير إلى ثماني دول
هذه اللهجة الخطابية حظيت أيضًا بدعم وتأييد الرئيس حسن روحاني الذي لم يذهب بعيدًا عن الخطوط العامة التي حددها خطاب خامنئي، وشاركه في ذلك رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، وكذلك رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، إلى جانب جنرالات الحرس الثوري، الذين أكدوا من خلال موافقتهم على الخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات، التي سبق أن أقرتها الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي، برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، وعدم الالتزام بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي، وتهديدهم بإنهاء مهمة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 21 من فبراير/شباط المقبل، في حال لم يتم رفع العقوبات على إيران، بأن هناك إجماعًا داخليًا إيرانيًا (محافظ وإصلاحي)، على اعتماد لغة متشددة مع الإدارة الأمريكية المقبلة.
وفي خطوات تترجم المواقف الإيرانية الأخيرة، أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كماولندي، أن إيران تنتج الماء الثقيل بما يغطي حاجتها، فضلًا عن التصدير إلى ثماني دول، وفي هذا الإطار، أظهرت صور للأقمار الصناعية مأخوذة حديثًا من منشأة نطنز النووية، أنه تم حفر ثلاثة أنفاق في جبل بالقرب من الموقع.
وفي تقييم أولي لتلك الصور، اعتبر “المعهد الدولي للعلوم والأمن” أن السلطات الإيرانية تبني منشآت جديدة تحت الجبل لتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم، وذكر المعهد أن صور الأقمار الصناعية عالية الدقة التي التقطت في 5 من يناير/كانون الثاني 2021، أظهرت أن البناء يتقدم بسرعة في أكبر جبل بالمنطقة، وهو الموقع المستقبلي المحتمل لمرفق التخصيب الجديد تحت الأرض، ويشمل البناء موقعًا للدعم الهندسي المستقبلي وثلاثة أنفاق مرتبطة بخطوط الطاقة الكهربائية، وأسسًا لمكاتب إدارية وهندسية، كما تبين أن هناك العديد من الشاحنات وثلاثة مخازن قريبة، على الأرجح أنها مستودعات للبناء محاطة بسياج أمني.
هذه الإجراءات الإيرانية على الأرض، أوضحها وزير الدفاع أمير حاتمي، عندما أشار في حديث له مع وسائل إعلام إيرانية، إلى أن بلاده تحذر الولايات المتحدة من أي خطأ في الحسابات، مضيفًا أن رد إيران سيكون ساحقًا ضد أي اعتداء، ولفت إلى أن إيران هي الضامن لأمن المنطقة.
صفوي يعود بسليماني للواجهة مرة أخرى
بعد مرور عام على اغتياله بضربة جوية أمريكية، كشف كبير المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني رحيم صفوي، عن تركة قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، المتمثلة بإنشاء 82 لواءً في سوريا والعراق، لافتًا إلى أن 22 منها، ميليشيات تعمل تحت لواء الحشد العراقي المتحالف مع طهران، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”.
وأوضح صفوي أن سليماني أشرف على إنشاء 60 لواءً في سوريا، تضم 70 ألف مقاتل من قوات ما تعرف بـ”التعبئة الشعبية السورية” والمقاتلين الأجانب، في إشارة إلى الميليشيات التي تخوض الحرب في سوريا، إلى جانب قوات النظام السوري برعاية فيلق القدس، ودافع صفوي عن دور بلاده في إنشاء ما سماه “مدرسة سليماني” في المنطقة، معتبرًا أن وجود هذا العدد من الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق أمر مهم.
التوجه الإيراني نحو توحيد المواقف السياسية والإستراتيجية حيال البيئة الخارجية، سيمثل إستراتيجية عمل واضحة للنظام الإيراني خلال الفترة المقبلة
وأضاف “أنشأت إيران ميليشيا “فاطميون” التي تضم مقاتلين من الشيعة الأفغان، وأخرى باكستانية تعرف بـ”زينبيون”، إضافة إلى لواء “حيدريون” الذي يضم ميليشيات عراقية، خلال خوضها الحرب الداخلية السورية إلى جانب جيش النظام السوري”، ووصف خطوة بلاده بإنشاء عشرات الميليشيات المسلحة في المنطقة بـ”تحويل التهديد إلى فرصة، تحت إدارة إستراتيجية لمدرسة سليماني”.
لافتًا إلى أن وجود هذه الميليشيات إلى جانب جيش تقليدي في العراق وسوريا عمل مهم وصعب، لكن سليماني كانت لديه المرونة، وفضلًا عن سرده دور سليماني العسكري في 4 دول عربية هي: العراق وسوريا واليمن ولبنان، وضد إستراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، أشار صفوي إلى أن سليماني أجرى مباحثات دبلوماسية بمستويات إستراتيجية مع رؤساء جمهوريات روسيا وتركيا والعراق وأفغانستان.
هدف أمريكي في الوقت الضائع
قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في خطاب ألقاه الثلاثاء، قبل ثمانية أيام من انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب، إن إيران باتت المقر الجديد لتنظيم القاعدة، وطالب بومبيو في مؤتمر صحافي بالمزيد من الضغط الدولي على إيران، واصفًا تحالفها مع القاعدة، بأنه “قوة هائلة للشر في كل أنحاء العالم”، مؤكدًا “إذا تجاهلنا محور الشر هذا إيران/القاعدة، فسنكون مسؤولين عن ذلك، علينا أن نواجهه، علينا أن ننتصر عليه”.
وأكّد بومبيو تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكر أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله قُتل في طهران في أغسطس/آب على أيدي إسرائيليين، لكنه لم يقل إن “إسرائيل” نفذت العملية.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد قالت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن القيادي في القاعدة أبو محمد المصري المتهم بالمساعدة في تدبير تفجير سفارتين أمريكيتين في إفريقيا عام 1998، قتله عملاء إسرائيليون بالرصاص في إيران، ونفت إيران التقرير، قائلة إنه لا يوجد إرهابيون من القاعدة على أراضيها.
وقال بومبيو خلال مؤتمر صحافي في “نادي الصحافة الوطني” بواشنطن إنه يعلن للمرة الأولى أن المصري قُتل في 7 من أغسطس/آب 2020، وأضاف أن وجوده في إيران لم يكن مفاجئًا، قائلًا: “وجود المصري داخل إيران يشير إلى سبب وجودنا هنا اليوم، القاعدة لديها مركز جديد: إنه إيران”.
إيران تطالب بإلغاء آلية إعادة فرض العقوبات الواردة في الاتفاق النووي، إذا أجريت محادثات جديدة مع القوى العالمية
وفي هذا المجال، أشار برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن ثلاثة من كبار قادة تنظيم القاعدة موجودون اليوم في طهران، وهم كل من سيف العدل “محمد صلاح الدين” وياسين السوري “عز الدين عبد العزيز” وعبد الرحمن المغربي، وقد حدد البرنامج مكافآت مالية بين 7 إلى 10 ملايين دولار، بخصوص أي معلومات تساعد على الوصول لهم.
إن التوجه الإيراني نحو توحيد المواقف السياسية والإستراتيجية حيال البيئة الخارجية، سيمثل إستراتيجية عمل واضحة للنظام الإيراني خلال الفترة المقبلة، وتحديدًا في ظل التخبط الحاليّ الذي تعيشه الولايات المتحدة، بين الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب والكونغرس الأمريكي بأغلبيته الديمقراطية المطالب بعزله، وهو ما قد يوفر فرصةً جيدةً لإيران لاستثمار هذا الوضع، في تحقيق خطوة للإمام، عندما يتعلق الأمر بإمكانية العودة للاتفاق النووي، وهو ما أشار إليه بوضوح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني، إن إيران تطالب بإلغاء آلية إعادة فرض العقوبات الواردة في الاتفاق النووي، إذا أجريت محادثات جديدة مع القوى العالمية.