صوّت مجلس النواب الأمريكي بالموافقة على إجراءات عزل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، بعد إقرار لائحة اتهامه بالتحريض على التمرّد، على خلفية اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في الـ6 من الشهر الحاليّ، بأغلبية 232 صوتًا مقابل 191، حيث صوت جميع النواب الديمقراطيين و10 من الجمهوريين على قرار العزل رسميًا.
يُدخل هذا القرار ترامب التاريخ لكن من الأبواب الخلفية، كونه أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يحال لمجلس الشيوخ لمحاكمته بقصد العزل مرتين خلال ولاية حكمه، ليأبى الرئيس المهزوم أن يغادر منصبه إلا بعد تحقيق المزيد من الأرقام القياسية.
الديمقراطيون يسابقون الزمن لإقرار العزل قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض في الـ20 من الشهر، فيما يتريث الجمهوريون حتى يوم التنصيب رسميًا خاصة أن سبعة أيام ليست كافية لإنهاء إجراءات العزل بصورة كاملة في ظل ضرورة مثوله للمساءلة أمام الشيوخ ثم التصويت بموافقة ثلثي الأعضاء.
لا أحد فوق القانون
“مجلس النواب أظهر اليوم، بمشاركة من الحزبين، أن ما من أحد فوق القانون، ولا حتى رئيس الولايات المتحدة” هكذا علقت رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية نانسي بيلوسي، على قرار النواب بشأن عزل ترامب الذي وصفته بأنه يشكل خطرًا واضحًا وفوريًا على البلاد.
يعلم الديمقراطيون أن هناك صعوبات ربما تحول دون عزل الرئيس المهزوم بصورة نهائية، على رأسها عامل الوقت، فليس من المتوقع أن ينعقد الشيوخ قبل 19 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، موعدِ انتهاءِ عطلته، أي قبل يوم واحد فقط من مغادرة ترامب المنصب رسميًا وتسلّم الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة.
عامل الأغلبية التصويتية سيكون عقبة كذلك أمام القرار الذي من المفترض أن يحظى بموافقة ثلثي الأعضاء لتمريره، علمًا بأن مجلس الشيوخ بعد النتائج النهائية أصبح مناصفة بين الجمهوريين والديمقراطيين، 50 مقعدًا لكل حزب، حتى لو سلمنا بترجيح صوت كاميلا هاريس لكفة الديمقراطيين، فإن القرار بحاجة إلى ثلثي الأصوات، ما يعني أن 17% من الجمهوريين لا بد أن يصوتوا إلى جانب جميع الأعضاء الديممقراطيين، وهذا أمر صعب في الوقت الحاليّ.
الإصرار على تمرير خطوة العزل في حقيقته رسالة سياسية أكثر منها إدارية، رسالة إلى كل من يفكر أن ينقلب على الدستور أو يخالف القانون مستغلًا نفوذه وصلاحياته الممنوحة له بحكم منصبه، كما أنها “عين حمراء” لكل من يفكر في الإقدام على مثل هذه التصرفات – التي أضرت بصورة الديمقراطية الأمريكية – مستقبلًا.
We know that the President of the United States incited this insurrection – this armed rebellion – against our American democracy. He must go. pic.twitter.com/pIxOv2hOQv
— Nancy Pelosi (@SpeakerPelosi) January 14, 2021
حفظ ماء وجه الجمهوريين
من الناحية الأخرى يسعى الجمهوريون للحيلولة دون إتمام إجراءات العزل لما لهذه الخطوة من خطورة مطلقة على مستقبل الحزب السياسي خلال الفترة المقبلة، وعليه يحاولون فرملة هذا التحرك قدر الإمكان، بدعوى قصر الفترة الزمنية المتبقية أمام ترامب داخل البيت الأبيض التي تجعل من التحرك في هذا الاتجاه غير مجد.
لكنهم في الوقت نفسه لا يمكن أن يتجاهلوا الغضب الشعبي والرسمي حيال اقتحام الكابيتول، تلك الجريمة التي ستظل وصمة عار في جبين الجمهوريين الذي يمثلهم الرئيس وأنصاره المنقادون بتغريداته التحريضية المستمرة، التي عمقت من الخصومة والاحتقان بين قطبي السياسة في أمريكا.
موافقة 10 أعضاء جمهوريين على قرار العزل محاولة لـ”ذر الرماد في العيون” تأكيدًا على حالة الرفض الحزبي للواقعة التي شوهت صورة البلاد خارجيًا، لكنها الموافقة الرمزية المجمدة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ لا يكون لها أي تأثير في القرار النهائي الذي يحتاج إلى موافقة ثلثي الشيوخ.
زعيم الجمهوريين في الشيوخ، ميتش ماكونيل، تعليقًا على جلسة النواب بالأمس استبعد إجراء محاكمة عادلة أو جادة لترامب في غضون الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأبيض، مؤكدًا أنه لن يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد قبل الموعد المقرر لاستئناف جلساته في 19 من يناير/كانون الثاني، مضيفًا “بالنظر إلى القواعد والإجراءات والسوابق في مجلس الشيوخ التي ترعى المحاكمات الرامية لعزل الرؤساء، فبكل بساطة ليست هناك أي فرصة لإنجاز محاكمة عادلة أو جادة قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب بايدن اليمين الدستورية الأسبوع المقبل”.
الرأي ذاته ذهب إليه عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ليندسي غراهام الذي قال: “سعيد لسماع أن ماكونيل لن يوافق على محاكمة سريعة لعزل الرئيس ترامب”، محذرًا من أن التسرع في إصدار قرار نهائي بالعزل سيؤدي إلى مزيد من العنف بما يضر بالمؤسسات الأمريكية.
My full statement on the next seven days and the Senate schedule: pic.twitter.com/Nh5z3f79yq
— Leader McConnell (@senatemajldr) January 13, 2021
ترامب بين العزل والإقصاء
في ظل تلك الأجواء الملتهبة تجاهل ترامب كواليس ما دار داخل مجلس النواب موجهًا رسالة مصورة للأمريكيين دعاهم فيها “للتغلب على المشاعر الآنية والاتحاد معًا شعبًا أمريكيًا واحدًا. دعونا نختار المضي قُدمًا متحدين لما فيه خير عائلاتنا”.
ترامب ومنذ توتير الأحداث في الـ6 من يناير/كانون الثاني الماضي يحاول أن يخفف حالة الاحتقان الشعبي ضده بتغريدات تبعث على التهدئة وعدم الصدام مع مؤسسات الدولة، لكنها الرسائل التي جاءت رضوخًا للضغوط التي تعرض لها حتى من بين أنصاره من الجمهوريين، ومن ثم فقدت تأثيرها المأمول.
الديمقراطيون يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى قرار عزل نهائي بموافقة ثلثي الشيوخ، حتى لو كان ذلك بعد انتهاء ولاية ترامب رسميًا، فالإدانة في حد ذاتها وإن لم يترتب عليها إجراء فوري باتت الهدف الأكبر الأن أمام بيلوسي ورفاقها، وهو الموقف الذي قد يترتب عليه تداعيات مستقبلية.
زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، في قراءته لهذا الإصرار يقول إنه وبصرف النظر عن كون ترامب أصبح أول رئيس أمريكي يوصم مرتين بوصمة العزل، إلا أن محاكمته حتى لو جرت بعد مغادرة البيت الأبيض “فسيتم التصويت على إدانته، وإذا تمت إدانته فسيتم التصويت على منعه من الترشح لمرة أخرى”.
وعليه فإن الإقصاء السياسي للرئيس المهزوم وإبعاده بصورة نهائية عن الساحة السياسية الأمريكية هو الغاية الكبرى من وراء المضي قدمًا في هذا المسار، رغم جهود الجمهوريين الحثيثة لإبقاء الوضع على ما هو عليه حتى الرحيل، كي لا يدفع الحزب الثمن الأكبر من وراء شعبوبة ترامب.
وفي المحصلة ربما تحمل الأيام السبع القادمة الكثير من المفاجآت والمستجدات التي تضفي مزيدًا من الغموض على مستقبل الرئيس الأمريكي الذي طالما ملأ الأرض صياحًا بشعبيته التي قدم لأجل الحفاظ عليها الكثير والكثير من حقوق شعوب الأرض ومقدساتهم التاريخية التي بقت وستبقى فيما سيذهب هو إلى سجلات النسيان.