تفاءلت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني (Fitch Ratings) بشأن وضعية الاقتصاد التركي خلال العام الحاليّ، لافتة في توقعاتها إلى تحقيق أنقرة نموًا اقتصاديًا بحدود 3.5% خلال 2021 مدعومًا بطفرة متوقعة للاقتصاد المحلي اعتبارًا من النصف الثاني من العام، بحسب وكالة “الأناضول“.
الوكالة استندت في توقعاتها إلى بدء الحصول على لقاحات الوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي أحدث ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الوطني بسبب سياسات الغلق وتوقف عجلة السياحة وتراجع الطلب العالمي على الاستهلاك، هذا بخلاف تزايد وتيرة النفقات لمواجهة الجائحة التي تزايدت معدلات تفشيها في المجتمع التركي خلال العام الماضي.
تأتي هذه النظرة بعد أقل من شهرين على حزمة الإصلاحات والمحفزات التي أعلنها الرئيس رجب طيب أرودغان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، داعيًا نخبة المستثمرين المحليين والدوليين للوثوق بها وضخ استثمارات في السوق التركية، منوهًا أن بلاده أطلقت مرحلة جديدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة النمو.
وكان من بين تلك الإصلاحات الهيكلية التي أقرها أردوغان وبدأت أنقرة في جني حصادها مع بداية العام الحاليّ، تعيين الوزير السابق لطفي ألوان ليكون وزيرًا للخزانة والمالية خلفًا لبراءت ألبيرق، وتعيين ناجي آغبال محافظًا للبنك المركزي خلفًا لمراد أويصال.
مؤشرات التفاؤل
المحلل الرئيسي المعني بتركيا في وكالة “فيتش”، دوغلاس وينسلو، أشار إلى أن بدء التطعيم ضد الوباء وما يترتب عليه من تقليل الإجراءات الاحترازية التقليدية وتخفيف القيود المفروضة على التحركات والأنشطة، سيؤدي إلى دعم الثقة في الاقتصاد ويسرع من وتيرته خلال النصف الثاني من 2021.
وينسلو كشف أن المؤشرات الأولية بشأن تعافي الاقتصاد التركي وقدرته على استعادة قوته مرة أخرى بعد الهزة التي تعرض لها خلال العام الماضي ستدفع الوكالة الدولية إلى تعديل توقعاتها لنمو هذا الاقتصاد في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الذي سيصدر بحلول مارس/آذار المقبل، بحسب تصريحاته للوكالة التركية.
المسؤول الدولي توقع تراجعًا في معدل عجز الحساب الحاليّ يصل إلى 3.5% من الناتج المحالي الإجمالي خلال العام الحاليّ بدلًا من 5.2% خلال الشهور الـ11 من العام الماضي، على أن يبلغ 2.4% في 2022، مرجعًا ذلك لعودة النشاط السياحي واستئناف نشاط الصادرات مرة أخرى.
“منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” عدلت هي الأخرى من توقعاتها بشأن مقدار الانكماش في الاقتصاد التركي لعام 2020، من 1.3 إلى 0.2%
كما أشارت الوكالة إلى دور السياسات النقدية المتشددة لرئيس البنك المركزي التركي الجديد، ناجي آغبال، في تشجيع تدفق رأس المال إلى السوق المحلية، منوهة إلى أنها ستدعم توازن التمويل الخارجي لتركيا، لكن في الوقت ذاته لا تتوقع زيادة كبيرة في احتياطات النقد الأجنبي على المدى القريب.
وكان المركزي قد اتخذ سياسات متشددة تهدف لخفض نسب التضخم دون 10%، وإعادة تقوية الليرة التركية أمام النقد الأجنبي، وقد أسهمت في زيادة الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث، كما يتوقع أن تسهم في خفض معدل التضخم في تركيا خلال العام الحاليّ 10.5% و9.5% في 2022 مقارنة بتوقعات بتجاوز التضخم 11.5% خلال 2020.
توقعات إيجابية
المؤشرات الإيجابية التي ختم بها الاقتصاد التركي العام الماضي دفعت العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية لتعديل توقعاتها بشأن العام الجديد، وعلى رأس تلك المؤسسات البنك الدولي الذي كان قد توقع نموًا اقتصاديًا تركيًا بنسبة 0.5%، عوضًا عن توقعات سابقة بانكماشه بنسبة 3.8% لعام 2020 لكن سرعان ما عدل توقعاته في تقريره الصادر في 5 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، ذاكرًا أنه من المتوقع أن يحقق نموًا بنسبة 4.5% في 2021، و5% في 2022.
“منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” – تأسست عام 1961، وتضم 31 من الدول المتقدمة التي تلتزم بالديمقراطية واقتصاد السوق، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس – عدلت هي الأخرى من توقعاتها بشأن مقدار الانكماش في الاقتصاد التركي لعام 2020، من 1.3 إلى 0.2%.
المنظمة في تقرير لها أول أمس أوضحت أن الاقتصاد التركي شهد تعافيًا ملحوظًا بعد الموجة الأولى من الجائحة، متوقعة تحقيقه معدل نمو 2.6% في 2021، و3.5% في 2022، كما توقعت بلوغ نسبة البطالة 13.7% في 2021، و14.5% في 2022.
التقرير أشاد بالبنية التحتية الصحية التركية، التي أرجع لها الفضل في السيطرة بشكل كبير على رقعة تفشي الوباء، الأمر الذي عزز من تأثير السياسات الاقتصادية والمالية المتخذة خلال العام الماضي، وهو ما تُرجم بشكل أو بآخر خلال الربعين الأخيرين من 2020.
نهاية مبشرة
أسدل الاقتصاد التركي العام المنصرم بنمو ملحوظ في العديد من الأنشطة والمجالات التي تأثرت كثيرًا خلال العامين الماضيين، ولعل أبرزها العملة الوطنية “الليرة” التي سجلت ارتفاعًا مؤخرًا بنسبة 12% مقابل الدولار، و10% مقابل اليورو، بحسب تصريحات أردوغان.
الرئيس التركي في كلمة أمام أعضاء مجلس إدارة هيئة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، أمس الجمعة، في مدينة إسطنبول، أشار إلى أن بلاده تواصل مساعيها من أجل تطوير اتفاقية الاتحاد الجمركي مع أوروبا، لافتًا إلى حاجة أنقرة إلى قفزة جديدة في الدبلوماسية التجارية.
حصة تركيا من الصادرات العالمية خلال الشهور العشر الأولى من 2020 تجاوزت لأول مرة 1%
كما أثنى في الوقت نفسه على اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع بريطانيا نهاية العام الماضي، التي وصفها بأنها “الأهم من نوعها” بعد الاتحاد الجمركي، موضحًا أنها ستؤمن وبشكل كبير استمرارية العلاقات التجارية مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وأشاد أردوغان بالسياسات المتبعة التي أبقت اقتصاد بلاده على مستوى النمو الإيجابي مقابل الانخفاض الكبير المتوقع في التجارة والنمو العالميين، مرجعًا السبب الأكبر في ذلك إلى التصدير، حيث حطمت تركيا خلال ديسمبر/كانون الأول 2020 كل الأرقام القياسية السابقة، مسجلة إجمالي صادرات بقيمة 51.2 مليار دولار في الربع الأخير من العام.
يذكر أن حصة تركيا من الصادرات العالمية خلال الشهور العشر الأولى من 2020 بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، تجاوزت لأول مرة 1% مسجلة 1.03، فيما بلغت عدد الشركات المصدرة في تركيا 87 ألفًا و400.
واختتم الرئيس كلمته بالإشارة إلى تزايد الاستثمارات الأجنبية في بلاده، التي تجاوزت 15 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، مشددًا على مواصلة المستثمرين الأجانب حصد الأرباح كما كان في السابق، في ضوء الإصلاحات التي اُجريت ومن المتوقع أن يكون لها صدى إيجابي خلال الفترة المقبلة.
وكان الاقتصاد التركي قد حقق نموًا بلغت نسبته 6.7% في الربع الثالث من 2020، ليتعافى بعد انكماش بنحو 10% في الربع السابق بحسب وكالة “رويترز” التي توقعت نموًا في الناتج المحلي الإجمالي قدره 4.8% على أساس سنوي، ما يعكس حالة التعافي التي بات عليها الاقتصاد التركي.
وفي الأخير يذهب الخبراء إلى أن التعافي الاقتصادي التركي أصبح مرهونًا بقدرة أنقرة على تحجيم انتشار الوباء، ومع النجاح الذي حققته المنظومة الصحية الوطنية المدعومة من قطاعات الدولة كافة، والمنعكسة في تراجع معدلات الإصابة شيئًا فشيئًا، يخيم التفاؤل على المشهد الاقتصادي خلال العام الجديد.