ترجمة وتحرير نون بوست
كان رجب طيب أردوغان على وشك سحب ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى قبل أن تبدأ المفاوضات بشكل رسمي. كان الرئيس التركي مستاءً من الشروط المسبقة الصادرة في قمة الاتحاد الأوروبي التي عُقدت في بروكسل لاتخاذ القرار بشأن بدء محادثات الانضمام. يتذكر بيتر وستماكوت المواجهة الحاسمة لكانون الأول/ ديسمبر 2004، التي حضرها بصفته سفير بريطانيا في أنقرة: “تلقيت رسالة مفادها أن أردوغان أرسل رسالة إلى المطار تقول: شغّل المحركات، سنعود إلى الديار”؛ والجهود المحمومة التي شارك فيها توني بلير، رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك، الرامية لـ”حل” الخلاف. وفي غضون سنة، انطلقت المفاوضات بعد أن تمكن الأوروبيون من تهدئة مخاوف الزعيم التركي.
أدى تصاعد الخلافات بشأن المجالات التي تتعلق بحقوق الإنسان والمنازعات البحر
ضابط شرطة تركي بصدد القيام بدورية في رصيف ميناء ديلوفاسي، حيث ترسو سفينة الحفر “يافوز”، المقرر إرسالها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
بعد مرور سنوات على اتباع نهج معيّن مع تركيا، من المقرر أن يعقد القادة الأوروبيون محادثات في آذار/ مارس حول استراتيجيتهم الخاصة بتركيا، بما في ذلك العقوبات الجديدة.
تعليقًا على تدهور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، قالت إلكه تويغور، المحللة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومعهد إلكانو الملكي الإسباني، إن “العلاقة بأكملها تتطلب التحديث، وتكمن المشكلة في عدم وضع كلا الطرفين خطة بديلة”.
لكن في الأسابيع الأخيرة، اعتمد أردوغان لهجة أكثر تصالحية إلى حد ما لجذب رأس المال الأجنبي الذي سيساعد على دعم اقتصاد بلاده المتدهور. يوم الثلاثاء، أشاد الرئيس التركي، في اجتماع مع سفراء الاتحاد الأوروبي، بخطط استئناف المحادثات مع اليونان وقال إنه يريد وضع “أجندة إيجابية” لتحسين علاقات تركيا مع بروكسل. لكن بعد سنوات من المشاحنات، بات العديد من دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي يشككون في إمكانية حدوث تغيير جذري في هذه العلاقة.
يتوقع أحد الديبلوماسيين “عودة الرئيس التركي إلى نهج أكثر عدوانية قبل آذار/ مارس”، عندما يتخذ قادة الاتحاد الأوروبي قرارًا نهائيًا بشأن العقوبات المالية الأكثر صرامة التي تجنبوها منذ فترة طويلة مراعاة لمشاكل تركيا الاقتصادية. لم نتطرق مطلقا إلى القضايا الهيكلية وقلنا لأردوغان: إذا واصلت التصرف على هذا النحو، ستكون هناك عواقب اقتصادية”.
أحد مؤيدي حزب العدالة والتنمية يحمل ملصقا لأردوغان بينما يلوح الآخرون بالأعلام الوطنية وأعلام الاتحاد الأوروبي.
تدهور العلاقة منذ البداية
لطالما كانت علاقة الاتحاد الأوروبي مع تركيا في عهد أردوغان معقدة ومتناقضة بعض الشيء. في سنة 2004، وافق الاتحاد الأوروبي على بدء جولة جديدة من مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، وذلك على أثر الاستياء التركي من انضمام قبرص إلى الكتلة في وقت سابق من تلك السنة. وسُمح لقبرص بالانضمام للكتلة على الرغم من أن الجزء الشمالي منها يخضع منذ عقود للسلطة التركية ولا تعترف به أي دولة أخرى. كما تعثرت المحادثات لحل ما يسمى بقضية قبرص مرارا وتكرارا، كان آخرها في سنة 2017.
تعد عوامل الجذب الاقتصادية المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة واضحةً، وقد تُرجمت إلى اتحاد جمركي بين الطرفين بلغ سنته الـ 25 الشهر الماضي. كانت تركيا خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وسوق تصدير ومزود للواردات في سنة 2019، وفقا لبيانات الكتلة الرسمية. بالاضافة إلى ذلك، يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لتركيا في مجال الاستيراد والتصدير، فضلا عن كونه أكبر مصدر للاستثمار الداخلي.
ساهمت الاضطرابات الإقليمية في توطيد العلاقات بين القوتين، حيث أصبحت تركيا شريكا مهما في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، لا سيما أنها القناة الرئيسية لمقاتلي تنظيم الدولة القادمين من أوروبا في طريقهم من وإلى سوريا والعراق.
أضاف وصول أكثر من مليون مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي في سنة 2015 بعدًا آخر للروابط بين الكتلة وأنقرة. في آذار/ مارس 2016، اتفق الطرفان على إبرام صفقة وافق بموجبها الأوروبيون على دفع مليارات اليوروهات لتركيا لقبول اللاجئين مقابل إعادة المهاجرين الذين سافروا من أراضيها إلى الجزر اليونانية.
أظهر نزاع جديد حول قضية الهجرة السنة الماضية أهمية تركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي وعمق الخلاف بينهما في نفس الوقت. في آذار/ مارس، توجه آلاف المهاجرين إلى الحدود التركية – اليونانية بعد أن تابع أردوغان تهديده بـ “فتح البوابات” للاجئين. واعترف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قائلا: “إذا كان أردوغان يريد ذلك بالفعل، يمكنه أن يفعل أكثر (مما فعل في ذلك الوقت). نحن جميعا على دراية بهذا الأمر، كما أن الرأي العام الأوروبي حساس للغاية بشأن هذه القضية وأردوغان يستغل تلك النقطة”.
مهاجرون ينتظرون في المنطقة العازلة على الحدود التركية -اليونانية.
صِدامات وجواسيس ووكلاء
تصادمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع الزعيم التركي، لاسيما بعد محاولة الانقلاب لسنة 2016. ولعل ما أثار غضب أردوغان هو اكتفاء الدول الأوروبية بإدانة المحاولة الانقلابية، التي أسفرت عن قتل 250 شخصًا.
في سنة 2017، منعت هولندا هبوط طائرة وزير الخارجية التركي وطردت وزيرا آخر من البلاد، حيث كان الهدف من الزيارة عقد لقاء انتخابي مع الجالية التركية بشأن الاستفتاء الدستوري. من جانبها، اعتقلت تركيا مواطنين من حاملي الجنسية الألمانية التركية – بما في ذلك صحفي في دي فيلت – إلى جانب آخرين من هولندا وبلجيكا والنمسا كجزء من حملة واسعة النطاق أعقبت الانقلاب الفاشل. وقد أعربت عدة دول أوروبية عن قلقها بشأن نشاط جهاز المخابرات التركي على أراضيها واستغلال الأئمة الأتراك المدربين من قبل الدولة للتجسس على الشتات.
في الآونة الأخيرة، برزت فرنسا كخصم رئيسي لتركيا في الاتحاد الأوروبي، مستنكرة أنشطة أنقرة في النزاعات التي تمتد من شمال إفريقيا إلى ناغورني قره باغ. وفي سنة 2019، صرح الرئيس إيمانويل ماكرون بأن الناتو يعاني من “موت دماغي” بسبب فشل تركيا في استشارة الدول الأعضاء في التحالف قبل إطلاق عملية عسكرية كبيرة في شمال سوريا.
كما اتهم ماكرون تركيا باتباع سلوك “إجرامي” في الحرب الأهلية الليبية، حيث أرسلت أنقرة الأسلحة والمقاتلين والمرتزقة السوريين لدعم الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس. من جهتها، كانت فرنسا داعمة – على الأقل سياسيًا – للجنرال المنشق خليفة حفتر، الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية بشن هجوم على إدارة طرابلس في سنة 2019. ردا على ذلك، أهان أردوغان ماكرون ودعا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية عقب رد فعل باريس على الهجمات الإرهابية التي وقعت في فرنسا السنة الماضية.
خطر اتخاذ إجراءات أكثر صرامة
تتعلق القضية الأكثر إلحاحًا في الاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن عمليات استكشاف الطاقة التركية
حتى حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا حذر من ذلك. ومن جانبه، جادل نائب وزير خارجية حزب الشعب الجمهوري أونال جفيكوز بأنه كان على بروكسل أن تتصرف “قبل ذلك بكثير، ليس على مستوى العقوبات وإنما بإعطاء بعض الإشارات التي تحذر تركيا من تداعيات اتخاذ هذه الخطوة”.
وأضاف جفيكوز، الذي قال إنه دعا الدبلوماسيين الأوروبيين إلى تجنب الإجراءات الأكثر صرامة خوفا من أن “يتسبب ذلك في انفصال تركيا عن أوروبا”، “هذا لم يحدث، والآن هم ملزمون باتخاذ إجراءات أكثر صرامة”.
لعبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دورًا حاسمًا في وقف تحول الخلاف بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى قطيعة تامة. لقد كانت المخططة الرئيسية لاتفاق الهجرة لسنة 2016. كما أن برلين تدرك مدى أهمية تركيا بالنسبة للشركات الألمانية وعدد سكان ألمانيا الكبير من ذوي الأصول التركية.
في وقت لاحق من هذه السنة، سيكون تنحي ميركل عن رئاسة الوزراء التي كانت تشغلها منذ 2005 بمثابة اللحظة الفارقة. ويتمحور السؤال الرئيسي حول ما إذا كان خليفتها والزعماء الأوروبيون الآخرون سيظلون يشعرون بأن العلاقة مع تركيا تحت قيادة أردوغان استراتيجية للغاية لدرجة أنه يصعب قطعها.
في هذا الخصوص، قال مسؤول ألماني رفيع المستوى عن إدارة أردوغان: “هذه الحكومة لن تبقى موجودة إلى الأبد. ربما ستتغير الأمور بعد ذلك، وربما لا. لكن تركيا ستكون دائما مهمة للغاية بالنسبة لنا، ونحن لا نرغب في خسارتها”.
الصحيفة: فايننشال تايمز