كانت قصص الأطفال موضوع إحدى أغاني فرقة “سيلتاس كورتيس” الإسبانية التي تقول كلماتها: “إحكي لي قصة وسترى كم أنا سعيد، أخلد إلى النوم وأرى أحلاما سعيدة”. من منا لا يتذكر قصص ما قبل النوم التي تحمل الكثير من العبر الأخلاقية، والتي كانت جزءًا من ذكريات الطفولة وتستمر الأجيال في تناقلها.
لقد أظهر العلم أن هذه القصص مفيدة لعقل الطفل، ويمكن تحقيق فوائدها من خلال اتباع جملة من النصائح البسيطة التي قدمتها الخبيرة في اللغة وتنمية الطفل تمارا تشوباروفسكي.
يحب الأطفال أن تُروى لهم القصص، وهي لحظة خاصة في اليوم لا تُقارن ولا يمكن استبدالها بالأفلام أو التسجيلات الصوتية. كما أن رواية القصص من بين الوسائل التعليمية الممتازة لتعزيز قدرة الطفل على التخيّل وتعزيز التركيز ومهارات الاستماع ما يحفّز التطور المعرفي لدى الطفل.
لتحقيق أقصى استفادة من هذا النشاط، ينبغي أن يعرف الوالدان الطرق الصحيحة لرواية القصة، حيث أن عوامل بسيطة مثل سرعة سرد القصة أو الاستعانة بالإيماءات مثل حركة اليد أو الدمى يمكن أن يجعلنا ننجح في تحقيق أكبر عدد من الفوائد المعرفية لأطفالنا.
تقدم الخبيرة تمارا تشوباروفسكي خمس نصائح لجعل سرد القصص نشاطًا ممتعًا وفعالًا.
تعتبر القصص التي تتوارثها الأجيال جزءًا هامًا من تاريخنا وتقاليدنا، وهي موجودة في جميع الثقافات والحضارات. لهذا السبب، من الضروري أن نستمر في سرد القصص لأطفالنا بطريقة مرحة وخلاقة حتى نواصل نقل القيم لهم. وعادة ما تكون القصص الكلاسيكية والشعبية على وجه الخصوص خير مثال على التغلب على العقبات والصراعات. ويكون محور هذه القصص قيم مثل الشجاعة والرحمة والمثابرة والصبر والعديد من القيم الأساسية الأخرى للحياة الاجتماعية والشخصية.
تُعلم القصص الأطفال بشكل غير مباشر عن طريق الصور التي عادة ما تتغلغل بعمق في تفكير الطفل أكثر من أي خطاب أخلاقي آخر. ومن الممكن أن تتحول القصص إلى مصدر إلهام في الحياة المستقبلية للطفل أو حتى ساعة الإنصات لها. قد يشعر الطفل بالمودة والاهتمام من طرف الشخص الذي يروي له القصة بكل تفاني، وهو ما يمكن أن يحول هذه العادة إلى مهدئ لنفسية الطفل ومجدد لطاقته.
قد تتداخل الكثير من الصور في مخيلة الطفل في حال قصصنا عليه أكثر من حكاية واحدة في فترة زمنية وجيزة
بصرف النظر عن الجانب العاطفي لهذا النشاط، ثبت أيضًا أن القصص في نسخها المختلفة سواء كانت مروية أو في شكل مسرحية، يمكن أن تكون وسيلة ممتازة وفعالة لتعزيز التطور المعرفي للطفل. كما تنمي القصص ملكة الخيال لدى الطفل وتعزز قدرته على التعبير والتركيز والاستماع. وعلى عكس النماذج الأخرى مثل الأفلام والتلفزيون، يحاول الطفل عند سماع القصص تكوين صور ذهنية للأحداث والشخصيات.
مهما كان نوع القصة، تعتمد إمكانية استيعاب الطفل لجميع فوائد القصة الترفيهية والتعليمية – إلى حد كبير – على طريقة سردها من قبل الكبار. لذلك، من الضروري أن نولي اهتماما كبيرا لهذا الجانب حتى يتمكن الطفل من تنمية مهاراته العقلية والمعرفية.
في هذا السياق، كشفت الخبيرة عن خمس خصائص بسيطة من شأنها أن تمكن الكبار من سرد القصص للأطفال بأكثر الطرق فعالية، علما بأنها تلقي محاضرات في الكثير من الدورات والمؤتمرات في أوروبا وأمريكا اللاتينية منذ 21 سنة.
تقوية الذاكرة
حين نروي قصة لأطفالنا بكل حرية، فإننا بذلك نتواصل بشكل أفضل مع الأطفال ونتحكم أكثر في التعابير والإيماءات التي نقوم بها. وفي حين أنه من الضروري أن يتعلم الراوي قراءة النص بطريقة حرفية وكاملة، فإنه أحيانا أخرى لا يحتاج إلى ذلك؛ وينطبق ذلك خاصة على القصص المُقافية.
حسب الخبيرة تمارا تشوباروفسكي: “بدلا من قراءة النص بشكل حرفي، أقترح وصف الصور وهو ما يساعد الطفل على حفظ تسلسل الأحداث كما لو كنا نشاهدها على شاشة التلفاز. يمكن تشكيل صور ذهنية عن كل مشهد مع سرد الأحداث وفقا لترتيبها في النص الأصلي”.
قصة واحدة في كل مرة
قد تتداخل الكثير من الصور في مخيلة الطفل في حال قصصنا عليه أكثر من حكاية واحدة في فترة زمنية وجيزة، وبذلك تُمحى الصور القديمة عند الطفل بمجرد البدء في رواية قصة جديدة. لذلك، تنصح تشوباروفسكي بأن “تكون القصة قصيرة وعالية الجودة”.
وصف الأحداث بشكل مفصّل
من الضروري أن نترك في ذهن الطفل مشهدا واضحًا عن أحداث القصة من خلال الوصف المفصّل. بعبارة أخرى، ينبغي أن لا ينتقل الراوي من مشهد إلى آخر بسرعة بل يجب التركيز على مشهد واحد كما لو كنا بصدد وصف لوحة. ينبغي أيضا استخدام عبارات سهلة في وصف هذه المشاهد حتى يكون لدى الطفل الوقت “لرسمها ذهنيا” وتخيلها. من المهم أيضا أخذ وقت في تأطير أو وصف البيئة التي تدور فيها أحداث القصة. بهذه الطريقة، نسهّل على الطفل دمج تلك المشاهد بطريقة بسيطة وسلسة.
من الضروري أن تكون نغمة الصوت محايدة وموضوعية ولكنها معبّرة في نفس الوقت
استخدام عناصر بسيطة مثل حركات اليد أو الدمى
أكدت الخبيرة أن “القاعدة الأساسية في هذه المرحلة تكمن في بساطة العنصر الخارجي وهو ما يعزز قدرة الطفل على إنشاء الصور في مخيلته”. لفهم هذه المسألة، قدمت الخبيرة مثالا في غاية الوضوح: “حين يشاهد الطفل فيلما، فإنه يرى جميع الصور جاهزة مع كل التفاصيل. ولكن هذا النوع من الصور لا يسمح للطفل بابتكار وتخيل صور ذهنية خاصة به، لأن الصورة تأتيه جاهزة من الخارج وليس عليه إنشاء أي شيء على الإطلاق من مخيلته”.
أما عدم استعمال أي عوامل خارجية على الإطلاق يُصعّب على الطفل تصور أحداث القصة بمفرده. ومن المهم أن نتذكر أن الأطفال لا يولدون بهذه القدرة على التخيل، وحين يبلغ الطفل ست سنوات تقريبا يكون عقله قادرا بما يكفي على الاستماع إلى القصة دون أي دعم مرئي. وأضافت الخبيرة أن “هذه القدرة على التجريد مرادفة للنضج المدرسي، لهذا السبب من المهم أن نوفر للطفل منذ السنوات الأولى هذه العناصر البسيطة التي تدعم عملية التخيل ولكنها لا تؤثر سلبا على نموه”.
تغيير الصوت بشكل صحيح
من الشائع جدا أن نغير أصواتنا عند سرد القصة للطفل لمحاكاة صوت الذئب مثلا، أو تقليد الضحكة الساخرة لأحد شخصيات القصة، دون أن ندرك ذلك. وفي حال قمنا بهذا الأمر بشكل مبالغ فيه، سيؤدي ذلك إلى تشتيت تركيز الطفل لأن الصوت المختلف سوف يجذب انتباهه الطفل بشكل مفرط. ومن الممكن أيضًا أن نصبح نحن أبطال القصة في نظر الطفل وهو ما يؤثر على الصورة التي تتشكل في مخيّلته عنها.
لهذا السبب، من الضروري أن تكون نغمة الصوت محايدة وموضوعية ولكنها معبّرة في نفس الوقت، نظرا لأن الصوت الرتيب بدوره يجعل الطفل يشعر بالملل ولا يُحفّز مخيّلته.
المصدر: أ بي ثي