انتهى الجدال، وعُيّن مبعوث جديد للأمم المتحدة في ليبيا خلفًا للمبعوث السابق غسان سلامة. مبعوث سيكون أمام مهمة حساسة في هذا البلد العربي الذي قسمته نار الحرب والتدخلات الأجنبية، فهل يقدر على تجاوز العقبات أم سيكون الفشل مصيره كمن سبقوه في هذا المنصب؟
مبعوث جديد
بعد طول انتظار، أعطى مجلس الأمن الدولي أمس الجمعة الضوء الأخضر لتعيين السلوفاكي يان كوبيتش (68 عامًا)، مبعوثًا جديدًا إلى ليبيا باقتراح من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومنذ يناير/كانون الثاني 2019 كان كوبيتش منسقًا خاصًا للبنان.
ورأس المبعوث الجديد خلال حياته المهنية البعثة الأممية في العراق بين 2015 و2018 وفي أفغانستان بين 2011 و2015 وذلك بعد أن كان وزيرًا لخارجية بلاده بين 2006 و2009 وأمينًا عامًا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بين 1999 و2005.
تحديات وعقبات جديدة ستكون أمام المبعوث الأممي الجديد أهمها الحفاظ على مستوى التوافقات التي تم التوصل إليها إلى الآن
جاء تعيين كوبيتش بعد أن اعتذر البلغاري نيكولاي ملادينوف على تقلده المنصب لأسباب عائلية، وبهذا تنتهي هذه القصة بعد أن بقي المنصب شاغرًا منذ نحو عام بعد استقالة اللبناني غسان سلامة مطلع مارس/آذار 2020 لأسباب صحية.
وعجزت الأمم المتحدة على تعيين مبعوث جديد خلفًا لسلامة طيلة السنة الماضية، حيث طالبت إفريقيا بأن ينتقل المنصب إلى شخصية إفريقية، وهو ما عارضته الولايات المتحدة التي فرضت على شركائها تقسيم مهمات المنصب إلى قسمين: مبعوث سياسي ورئيس بعثة الأمم المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لقبرص أو الصحراء الغربية.
الغريب أن هذا المبعوث الجديد ليس محلّ داخل مجلس الأمن الدولي، كما أنه لا يحظى بسمعة جيدة بعد فشله في تحقيق أي تقدّم في حلّ الأزمة السياسية في لبنان، وهو ما يطرح أكثر من سؤال في خصوص أحقيته بهذا المنصب الأممي.
وقف إطلاق النار
فضلا عن عن ذلك، من المنتظر أن تكون هناك تحديات وعقبات عديدة أمام المبعوث الأممي الجديد أهمها الحفاظ على مستوى التوافقات التي تم التوصل إليها إلى الآن، حتى يتم التوصل إلى حل نهائي وشامل للأزمة المتواصلة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير/شباط 2011.
سيكون على كوبيتش تثبيت وقف إطلاق النار الذي تم انتهاكه على نطاق واسع خلال الأسابيع الأخيرة، من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وكان طرفا الصراع في ليبيا قد وقعا على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضمن مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في مدينة جنيف السويسرية تحت رعاية الأمم المتحدة.
مؤخرًا، حدد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حزمة من الخطوات التي وصفها بـ”الضرورية” من أجل التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في ليبيا، والدور الذي يمكن أن تؤديه البعثة الأممية في هذا البلد مستقبلًا.
وفق غوتيريش، يحتاج وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا، إلى أن يكون مقبولًا من الليبيين وأن يكون هناك اتفاق على طرق تنفيذه، إلى جانب دعمه من الجهات المعنية الإقليمية والدولية، وتقييد الدول الأعضاء بحظر توريد الأسلحة، وضرورة تهيئة الظروف الأمنية لنشر آلية رصد وقف إطلاق النار، إلى جانب إجراء إصلاحات في قطاع الأمن واتخاذ مبادرات للتسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج وتوحيد الجيش والشرطة من جديد وتسريح الجماعات المسلحة.
الحوار السياسي الليبي
إلى جانب ذلك، سيكون على المبعوث الجديد تمهيد الطريق أمام نجاح الحوار السياسي الليبي المرتقب، وقبل يومين أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بدء اجتماع اللجنة الاستشارية لملتقى الحوار السياسي في مدينة جنيف السويسرية.
مهمة اللجنة ستكون مناقشة القضايا العالقة ذات الصلة باختيار السلطة التنفيذية الموحدة وتقديم توصيات ملموسة وعملية لتقرر بشأنها الجلسة العامة للملتقى، ويمثل أعضاء اللجنة تنوعًا جغرافيًا وسياسيًا واسع النطاق، كما تضمن اللجنة مشاركة المرأة والشباب والمكونات الثقافية.
يعتبر حفتر حجر عثرة أمام جهود المصالحة في ليبيا، ليقينه التام بعدم وجود مستقبل سياسي له في البلاد
يأمل الليبيون في نجاح هذا الحوار السياسي، حتى تنتهي المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد منذ سنة 2011، وينتهي القتال والانقسام والعنف، وتتوحد كل الأطراف الفاعلة في الداخل، فضلًا عن المؤسسات العامة للدولة.
ويسعى المسؤولون في ليبيا على رأسهم فائز السراج لتحقيق تقدم ملموس نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى حزمة مهام، بينها الإعداد وتهيئة الأجواء والبيئة الآمنة لإجراء الانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
كبح جماح حفتر
لتحقيق هذه الانتصارات، على المبعوث الأممي الجديد كبح جماح اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسعى من حين إلى آخر إلى خرق وقت إطلاق النار، حتى يثبت وجوده في الساحة الليبية ولا يتم نسيانه في أي حل سياسي قادم.
ويعتبر حفتر حجر عثرة أمام جهود المصالحة في ليبيا، ليقينه التام بعدم وجود مستقبل سياسي له في البلاد، ما جعله يسعى بما أوتي من قوة لعرقلة فرص السلام.
وتنازع مليشيات الجنرال الانقلابي منذ سنوات، الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، على الشرعية والسلطة في هذا البلد العربي الغني بالنفط، ورغم تحقيق تقدم نحو إيجاد حل للنزاع، فإن مليشيات حفتر دأبت على زعزعة أمن واستقرار ليبيا.
صحيح أن حفتر فقد نفوذه الخارجي ومكانته الداخلية، وخسر العديد من المواقع والمدن التي كان يحتلها بعد تغيير موازين القوى في ليبيا، إلا أنه ما زال يحظى بدعم مهم من المرتزقة الأجانب الموجودين في ليبيا، ما يجعله قادرًا على ضرب أي حل سياسي في حال لم تُحسن مختلف الأطراف الداخلية والخارجية التعامل معه.
تضارب المصالح
مسألة أخرى سيكون على السلوفاكي يان كوبيتش التركيز فيها وإعطائها الاهتمام الكافي، وهي تضارب مصالح القوى الكبرى المتدخلة في الشأن الليبي، فأغلب القوى الإقليمية والدولية المتدخلة هناك تبتغي مصلحتها فقط.
فالدول الأوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا، فمن الصعب أن تتخلى عن امتيازاتها في ليبيا وتترك الليبيين يقررون مصيرهم بأنفسهم، فكلاهما يسعى للنيل من الثروات الهائلة إما بالمحافظة على مكاسب شركاتهم النفطية وإما توسيعها والحصول على عقود استثمار جديدة للذهب الأسود في ليبيا التي تمتلك احتياطات كبرى من النفط.
الولايات المتحدة أيضًا – في ظل الإدارة الجديدة – من المنتظر أن ترجع بقوة إلى الملف الليبي لفرض رؤيتها وتوجهها هناك، بعد أن ظلت بعيدة بعض الشيء عن هذا الملف المهم في منطقة البحر المتوسط، خلال فترة حكم دونالد ترامب.
روسيا وتركيا لهما مصالحهما أيضًا، فروسيا لها مصالح كبرى متوارثة منذ عهد الاتحاد السوفيتي في المياه المتوسطية الدافئة، وسواحل شرق ليبيا المهمة، وقد مكنها حفتر من امتيازات كثيرة من الصعب أن تتنازل عنها بسهولة.
أما تركيا التي رجحت كفة حكومة الوفاق الشرعية في حربها ضد ميليشيات حفتر والأطراف الساعية لعسكرة الدولة الليبية وتقسيمها، فهي تسعى بدورها للحفاظ على مصالحها الموقعة منذ عهد نظام معمر القذافي، ومصالحها في شرق المتوسط كذلك.
الأمر لا يتوقف هنا، فالعديد من الدول العربية تسعى لتقويض مبادرات السلام، حتى تظفر بثروات ليبيا، ونعني هنا مصر والإمارات، فكلتاهما تسعى إلى استمرار النزاع ومحاولة إسقاط الشرعية في ليبيا، في مقابل دعم المتمرد خليفة حفتر الساعي إلى عسكرة الدولة.
هذه المعطيات تؤكد صعوبة مهمة المبعوث الأممي الجديد، لكن هذا لا يعني استحالتها، ذلك أن الليبيين في أمس الحاجة إلى إيجاد اتفاق سلام دائم ينهي سنوات الفوضى والاقتتال التي عرفتها بلادهم في العقد الأخير، وهو ما سيكون حافزًا لهم لدفع الخلافات جانبًا وتغليب مصلحة البلاد العليا.