ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف بودكاست “الخلافة” مرة أخرى أن الصحيفة الأمريكية تحتاج للوقوف أمام حقائق محرجة بالنسبة لها، حول كيفية تعاملها مع القصص المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط والإرهاب.
إذ أن واحدة من أكبر الفضائح الإعلامية في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، انتهت بخيبة أمل. فبعد شهرين من التحقيقات الداخلية، أقرت نيويورك تايمز خلال الشهر الماضي بأن البرنامج الوثائقي الإذاعي “الخلافة” الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا، كان مبنيا على كذبة.
إلا أن ما كان يفترض به أن يمثل تقييما لمشاكل عميقة قادت نحو هذه الهفوة، تغافل في الواقع عن العديد من المسائل ولم يعالجها، ربما لأن هذه المعالجة تتطلب مواجهة الكثير من الحقائق المحرجة حول تعامل الصحيفة مع القصص المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط والإرهاب. وربما أيضا لأن هنالك الكثير من الأسماء البارزة في الصحيفة تورطت في فشل بودكاست “الخلافة”.
في يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر أقرت التايمز بأن أجزاء رئيسية من بودكاست “الخلافة” لم تكن تستجيب لمعايير الدقة، وذلك بعد التوصل إلى أن المصدر الرئيسي للمعلومات، وهو شاب كندي من أصل باكستاني اسمه شيروز تشاودري يبلغ من العمر 26 عاما، قام بفبركة روايته حول السفر إلى سوريا والانضمام لصفوف تنظيم الدولة.
وقد شملت نتائج هذا التحقيق الداخلي نشر حلقة في البودكاست، إلى جانب تضمين ملحوظات المحرر قبل عرض المسلسل، وجولة على مراسلي الصحيفة، وتحقيقا معمقا حول الأكاذيب التي أدلى بها تشاودري. كما كانت المراسلة الرئيسية في هذا البودكاست، روكميني كاليماتشي، التي ذاع صيتها بعد تغطيتها لأخبار تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، قد تم نقلها إلى مهام أخرى.
إلا أن تجاوب نيويورك تايمز تضمن تبريرات وليس اعترافا بالانحياز الممنهج والثغرات الواضحة في تغطيتها للإسلام والشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى هذا الفشل الذريع. فرغم أنها أقرت بوجود مشاكل في البودكاست تعكس فشلا مؤسساتيا، فإنها لم تعتذر عن الدور المدمر الذي لعبه هذا المسلسل الصوتي الناجح، في التأثير على السياسية في كندا.
التايمز أقرت بعدم إجراء التدقيق الكافي في التقارير التي اعتمد عليها البودكاست، لأن إنتاج البرامج الصوتية كان مسألة جديدة على الصحيفة
ففي وقت رسم فيه هذا العمل الصحفي صورا لإرهابي قاتل يجوب شوارع البلاد، كانت المعارضة الكندية تستشيط غضبا. وأدت التبعات السياسية لهذه القضية إلى إنهاء الجدل حول إعادة توطين أعضاء سابقين في تنظيم الدولة وعائلاتهم. ويمكن اعتبار أن قلة وعي نيويورك تايمز بالضرر المحتمل الذي سببته التقارير الخاطئة، يطرح أسئلة حول ما إذا كان الهاجس الأول لها هو فقط الضرر الذي لحق بسمعتها هي.
إذ أن التايمز أقرت بعدم إجراء التدقيق الكافي في التقارير التي اعتمد عليها البودكاست، لأن إنتاج البرامج الصوتية كان مسألة جديدة على الصحيفة. ولكن من الواضح أن الفشل الإعلامي تجاوز هذا البودكاست. إذ أنه في نفس يوم صدور هذا البيان، قامت التايمز أيضا بتضمين ملاحظات المحرر في اثنين من مقالات كاليماتشي، صادرين بتاريخ 2014 و2019، بعد أن أفضت المراجعة إلى وجود مشاكل حقيقية فيهما.
كذبة الإرهاب
وقد بدأ انهيار بودكاست الخلافة في أيلول/ سبتمبر، حين وجهت السلطات الكندية للشاب تشاودري تهما تتعلق بافتعال مزاعم إرهابية، وذلك بناء على التصريحات التي قدمها لصحفيين من بينهم مراسلة نيويورك تايمز. حيث أن تشاودري الذي يكنى بتسمية أبو حذيفة كان الشخصية الرئيسية في هذا المسلسل الوثائقي الإذاعي.
وبعد تحقيق مطول، لم تتمكن السلطات الكندية من التثبت من أجزاء رئيسية في رواية تشاودري. كما أن تحقيق نيويورك تايمز الذي أجري بعد اعتقاله توصل إلى نفس النتيجة. ومن المرجح أن هذا الشاب الكندي الباكستاني لم يذهب أبدا إلى سوريا أو ينضم إلى تنظيم الدولة أو يقتل أي إنسان، بحسب ما ترجحه السلطات. وعلى هذا الأساس وجهت إليه تهم جنائية، لأن اللقاءات الصحفية التي قام بها أثارت مخاوف حول الأمن العام في صفوف الكنديين. ومن المنتظر أن يمثل تشاودري أمام محكمة في أونتاريو في وقت لاحق من هذا الشهر.
وفي إحدى حلقات الخلافة، كانت الصحفية كاليماتشي قد عبرت عن إحباطها بعد أن قامت باستجواب عدد من مقاتلي تنظيم الدولة على مدى سنوات، دون أن تنجح في العثور على أي واحد مستعد للاعتراف بجرائمه. وفي النهاية عثرت على أبو حذيفة واعتقدت أنها نالت مرادها.
هذه القضية تبين أن الخوف يمثل موضوعا قصصيا مغريا لا يمكن مقاومته. إذ أن الرواية التي عرضها بودكاست “الخلافة”، ولعبت فيها كاليماتشي وأبو حذيفة أدوارا رئيسية، كانت تتحدث حول عنف المسلمين غير المبرر، الذي قدم أبو حذيفة حوله تفاصيل دموية صادمة.
وبعد إقرار نيويورك تايمز بهذا الفشل، كان دين باكيت المدير التنفيذي لشؤون التحرير، قد قال: “لقد وقعنا في غرام فكرة أننا حصلنا على عضو في تنظيم الدولة، مستعد لوصف حياته في ظل تلك الخلافة وتقديم تفاصيل حول جرائمه.” وكانت كاليماتشي والمنتج الصوتي أندي ميلز قد فضلا المضي قدما في إنجاز هذا الوثائقي الصوتي رغم معرفتهما بأن تشاودري قام بفبركة أجزاء أساسية من قصته. حيث أن جاذبية وإغراء الرواية التي كان يقدمها جعلت المراسلين يغفلون عن العديد من النقاط التي كانت تستوجب التدقيق.
خط زمني مزيف
وأثناء إعداد التقرير كان فريق الصحيفة قد اكتشف أن تشاودري قد كذب بشأن الخط الزمني لرحلته إلى سوريا، ولكن رد فعلهم تمثل في وضع خط زمني بديل يناسب روايتهم. ورغم اكتشافهم لهذه التناقضات قبل نشر البودكاست، فإنهم لم يتورعوا عن المضي قدما في نشره.
قائمة الممنوعين من السفر للولايات المتحدة كانت واحدة من الأسباب التي جعلت الصحيفة تنخدع، خاصة وأنه لم يكن من الهين إدراج اسم شخص في هذه القائمة
وقد اعتمد فريق الصحيفة على رأي اثنين من موظفي المخابرات الأمريكية لم يذكر اسميهما، صرحوا بأن تشاودري كان على قائمة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة وأنه انضم فعلا إلى صفوف تنظيم الدولة، ولكن لم يكن يفترض أن تستخدم هذه المعلومات كأدلة دون المزيد من التعمق، باعتبار أن عملاء المخابرات ليسوا معصومين من الخطأ.
وفي حوار صحفي حول فشل “الخلافة”، قال دين باكيت “إن قائمة الممنوعين من السفر للولايات المتحدة كانت واحدة من الأسباب التي جعلت الصحيفة تنخدع، خاصة وأنه لم يكن من الهين إدراج اسم شخص في هذه القائمة”. لكن هذا التصريح غير صحيح، باعتبار وجود دعاوى قضائية تفيد بأن هنالك رضعا وأطفالا قصر في هذه القائمة.
مراسلة نيويورك تايمز روكميني كاليماتشي تتحدث في مدينة نيويورك في أغسطس/ آب 2018
وفي حوار مع صحيفة كندية بعد نشر بودكاست الخلافة بشهر، نفى تشاودري أنه تورط في قتل أي شخص. إلا أن كاليماتشي كانت مقتنعة بأنها حصلت على اعترافات تشاودري في فترة زمنية خاصة جدا، قبل أن تشرع السلطات الكندية في ملاحقته.
وبعد مرور عامين ونصف، وعلى إثر اعتقال تشاودري، ادعت كاليماتشي ونيويورك تايمز أنهما قامتا بطرح العديد من التساؤلات في ذلك البودكاست، إلا أن هذا الادعاء ثبت خطأه، باعتبار أن الشكوك الوحيدة التي تم التعبير عنها كانت بشأن الخط الزمني لرحلة تشاودري إلى سوريا، وليس حول مدى صحة روايته بشكل عام.
إضافة إلى ذلك فإن كاليماتشي شككت في أن السلطات الكندية وجهت لتشاودري تهمة الكذب لأنها لم تكن قادرة على جمع الأدلة اللازمة لتوجه له تهما تتعلق بالإرهاب. هذا الأسلوب الدفاعي ربما يكون مفهوما من المراسلة الرئيسية في هذا العمل الصحفي الكبير، إلا أن فترة المراجعة الذاتية التي قامت بها الصحيفة أسفرت عن رد مليئ بالهنات.
ملفات تنظيم الدولة
حدثت ردة فعل عكسية ضد كاليماتشي ونيويورك تايمز في 2018، بعد أن استولت على أكثر من 15 ألف وثيقة داخلية تخص تنظيم الدولة في العراق، دون تصريح من السلطات العراقية، وهي وثائق نشرتها الصحيفة لاحقا تحت عنوان “ملفات تنظيم الدولة.” وقد تم استعراض هذه الوثائق أيضا في مختلف حلقات “الخلافة”. وتعرضت المراسلة والصحيفة إلى الانتقاد لأنهما لم يقوما بتعديل بعض الصفحات لحماية أسماء وبيانات شخصية لمواطنين عراقيين، من بينهم قصر.
كما أن قرار كاليماتشي بنقل هذه الوثائق إلى خارج العراق طرح تساؤلات قانونية حول مدى أخلاقية الاستيلاء على وثائق ذات قيمة تاريخية هامة من هذا البلد الذي تمزقه الحرب. إلا أن المشاكل تجاوزت بودكاست “الخلافة”، وبعض زملاء كاليماتشي أكدوا أن محاولاتهم لتحذير مدراء الصحيفة تم تجاهلها.
كما قال صحفي سوري ساهم في نقل قصة نشرتها كاليماتشي في 2014 (تم تصحيحها مؤخرا) أن تحذيراته حول مصداقية أحد المصادر التي اعتمدت عليها المراسلة تم أيضا تجاهلها. حيث قال كرم شومالي في تصريح لنيويورك تايمز: “مع كاليماتشي بدا الأمر كما لو أن القصة تمت روايتها مسبقا داخل رأسها، وهي كانت فقط تبحث عن شخص يحكي لها ما كانت تريد أن تسمعه، وما كانت تتوقع أنه سيمثل قصة عظيمة.”
وقد ذكر إيريك وينبل مراسل الواشنطن بوست أن صحفيا آخر في نيويورك تايمز قال للمحررين في أحد الاجتماعات حول فشل بودكاست “الخلافة”: “لقد منعتم الناس من دق ناقوس الخطر، وعندما قام البعض منا بذلك على أي حال لم يتم الاستماع للناقوس.”
أما الصحفية كاليماتشي من جهتها فقد نشرت بيانا تقول فيه: “أنا فخورة جدا بالقصص التي كشفتها حول تنظيم الدولة وجرائمه ضد الإنسانية، وأعتذر حول ما غفلنا عنه أو فهمناه بشكل خاطئ.”
أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، قد مارس الدعاية السياسية المكثفة على مدى سنوات، عبر تكرار الادعاءات المثيرة للغثيان في العلن وبشكل مستفز
هذا الفشل الذي انتهى إليه بودكاست “الخلافة”، وسلوك كاليماتشي، يسلطان الضوء على المعايير المزدوجة في العمل الصحفي والمهنية عندما يتعلق الأمر بتغطية أخبار الشرق الأوسط والإرهاب.
ففي العام 2017 إثر حادثة إطلاق النار الكثيف في لاس فيغاس، تسرعت كاليماتشي ونشرت تكهنات مبنية على ادعاءات ومعلومات غير مثبتة، طارحة إمكانية أن يكون مطلق النار ستيفن بادوك قد اعتنق الإسلام وقام بتلك العملية باسم تنظيم الدولة. وحقيقة أنها تمكنت من إطلاق هذه الفرضيات على شبكات التواصل الاجتماعي دون أي سند يثبتها، تشير إلى أن المعايير المهنية لا يتم تطبيقها غالبا عندما يتعلق الأمر بأخبار الإرهاب.
القوالب النمطية الجاهزة
وفي نقاش على موقع ريديت شارك فيه ميلز وكاليماتشي بعد نشر البودكاست، كان ميلز قد تلقى سؤالا حول أكبر فكرة مغلوطة تتعلق بتنظيم الدولة. وكان رده بأن “هذه الفكرة المغلوطة لدى الغرب تتمثل في اعتقادهم بأن الدين والعقيدة لا يلعبان أي دور في نشاط التنظيم.”
ومن غير الواضح ما هو “الغرب” الذي كان ميلز يشير إليه في تصريحه، باعتبار عدم حدوث أي نقاش علني معمق حول مختلف المشاكل المتعلقة بالإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
وكان أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، قد مارس الدعاية السياسية المكثفة على مدى سنوات، عبر تكرار الادعاءات المثيرة للغثيان في العلن وبشكل مستفز، بأن هنالك حاجة لتسمية المشكل: وهو “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”.
ويمكن القول أن التقارير الصحفية التي أنجزتها كاليماتشي حول تنظيم الدولة استفادت من هذا الربط المحموم بين الإسلام والعنف، وساهمت في ترسيخه. إذ أن بودكاست “الخلافة” بالغ في التركيز على مسألة الإيديولوجيا الدينية، متجاهلا ظروف نشأة هذا التنظيم وصعوده في سياق جيوسياسي خاص في العراق، هذا البلد الذي تعرض للتدمير، بسبب الغزو الأمريكي في 2003 وتواصل الاحتلال الذي قوض الاستقرار في كامل المنطقة.
ومن التبريرات المتكررة في عمل كاليماتشي أن تنظيم الدولة وباقي الجماعات الجهادية هي تعبيرات شرعية عن الإسلام وكاشفة له. ولكن بحسب رواية كاليماتشي نفسها، فإن 40 ألف مسلم أجنبي التحقوا بصفوف تنظيم الدولة. وهذا يعد رقما ضئيلا جدا إذا ما اعتبرنا أن عدد أتباع هذه الديانة هو 1.8 مليار نسمة. ورغم ذلك فإنها تخصص الكثير من عملها الصحفي حول هذا التنظيم لوصف وتفسير وإبراز المعتقدات والحجج الإيديولويجية التي يقدمها “أتباع هذا التنظيم الدموي”.
هذه الصور النمطية الجاهزة التي يسمح باعتمادها عند نقل تقارير حول الشرق الأوسط، أشار إليها إدوارد سعيد قبل عدة عقود، وهي تبرز بوضوح في تحليلات كاليماتشي والعديد من المراسلين الصحفيين الآخرين. ففي لقاء مع الإذاعة الكندية الرسمية في 2015، ذكرت كاليماتشي أن دعم الأبوين لابنتهم عند تعرضها للاغتصاب هو أمر غير شائع في الشرق الأوسط، الذي وصفته بأنه “هذا الجزء من العالم”. ولكنها لم تقدم أي أدلة على ذلك، وربما كان من الأفضل لو أنها تحدثت عن العائلات العراقية التي تعرضت بناتها للاغتصاب على يد الجنود الأمريكيين، لمعرفة ما إذا كان آبائهن وأمهاتهن هنالك يدعمونهن.
التغطية الصحفية الباحثة عن الإثارة، غالبا ما تتوافق مع أسوأ الانحيازات الموجودة لدى القراء حول الشرق الأوسط
وحتى لو أرادت كاليماتشي التطرق لهذا الموضوع، فإنها لم تكن لتقدر على ذلك. فهي رغم كثرة أعمالها الهامة التي تعتمد على وثائق باللغة العربية، لا تتحدث أو تقرأ هذه اللغة.
هذه النظرة الدونية تجاه المنطقة باتت مسألة نمطية: حيث يتم نسج القصص حول تخلفها الثقافي، ويتم الزج بالديانة الإسلامية في قلب كل النقاشات حول العنف، عوض التساؤل حول ما يحدث مع أناس تعرضوا على مدى عقود من الزمن للعقوبات والاضطهاد والاحتلال وظلم القوة المدمرة الأمريكية. وهذا الأسلوب الصحفي بات متأصلا لدرجة أن الكثيرين لم يعودوا ينتبهون له.
التناقضات
في ملاحظات المحرر التي تسبق بودكاست الخلافة، لم ترد أية إشارة إلى الاعتراف بعدم صحة المعلومات. وبالنظر إلى كثافة ظهور قصة أبو حذيفة في مختلف حلقات المسلسل، من الغريب اتخاذ قرار بعدم استخدام هذه العبارات رغم أن هذه الشخصية المشكوك فيها تمت الإشارة إليها في كل الحلقات باستثناء الحلقة التاسعة، التي حامت حولها هي أيضا تساؤلات، حين طلبت كاليماتشي من فتاة إيزيدية إجراء مكالمة هاتفية مع الشخص المتهم باغتصابها، من أجل التعرف على صوته. فهل أن مثل هذه التكتيكات مقبولة في الولايات المتحدة عند التعامل مع قصة حساسة تتضمن قصرا؟
إن غياب الاعتراف الواضح بالخطأ يمثل تناقضا كبيرا مع حالات صحفية أخرى، من بينها اعتراف مجلة “ذي أتلانتيك” مؤخرا بشأن خطأ نشرته حول أبوين ثريين من ولاية كونيتيكت يحاولان إدخال ابنهم إلى جامعات النخبة عبر بوابة منحة التفوق الرياضي. وبعد أن اكتشفت “ذي أتلانتيك” أن الكاتب، الذي لديه تاريخ طويل من السرقة الأدبية، قد قام بفبركة تفاصيل هامة أو ارتكب أخطاء تحتاج للتصحيح، قامت بسحب هذا الموضوع وأقرت بأنها لا يمكنها الدفاع عنه.
في المقابل فإن صحيفة نيويورك تايمز وصفت كاليماتشي بأنها مراسلة قوية، رغم أن الضرر الذي سببه عملها الصحفي بلا شك أكبر من أي تبعات للمقال الذي سحبته ذي أتلانتيك.
وأقصى ما يبدو أن نيويورك تايمز مستعدة لفعله، هو نقل كاليماتشي لمهام أخرى، رغم أنها كانت قد بدأت أصلا في تغطية قصص أخرى غير الإرهاب، قبل تكشف فضيحة بودكاست “الخلافة”.
التغطيات الصحفية بشأن العرب والمسلمين الشرق الأوسط، وخاصة القصص المثيرة، يتم تصديقها غالبا لأنها تتماشى مع أسوأ الانحيازات والأفكار المسبقة التي يحملها الجمهور
ومن تبعات فضيحة بودكاست الخلافة أيضا، أن الصحيفة اضطرت لإعادة جائزة بيبودي أوورد التي فازت بها عن هذا البودكاست، وسحبت أيضا ترشيحه لجائزة بوليتزر.
هل سيتكرر هذا مرة أخرى؟
إن التغطيات الصحفية بشأن العرب والمسلمين الشرق الأوسط، وخاصة القصص المثيرة، يتم تصديقها غالبا لأنها تتماشى مع أسوأ الانحيازات والأفكار المسبقة التي يحملها الجمهور. لقد أصبحنا متعودين جدا على نقل القصص بطريقة تشوه العرب والمسلمين، لدرجة أننا لم نعد نلحظ ذلك. ولكن هنالك أيضا الخوف من توجيه النقد العلني لمراسل صحفي من مؤسسة مرموقة، وهو ما يفسر لماذا تتمكن النيويورك تايمز من النجاة بفعلتها رغم هذا الانحياز مرة تلو الأخرى، بل ويبدو أنها تشجع عليه.
لقد مررنا بهذه المرحلة من قبل، في الأحداث التي قادت نحو حرب العراق، حيث قامت نيويورك تايمز بتبييض البروباغندا غير المثبتة التي نشرتها المعارضة العراقية والمخابرات الأمريكية في أعمدة الصحف، للمساعدة على حشد الرأي العام المساند للحرب.
وفي اعتذارها المحتشم حول ذلك الدور الذي لعبته، كتبت نيويورك تايمز في آيار/ مايو 2004: “ولكن وجدنا عددا من حالات التغطية الصحفية التي لم تكن مؤكدة كما يفترض أن يكون. وفي بعض الحالات فإن المعلومات التي كانت حينها مثيرة للجدل والآن تبدو مشكوكا فيها، تم السماح باعتمادها ونشرها دون التأكد منها. وعند النظر إلى الخلف الآن نتمنى لو كنا أكثر جدية في إعادة فحص الادعاءات مع ظهور المزيد من المعلومات أو عدم ظهورها.”
ويبدو أن نيويورك تايمز فشلت مجددا في استخلاص الدروس الصحيحة من هذا الفشل الذريع، وهو ما يعني أن هذه الحادثة على الأرجح سوف تتكرر مجددا
المصدر: ميدل إيست آي