ترجمة وتحرير نون بوست
مع تغير المناخ، أصبح ما كان مستحيلًا بالأمس ممكنا اليوم، ما جعل مسألة تغير لون الحيوانات مع مرور الوقت من بين مواضيع الساعة في الساحة العلمية.
في هذا التقرير الذي نشرته مجلة “نوفال أوبسرفاتور” الفرنسية، تساءل الكاتب جان بول فريتز عما إذا كان لظاهرة الاحترار العالمي دور في تغيير ألوان فرو وريش الحيوانات.
وذكر الكاتب أن هذه المسألة تثير جدلا بين العلماء. طُرحت هذه الإشكالية لأول مرة منذ زمن طويل من قبل عالم الحيوان قسطنطين فيلهلم لامبرت جلوجر، الذي لاحظ في عام 1833 أن تغير لون الطيور والثدييات يحدث بشكل أكبر في المناطق الاستوائية.
بعد مرور قرن من الزمن، ومع إجراء العديد من البحوث، تم التوصل إلى قاعدة تحمل اسم “جلوجر” مفادها أن “ألوان الحيوانات ذات الدم الحار، سواء كانت ذات فرو أو ريش، ستكون أكثر قتامة في البيئات التي تزيد فيها درجات الحرارة والرطوبة”.
النباتات والحشرات
بالنسبة للحشرات، تكمن المشكلة في كيفية تكيفها مع ارتفاع درجات الحرارة. ففي دراسة شملت 473 نوعًا من الفراش واليعسوب من أوروبا ما بين 1988 و2006، توصل ديرك زيوس وزملاؤه من كلية الأحياء بجامعة ماربورغ في ألمانيا إلى أن قتامة ألوان هذه الكائنات خفت بمرور الوقت، بينما ظلت ألوانها داكنة بشكل أكثر تواترًا في المناطق الواقعة في أقصى الشمال، بينما توزعت الألوان الفاتحة في عدة مناطق. يفسر ذلك بأن هيكل الحشرات يصبح رقيقا بارتفاع درجة حرارة الكوكب من خلال ما يسمى بعملية “الانتقاء الطبيعي”.
وتنطبق “قاعدة جلوجر” على النباتات أيضًا. فقد توصل ماثيو كوسكي وتيا لين أشمان من جامعة بيتسبرغ الأمريكية إلى أن درجة لون جزء من فصيلة الوردية مثل الفضية الإوزية، أصبحت أغمق اعتمادًا على قربها من خط الاستواء. وتشير النظرية نفسها التي طرحها هذان العالمان إلى أن الزهور تلجأ إلى تغميق الجزء فوق البنفسجي من لونها لحماية نفسها من الأشعة فوق البنفسجية القوية، وذلك بنفس الطريقة التي يفرز بها جسم الإنسان كميات كبيرة من الميلانين لحماية البشرة من آثار التعرض لأشعة الشمس.
تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة والأشعة فوق البنفسجية ويلعب اللون الداكن دورًا في حماية الكائن الحي من الأشعة فوق البنفسجية
الميلانين
إن نسبة الميلانين هي التي تحدد لون البشرة سواء كان فاتحا أو داكنا، وهو الذي يحدد أيضًا لون الشعر عند البشر وألوان الفرو أو الريش عند الحيوانات. وقد تبين أن الميلانين بدوره يتأثر بالظروف المحيطة والتغيرات المناخية أيضًا.
وحسب عالم الطيور كاسبار دلهي من معهد ماكس بلانك الألماني، الذي حلل بعمق “قاعدة جلوجر”، فإن “الرئيسيات التي تعيش في المناطق ذات درجة حرارة ورطوبة عالية لديها طبقة ظهرية داكنة، بينما يكون لون الفئران الرمادية في آسيا أغمق في المناطق ذات الأمطار الغزيرة”.
هناك تباين وارتباك حول كيفية فهم قاعدة جلوجر. حيال ذلك يقول كاسبار دلهي، الذي بحث في عشرات الدراسات حول هذا الموضوع: “هناك بالفعل قاعدة بسيطة تقول إن لون الحيوانات ذوات الدم الحار سيكون أكثر قتامة مع ارتفاع الرطوبة ودرجة الحرارة. وتفيد القاعدة أكثر تعقيدًا أن اليوميلانين يزداد مع الرطوبة وينخفض مع درجات الحرارة المنخفضة، في حين يرتفع الفيوميلانين في المناطق الساخنة والجافة وينخفض بسرعة إذا انخفضت درجات الحرارة”.
الضوء أو الظلام؟
نشرت مجلة علم الأحياء الخلوي (Cell Biology) في تموز/ يوليو 2020 دراسة أجراها لي تيان من جامعة علوم الأرض في ووهان ومايكل بينتون من جامعة بريستول، حول كيفية تفاعل النباتات والحيوانات مع الاحتباس الحراري. وقد أكدا أن اليوميلانين والفيوميلانين يتناقصان في درجات الحرارة المنخفضة مما يجعل الحيوانات شاحبة اللون، وأن الرطوبة قد تكون أكثر أهمية من درجة الحرارة، وأن قاعدة جلوجر قد تنطبق أيضًا على الحشرات.
وحسب تيان وبينتون فإنه “من المرجح أن تصبح ألوان الكائنات أكثر قتامة مع زيادة الرطوبة في المناطق الدافئة”. وبناء على توقعاتهم، كلما زاد الاحتباس الحراري، زادت أعداد الحيوانات قاتمة اللون خارج المناطق المدارية والمناطق الاستوائية.
في شأن ذي صلة، قدم ألكسندر رولان من جامعة لوزان الفرنسية رؤيته في دراسة نُشرت في مجلة غلوبال شاينج بيولوجي (Global Change Biology) توضح أن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة والأشعة فوق البنفسجية ويلعب اللون الداكن دورًا في حماية الكائن الحي من الأشعة فوق البنفسجية. ومع تقدم التصحر، قد ينتشر اللون الباهت في بعض المناطق، بينما تنتشر الألوان الداكنة في المناطق التي يتوقع فيها زيادة الرطوبة”.
هل سنرى التغير بوضوح أكبر؟
يمكن تلخيص كل النظريات السابق ذكرها في جملتين: تكون ألوان الكائنات في المناطق الدافئة والرطبة داكنة لأن ذلك يوفر تمويهًا وحماية أفضل من الأشعة فوق البنفسجية؛ وتكون ألوان الكائنات في المناطق الباردة قاتمة أيضا لأنها تحتاج إلى ضوء الشمس. وتتمثل التغييرات التي يمكن أن تحدث بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري في أنه حسب النظرية الأولى ستكون ألوان الكائنات قاتمة أكثر، في حين تفيد النظرية الثانية بأن ألوانها ستصبح فاتحة.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور