ظهر مصطلح “العمل العاطفي” Emotional labor لأول مرة في كتاب “إدارة القلب” لعالمة الاجتماع آرلي هوشيلد عام 1983، ويشير المصطلح إلى عملية إدارة المشاعر والتعبيرات لتلبية المتطلبات العاطفية للعمل، حيث يُتوقع من الموظفين تنظيم عواطفهم في أثناء تفاعلهم مع العملاء وزملاء العمل ورؤسائهم.
يتضمن ذلك تحليل المشاعر واتخاذ قرار بشأن التعبير عنها سواء كانت محسوسة أم لا، وكذلك قمع المشاعر التي نشعر بها لكن لا يمكننا التعبير عنها، وذلك لإنتاج شعور معين تجاه العمل لتحقيق النجاح للشركة.
مع تحول اقتصادات السوق من التصنيع إلى السوق القائم على الخدمات، أصبح من المتوقع أن يدير الموظفون عواطفهم في مختلف المجالات المهنية وفقًا لمتطلبات العمل وهو أمر لم يكن موجودًا قبل 60 عامًا.
من بين الأدوار التي تتطلب عملًا عاطفيًا: المشاركة في الإدارة العامة والتجسس والقانون ورعاية الأطفال والرعاية الطبية والعمل الاجتماعي وأعمال الضيافة وتقديم الطعام، والوظائف الإعلامية كذلك، وقد امتد المصطلح ليشمل العمل غير المدفوع مثل مساعدة صديق في حل مشكلة صديق آخر.
الفرق بين التمثيل العميق والتمثيل السطحي
ينقسم العمل العاطفي إلى قسمين: الأول هو التمثيل السطحي وفي هذا النوع يعد الجسد وليس الروح الأداة الرئيسية، ويحدث ذلك عندما يغير الشخص تعبيره العاطفي فقط ليتوافق مع معايير المكان من خلال تزييف مشاعره، وهو بذلك يغير سلوكياته الخارجية فقط بينما تظل مشاعره الحقيقية كما هي، إنه عمل يتضمن قمع المشاعر مما يسبب التوتر ويؤثر على صحة الفرد.
في التمثيل العميق يحتاج الأفراد إلى بذل جهد لتحفيز ذكريات أو صور أو أفكار للشعور بشيء معين أو قمع شعور آخر في أثناء العمل
الأمر يشبه التنافر المتعمد حيث الحفاظ على العرض العاطفي رغم اختلاف العواطف الحقيقية، فالتعبير عن اللطف لا يعني بالضرورة سعادة الفرد، بل هو مجرد تصرف لموافقة القواعد التنظيمية.
أما التمثيل العميق فهو شكل من أشكال المشاعر الحقيقية النابعة من الذات، حيث يقوم الفرد بتغيير مشاعره بحيث تتماشى بشكل طبيعي مع التوقعات، أي أنه بدلًا من تزييف المشاعر يغير الأفراد نشاط مشاعرهم الداخلية للتعبير عن المشاعر التي يتطلبها الموقف.
لتحقيق ذلك يحتاج الأفراد إلى بذل جهد لتحفيز ذكريات أو صور أو أفكار للشعور بشيء معين أو قمع شعور آخر في أثناء العمل، ما يمكنهم من الشعور والتفكير والتصرف وفق المشاعر المرغوبة في بيئة العمل.
لماذا يجب ممارسة التمثيل العميق بدلًا من التمثيل السطحي؟
في محاولة لاكتشاف أي الإستراتيجيات العاطفية أكثر فاعلية في العمل وأكثر فائدة، قامت أليسون جابرييل في كلية إلير بجامعة أريزونا بثلاث دراسات مع زملائها، حيث استطلعوا رأي أكثر من 2500 موظف بشأن تنظيمهم التفاعلات العاطفية مع زملائهم في العمل، تضمن الاستطلاع الاتفاق مع أو رفض عبارات مثل “أقوم بتزييف مشاعر جيدة عند التفاعل مع زملائي” أو “أشعر بالاستنزاف العاطفي في العمل”.
كشفت النتائج عن تطبيق 4 إستراتيجيات عاطفية مختلفة، شارك الممثلون العميقون في مستويات عالية من التمثيل العميق، بينما شارك الممثلون الضعفاء بشكل أكبر في التمثيل السطحي، كان هناك أيضًا غير الممثلين الذين شاركوا بقدر ضئيل من العمل العاطفي، أما المنظمون فقد بدلوا بين الطريقتين.
كشف الاستطلاع أيضًا أن المحرك لتلك الإستراتيجيات دافعين: دافع إدارة الانطباع الاجتماعي ودافع إدارة الإيجابية، حيث يهدف الأول إلى تنمية العلاقات الإيجابية والثاني لتقديم جبهة إيجابية.
وجد الباحثون أن الممثلين العميقين كانوا مدفوعين بدوافع اجتماعية إيجابية ويتمتعون بمزايا تلك الإستراتيجية، أحس هؤلاء الممثلون بمستويات إرهاق أقل وشعور أقل بعد المصداقية وتحسن الثقة في زملاء العمل والتقدم نحو الأهداف.
لم يعان غير الممثلين من الإرهاق العاطفي الذي عانى منه الممثلون الضعفاء، لكنهم في الوقت نفسه لم يتمتعوا بالمكاسب الاجتماعية للممثلين العميقين، بينما أظهر المنظمون أن التبديل بين التمثيل السطحي والعميق يستنزف الاحتياطي العاطفي ويؤدي إلى توتر العلاقات المكتبية.
الآثار السلبية للتمثيل السطحي والتمثيل العميق
رغم النتائج الإيجابية لكلتا الطريقتين في زيادة الإنتاج وتحقيق أداء أفضل في العمل، فإنه من الناحية النفسية والجسدية للفرد وجدت دراسة أخرى أن كلتا الطريقتين تؤثران بشكل سلبي على صحة الفرد النفسية والجسدية.
استخدام تلك التقنيات دون أي ضوابط سيؤدي إلى عواقب سلبية مثل الاغتراب عن الذات والتوتر الداخلي والإرهاق العاطفي
فقد وجدت إحدى الدراسات أن التمثيل السطحي والعميق لا يمكنهما تغيير الذات الداخلية بشكل كامل مما يؤدي إلى تنافر عاطفي، هذا التنافر يسبب مشاعر القلق وربما يؤدي إلى الاكتئاب والإرهاق والاضطرابات العقلية، كما أنه قد يسبب مشاكل جسدية مثل الصداع والأرق ومشاكل القلب والأوعية الدموية.
هذا الأمر سيؤثر على العمل والإنتاج بشكل سيء على المدى البعيد، ففي لحظة ما لن يتحمل الموظفون تطبيق إستراتيجيات التمثيل وبالتالي لن يمكنهم الاستمرار في هذا العمل أو بذل جهد أكبر به.
استنتج الباحثون في هذه الدراسة أن استخدام تلك التقنيات دون أي ضوابط سيؤدي إلى عواقب سلبية مثل الاغتراب عن الذات والتوتر الداخلي والإرهاق العاطفي، وهو ما لا ترغب به المؤسسات وأماكن العمل بالطبع.
إن تقنيات التمثيل السطحي أو العميق تصب كلها في مصلحة العملاء وأماكن العمل، فهدفها الأول الحصول على رضا العميل وثقته وبالتالي تحقيق مصلحة العمل وزيادة الإنتاج والأرباح، لكن يبدو أنها لا تصب في مصلحة الموظفين وربما سيكون لها آثار سيئة على المدى البعيد، فهل تتفق أو تختلف معها؟