ترجمة وتحرير نون بوست
أدت قمة “العلا” التي عقدها مجلس التعاون الخليجي هذا الشهر في موقع المملكة العربية السعودية للتراث، إلى رفع الحصار عن قطر الذي فرضته كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر لمدة 43 شهرا. وقد مثّلت اتفاقية “التضامن والاستقرار” تقدما ملحوظا في الجهود الرامية لحل النزاع الخليجي خلال الأسابيع الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. ومن منظور العديد من الحكومات، أسفرت قمة “العلا” عن نتائج إيجابية.
تعتبر تركيا من أكثر الدول المستفيدة من المصالحة السعودية القطرية، حيث أعطت هذه القمة الخليجية العربية التاريخية أنقرة شعورا يتّسم بالبُهتان. ففي المراحل الأولى من نزاع مجلس التعاون الخليجي، الذي اندلع في الخامس من حزيران/ يونيو 2017، عبرت تركيا عن موقفها من الوضع بكل وضوح.
كان حصار قطر، على حد تعبير الرئيس رجب طيب أردوغان، عملا “غير إسلامي” شكّل ظلما كبيرا للإمارة. ومن منظور أنقرة، خلقت دول الحصار أزمة مفتعلة في وقت لم يكن فيه الشرق الأوسط بحاجة إليها. وعلى هذا النحو، ساندت أنقرة قطر بثبات، وساعدت الدوحة على تجاوز الحصار على امتداد أكثر من ثلاث سنوات.
من جهته، قال يوسف إريم من منتدى “تي آر تي وورلد”، إنه “منذ اليوم الأول لاندلاع أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، كانت تركيا بمثابة الدعامة الأمنية لقطر والضامن الفعلي لأمنها”. وأضاف إريم أن “العلاقة بين البلدين ازدهرت أكثر على مر السنوات”، حيث مكّن دعم أنقرة للدوحة عبر قاعدة طارق بن زياد العسكرية، قطر “من الاضطلاع بسياسة خارجية مستقلة خلال الأزمة والعودة حاليا إلى وحدة دول مجلس التعاون الخليجي أقوى من ذي قبل”.
لا يمكن إنكار أنه إلى جانب الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة “العديد” الجوية، كانت القاعدة العسكرية التركية القطرية المشتركة في قطر، إلى حد ما على الأقل، رادعا موثوقا به ضد أية جهة حكومية تقوم بأي عمل عسكري ضد الدوحة. علاوة على ذلك، ساعدت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي تركيا على إثبات جدارتها للعالم العربي الإسلامي الأوسع، بالإضافة إلى قوتها التي تستطيع من خلالها التأثير في نتائج الأزمات والخلافات في المنطقة العربية، والتي تجسدت أيضا في الخسائر التي تكبدها المشير خليفة حفتر في سنتي 2019 و2020، نتيجة التدخل العسكري التركي المكثف في الصراع القائم في شمال أفريقيا.
تدرك قطر أنه من المرجح أن تندلع أزمة خليجية أخرى في المستقبل. لذلك، ستستمر الدوحة في تقدير علاقاتها القوية مع تركيا وإيران وغيرها من الدول التي مكنتها من الصمود في وجه الحصار
في الواقع، لم يكن يتعيّن على الدوحة أن تفي بأي من المطالب الثلاثة عشر التي حددتها المجموعة الرباعية المناهضة لقطر في سنة 2017، والتي تضمنت إغلاق قاعدة طارق بن زياد العسكرية. كما لم يكن ينبغي على قطر سوى الالتزام بتجميد الإجراءات القانونية ضد دول الحصار، مما يجعل من الصعب عدم الاتفاق على أن الاستنتاج بأن اتفاقية المصالحة الخليجية العربية التي اُبرمت هذا الشهر وقع توقيعها بشروط تخدم مصالح قطر بشدة.
في نهاية المطاف، أكدت نتائج قمة “العلا” على موقف تركيا المتمثّل في حقيقة صعود قطر إلى القمة في حال تمسّكت بموقفها في الوقت الذي كانت فيه تحت الحصار. وفي المستقبل، سيتذكر القطريون وغيرهم من مختلف أنحاء العالم المساعدة التي قدّمتها أنقرة إلى الدوحة في خضم الحصار ويقدّرونها.
في سياق متصل، يجادل بعض النقاد بأن قطر لن تعطي بعد الآن الأولوية لعلاقتها مع تركيا بعد تصالحها مع الرياض. في المقابل، من غير المرجح أن يكون ذلك نتيجة لقمة العلا. وفي ضوء حقيقة أن القطريين لن يثقوا بالقيادة السعودية في المستقبل القريب، فلا يوجد سبب لتوقع أن تبتعد الدوحة عن حلفائها وشركائها الذين تقربت منهم في خضم الحصار.
إلى جانب ذلك، تدرك قطر أنه من المرجح أن تندلع أزمة خليجية أخرى في المستقبل. لذلك، ستستمر الدوحة في تقدير علاقاتها القوية مع تركيا وإيران وغيرها من الدول التي مكنتها من الصمود في وجه الحصار. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية القطرية، تمثّل تركيا طرفا بالغ الأهمية لتحقيق هذه الاستراتيجية التي ساعدت الدوحة في الحفاظ على استقلالها كدولة قومية ذات سيادة. إلى غاية هذه النقطة، وبعد مرور ثلاثة أيام فقط على توقيع اتفاق العلا، أكد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن علاقات الدوحة مع أنقرة وطهران لن يطرأ عليها أي تغيير في فترة ما بعد الحصار.
الاستفادة من التحولات الإقليمية
يمكن أن تؤدي إعادة تشكيل العلاقات السعودية القطرية إلى حقائق جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط من شأنها أن تعزز المصالح التركية. وفيما يتعلق بالمصالحة الخليجية العربية، يبدو أن الرياض تختلف نوعا ما عن أبوظبي والمنامة، حيث تبدو كلتاهما أقل حرصا من السعودية على عودة انضمام قطر إلى الحظيرة العربية. وفي هذا السياق، ستستفيد تركيا من أن تصبح الرياض وأبوظبي أقل انسجاما فيما يتعلّق بالشؤون الإقليمية.
علاوة على ذلك، تبشّر قمة العلا بآفاق التقارب السعودي التركي، وهو ما تتمناه أنقرة لا سيما في ظل تنامي مخاوف حكومة أردوغان من جعل رئاسة جو بايدن التوترات تتفاقم داخل التحالف التركي الأمريكي. ونظرا لأن الدعم الذي قدمته تركيا للدوحة طوال فترة أزمة دول مجلس التعاون الخليجي كان من بين القضايا العديدة التي خلقت خلافات كبيرة بين المملكة العربية السعودية وأنقرة، قد تجعل المصالحة بين الرياض والدوحة توطيد العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية أمرا سهلا نسبيا دون الحاجة إلى القيام بذلك على حساب التحالف التركي القطري.
يحتاج التفاؤل بشأن علاقة أنقرة والرياض، التي قد تبدأ فصلا جديدا يقوم على التعاون وإعادة بناء الثقة، إلى توخي الحذر
في الواقع، بعد فترة قصيرة من انعقاد قمة العلا، صرح مسؤول قطري بأن الدوحة ستكون على استعداد للمساعدة في التوسط بين تركيا والسعودية من أجل المساعدة على التخفيف من حدة التوترات في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أننا قد نبالغ في التفاؤل بنجاح أنقرة في التوصل إلى حل مع جميع الدول المحاصرة، إلا أن التقارب السعودي التركي يشكّل احتمالا حقيقيا. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن استبعاد تهدئة الخلاف القائم بين تركيا ومصر كليا.
طوال سنة 2021، إذا تمكنت الدوحة من مساعدة أنقرة على تحسين علاقاتها مع المملكة السعودية، فقد تستفيد تركيا ماديا في وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية كبيرة في ظل تفشي جائحة كورونا. ومن المؤكد أن تشكل المصالحة بين تركيا السعودية ضربة قوية لجهود أبوظبي الرامية لإنشاء تحالف مناهض لتركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، وهي حملة إماراتية اكتسبت زخما بعد فترة وجيزة من شنّ تركيا عملية نبع السلام في شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2019.
في الوقت نفسه، يحتاج التفاؤل بشأن علاقة أنقرة والرياض، التي قد تبدأ فصلا جديدا يقوم على التعاون وإعادة بناء الثقة، إلى توخي الحذر. بعبارة أخرى، لا يعتبر التحسن المطرد في العلاقات التركية السعودية بالضرورة أمرا حتميا. فضلا عن ذلك، لا تزال هناك العديد من المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرقل الجهود الرامية إلى تحسن علاقة أنقرة بالرياض.
وتتضمن هذه المسائل قضية جمال خاشقجي والحرب الأهلية الليبية وعلاقة الرياض بحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في شمال سوريا بالإضافة إلى التحول السياسي في السودان. كما سيتطلب التغلب على مصادر التوتر في العلاقات التركية السعودية بعض الوقت والجهود الصادقة من جانب الحكومتين.
علاوة على ذلك، يبقى هناك سؤال مفتوح حول مدى مصالحة الرياض مع الدوحة والجهود المبذولة لتهدئة الخلافات مع أنقرة بسبب الضغط الذي يمارسه الملك سلمان. كما أن الجمهور ليس متأكدا تماما بشأن مدى انخراط ولي العهد محمد بن سلمان في هذه التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية السعودية، أو على الأقل مدى دعمه الحقيقي لها. وعلى حد تعبير إريم، “تكمن سلامة وديمومة إعادة ضبط محتملة للعلاقات بين أنقرة والرياض في الإجابة على هذا السؤال”.
المصدر: ديلي صباح