تحل اليوم الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، التي كان يؤمل عليها أصحابها في تغيير وجه مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وسط مفارقة عجيبة بين النظام الذي استهدفت الثورة الإطاحة به ومن يتصدرون المشهد الآن.
وبعد عقد كامل على انطلاق هذا الحراك بات رموز مبارك الذين قامت الثورة ضدهم وضد فسادهم على مدار سنوات طويلة هم من يديرون المشهد الآن من على منصات الحكم المختلفة، فيما تأرجح رموز الثورة بين السجون والمعتقلات والمنافي، واعتزل بعضهم العمل العام بالكلية.
محمد أبو العينين.. البهلوان المتقلب
يعد محمد أبو العينين، صاحب شركة سيراميكا كليوباترا، أحمد أبرز الرموز في عهد مبارك، فكان عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وحين اندلعت الثورة كان أبرز المتهمين في قضايا فساد وتهريب مخدرات، الأمر الذي دفعه للتقرب من نظام محمد مرسي آنذاك.
ورغم علامات الاستفهام حياله، استطاع مع مرور الوقت أن يعود من بعيد للعمل العام بعد سنوات من الغياب، ساعده في ذلك قناته الفضائية “صدى البلد” التي سخرها لخدمة نظام 30 يونيو، مستعينًا بنخبة من الإعلاميين المعروف عنهم قربهم من السلطة وعلى رأسهم أحمد موسى.
أبو العينين اليوم يشغل نائب رئيس حزب “مستقبل وطن” المدعوم من المخابرات المصرية، وبديل الوطني المنحل، كما أصبح عضوًا بمجلس النواب (البرلمان) وتم اختياره مؤخرًا ليكون وكيل المجلس، وأرجع البعض هذا التلميع لما يقدمه رجل الأعمال الشهير من دعم للنظام، ماديًا كان أو إعلاميًا.
علي مصيلحي.. الوزير الملاكي
يعد علي مصيلحي، وزير التموين الحاليّ، أحد أبرز الوزراء والرموز السياسية في عهد مبارك، شغل منصب وزير التضامن منذ 2005 وحتى الثورة، وكان آخر وزير تضامن في حكومة أحمد نظيف، ومن بعدها حكومة أحمد شفيق التي لم تستمر إلا أيام في أعقاب الثورة في 2011، هذا بخلاف احتكاره بشكل شبه كامل مقعد البرلمان في دائرته (أبو كبير بمحافظة الشرقية).
يلقب مصيلحي بـ”الوزير الملاكي” فلديه قدرة كبيرة على التعاطي مع أي نظام، والإخلاص منقطع النظير في الدعم للنظام لدرجة لا يمكن معها قبول فكرة عمله تحت مظلة أي نظام آخر، لذا فهو من الوزراء المطلوبين بالنسبة للمراحل الانتقالية الحرجة.
غاب عن الأضواء بعد الثورة لكنه عاد في انتخابات البرلمان 2012 ليتلقى هزيمة ساحقة ويخسر مقعد الدائرة الذي ظل سنوات باسمه، وبعد 5 سنوات من الثورة عاد للمشهد من بعيد حين فاز في انتخابات البرلمان 2016، واليوم بات وزيرًا للتموين والتجارة الداخلية في حكومة مصطفى مدبولي.
إبراهيم محلب.. مقاول التوريث
كان رئيس مجلس إدارة شركة المقاولين العرب، إبراهيم محلب، عضوًا بارزًا في لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وكان مقاول ملف توريث الحكم لجمال مبارك بعد والده، فهو أحد أبناء الحزب المؤمنين بتوجهاته السياسية وممارساته الاقتصادية التي طالما أشاد بها.
مع ثورة يناير أطيح به من الحزب بعد حله، ليغيب عن الأضواء طويلًا، فيما وجهت له اتهامات عدة في قضايا فساد خاصة بشركته ونشاطها في الداخل والخارج، لكن لم يصدر ضده أي حكم، ليقع عليه الاختيار لشغل منصب وزير الإسكان في حكومة حازم الببلاوي عقب أحداث 30 يونيو 2013.
وسرعان ما دارت العجلة السياسية ليصبح الرجل المتهم بالفساد رئيسًا للحكومة وفق اختيار عبد الفتاح السيسي، ورغم فشله الذي أثار الانتقادات ضده، لم يرغب الرئيس في التخلي عنه، ليقيله من رئاسة الوزراء ليصبح – حاليًّا – مساعدًا لرئيس الجمهورية للمشروعات الكبرى.
هشام طلعت مصطفى.. الخزانة المتحركة
هشام طلعت مصطفى، أحد أباطرة المال في مصر، الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى المصرية العملاقة التي تملك عدة منشآت معمارية في مصر وخارجها، وهو النجل الأصغر لرجل الأعمال طلعت مصطفى، وكان أحد رجالات مبارك المقربين وعضوًا بالحزب الوطني المنحل ونائبًا معينًا بمجلس الشورى السابق.
كان قد حكم عليه بالسجن 15 عامًا بعد إدانته مع ضابط الشرطة السابق محسن السكري في قضية مقتل سوزان تميم، في دبي 2008، وصدر بحقه حكم بالإعدام أول درجة لكنه خفف بعد ذلك، وأفرج عنه “عفو صحي” ضمن قائمة العفو الرئاسي التي أصدرها السيسي في 2017.
أثار قرار العفو الكثير من اللغط والجدل داخل الشارع المصري خاصة بعدما أثير أنه دفع مبلغًا كبيرًا من المال نظير الإفراج، وبينما كان الجميع يتوقع غيابه عن الساحة وابتعاده عن الأضواء، إذ به بعد فترة وجيزة من خروجه من السجن يرافق السيسي في المشروعات كافة، متصدرًا المشهد مرة أخرى.
وخلال الأيام الماضية وقعت وزارة الإسكان المصرية عقدًا لبيع 21 مليون مترمربع من الأرض للشركة العربية للاستثمار العمراني التابعة لمجموعة طلعت مصطفى القابضة، لإقامة مجمع عمراني متكامل، وهو العقد المثير للجدل كذلك نظرًا لضعف قيمته المادية التي تعيد الأذهان إلى عقد “مدينتي” التي اشتراها مصطفى بثمن بخس من الحكومة ليبيعها بمئات الملايين في صورة عقارات بعد ذلك.
أحمد عز.. طبال الوطني ومهندسه
هو أمين تنظيم الوطني المنحل وعضو لجنة سياسات مبارك، وكان أبرز المقربين من نجل الرئيس المبشر حينها بخلافة والده، كانت مهنته التي لم ينكرها قبل دخوله العمل السياسي “طبالًا” لذا أطلق عليه المعارضون له هذا الاسم نظرًا لما كان يقوم به من دعم وتمرير لكل سياسات الوطني حتى المتعارضة مع مصالح الشعب.
كان أحد أسباب انهيار نظام مبارك بعد تورطه في تزوير انتخابات 2010 التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فأثارت الشارع ضد النظام وحكامه ورموزه، هذا في الوقت الذي كان يعلق فيه مبارك على غضبة المصريين بجملته الشهيرة “خليهم يتسلوا”.
واجه أحكامًا بالسجن لتورطه في قضايا فساد واستغلال نفوذ، لكن سرعان ما خرج في إطار مهرجان البراءة للجميع الذي دشنه نظام ما بعد 3 يوليو نظير أموال كبيرة تدفع تحت بند “التصالح مع رموز مبارك” ليخرج عز من سجنه ليعود إلى إمبراطوريته في شركات الحديد “مصانع عز”.
لم يكن مهندس الوطني المنحل ميالًا للظهور الإعلامي في هذا التوقيت لكنه من الشخصيات الاقتصادية التي طُرح اسمها في الآونة الأخيرة وتشير التقديرات إلى دور محتمل لها في المستقبل تحت عباءة النظام الحاليّ الذي بات نسخة مكبرة لنظام مبارك.
حبيب العادلي.. جلاد العدالة
يشترك وزير داخلية مبارك حبيب العادلي مع عز في أنهما على رأس الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة يناير، إذ كان العادلي الذي وصف بـ”الجلاد” أحد أسوأ الوزراء الذين قادوا المشهد الأمني في مصر، ففي عهده سقط المصريون أسارى لدى ضباط الداخلية وجلاديها.
حكم على العادلي في العديد من القضايا الخاصة بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان واستغلال النفوذ في التكسب غير المشروع، لكن بعد ماراثون كبير داخل أروقة المحاكم تم تبرئته من كل القضايا المتهم فيها، على رأسها جرائم قتل المتظاهرين.
لم يكن أمام العادلي الآن إلا قضايا بسيطة خاصة بالاستيلاء على المال العام، وهي قضايا مقطوعة اليقين بالبراءة وفق ما ذهب خبراء، ليخرج الوزير الذي شغل هذا المنصب 14 عامًا، عائدًا للحياة العامة من أوسع الأبواب، فيما يتوقع البعض الاستعانة به في إدارة المشهد الأمني لما لديه من خبرات كبيرة وسيطرة ونفوذ غير مسبوق على عناصر الأمن التي تعمل في الوزارة.
السيطرة على البرلمان
سيطرة رموز حقبة مبارك على المشهد لم تقتصر على الجانب التنفيذي فقط، فهناك سيطرة شبه كاملة على السلطة التشريعية من خلال الانضواء تحت ستار حزب “مستقبل وطن” وهو الحزب الذي يضم في معظمه أعضاء الحزب الوطني المنحل ولذا يطلق عليه “الوطني البديل”.
القراءة السريعة لأعضاء البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ) من “مستقبل وطن” تشير إلى سيطرة كاملة لنواب مبارك على مجلس السيسي، فها هو النائب المعين من رئيس الجمهورية إبراهيم الهنيدي، وزير العدالة الانتقالية السابق، وأحد أعضاء الوطني السابقين، يتولى رئاسة لجنة الشؤون التشريعية.
هذا بجانب تعيين درية شرف الدين وزيرة الإعلام السابقة، لتولي رئاسة لجنة الثقافة والإعلام، وأشرف الجبلي وزير صحة مبارك وعضو أمانة السياسات في الحزب الوطني، لتولي رئاسة لجنة التعليم العالي والبحث العلمي، بجانب الأمين العام الحالي لحزب “الشعب الجمهوري” صفي الدين خربوش، القيادي السابق في الحزب الوطني، لرئاسة لجنة الشؤون العربية.
وفي المحصلة وبعد سنوات من لعبة “القط والفأر” التي كان يلعبها السيسي مع رموز مبارك كونهم كانوا يشكلون تهديدًا له بداية حكمه، تغير الأمر الآن بعدما توحدت مصالح الطرفين، فالرئيس يسعى لترسيخ أركان حكمه مدى الحياة، وذلك عن طريق بطانة قوية وحاضنة اقتصادية قادرة على التصدي لأي تحديات، فيما يحاول فلول مبارك (هكذا كان يطلق عليهم إبان الثورة) البقاء في المشهد واستعادة النفوذ المفقود، بصرف النظر عن هوية من يدير المشهد.