رحب الكل الفلسطيني بالمرسوم الذي أصدره الرئيس الفلسطيني للبدء بالانتخابات (تشريعية ورئاسية ومجلس وطني) على ثلاث مراحل تبدأ في 22 من مايو/أيار 2021، وإن تلقفت الفصائل والقوى الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية المرسوم بترحيب، لكن ثمة عوائق تقف أمام فعالية المرسوم وما بعده أهمها الجيل القديم الذي سيصارع للبقاء في مناصبه السياسية سواء في النظام السياسي الرسمي أم الفصائل الفلسطينية خارج النظام السياسي الرسمي.
حان الوقت للإقرار بأن نقطة الانطلاق لأي انفراجة في المأزق الفلسطيني – متداخل الأزمات – ستكون عبر بوابة الجيل الفلسطيني الجديد، ولا خيار إلا سلوك هذا الطريق إن كان السياسيون الفلسطينيون يرغبون بذلك، وإنهاء الأطر التقليدية لإفراز القيادات الفلسطينية المتكلسة منذ أمد أوسلو حتى الآن.
ثلاث خطوات مهمة
ولّدت كافة حوارات المصالحة بين الفلسطينيين منذ وثيقة الأسرى 2006 حواجز من التضليل وعدم الثقة بالنسبة للجيل الجديد، وعدم رغبة النخبة المتكلسة في تقديم تنازلات من مصالحها الخاصة لإفساح الطريق أمام هذا الجيل للعبور إلى النظام السياسي الفلسطيني رغم التغيرات العالمية والمحلية الكبيرة التي تستدعي ذلك، وأمام المرحلة الفلسطينية القادمة ثلاث خطوات مهمة يجب الانتباه إليها.
تتطلب الخطوة الأولى إحلالًا إجباريًا للجيل الجديد في كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الفلسطينية، وفي العملية الديمقراطية التي ستحصل حتى إن كان الثمن دفع تكلفة ذلك من مصالح النخبة التقليدية الموجودة في مكانها، لأن عدم إحلال هذا الجيل سيزيد من تسربه إلى خارج المؤسسات الوطنية لتصبح حصة المشاريع الخارجية أكبر بشكل متصاعد من حصة الفلسطينيين أنفسهم.
ويضمن ذلك عدم الإشاخة النازفة للحالة الفلسطينية والنظام السياسي المتعثر منذ 27 عامًا مضى، لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة في مراكز صناعة القرار كمشرعين أو موظفي إدارة عليا للشباب الفلسطيني من الفئة العمرية 18-29 عام 1%، في حين أنهم يمثلون 23% من إجمالي السكان من كلا الجنسين بواقع 1.1 مليون شاب وشابة في مؤسسات السلطة في قطاع غزة والضفة الغربية.
لذلك إن كان الفلسطينيون يبحثون عن إعادة الروح للقضية الفلسطينية عليهم الانطلاق من نقطة الجيل الجديد للتجديد، وعدم الاكتفاء باستخدام الشباب كوقود لأي حراك سياسي دون خطة إستراتيجية شاملة يكونون هم جزءًا من إعدادها.
وتشمل الخطوة الثانية إدماج التشكيلات والأطر الشبابية غير المنظمة في النظام السياسي الفلسطيني، فقد أنتجت سنوات الانقسام الفلسطيني قبائل رقمية غير رسمية عزلت الشباب عن توجيه الحالة السياسية، فكونت حماس منصاتها الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت تغرد من نفسها إلى نفسها، حالها حال باقي الفصائل الفلسطينية التي عزلت جزءًا مهمًا من الشباب – في مجتمع مسيس من الدرجة الأولى – عن المجتمع الفلسطيني، وكانت الكثير من المنشورات على هذه المنصات الداخلية تدخل في إطار المناكفة السياسية وحالة الاستقطاب.
إن فشلت النخب التقليدية في إيجاد آليات للتعامل مع الجيل المتوقع صعوده مستقبلًا، فلتنطلق من إنشاء مؤسسات وسيطة بينها
في حين تطور جيل جديد بعيدًا عن هذه القبائل عمل على تعبئة نفسه ذاتيًا، والتحق بمؤسسات دون الفصائل أو النظام السياسي الرسمي الفلسطيني، وكوّن أطره الناظمة عبر جيل الزووم بعيدًا عن الانتماء التقليدي للأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني، وبالنظر للإحصائية الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2020 عن مركز الإحصاء الفلسطيني فإن 86% من الشباب في الفئة العمرية من (29-18 سنة) يستخدمون الإنترنت في فلسطين.
وقد استخدم 94% منهم شبكات التواصل الاجتماعي أو المهني (فيسبوك، تويتر، لينكد إن، إنستغرام، إلخ…) بشكل كبير، في حين أن هذه المؤسسات لا تخضع لا للسيطرة ولا للتوجيه أو حتى الدراسات المسحية لمعرفة توجهات أو تقديم تنشئة سياسية للجيل الجديد، كما أن المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية تعاني ضعفًا في الدبلوماسية الرقمية دون الحد الأدنى في قدرتها على جمع الجيل الجديد.
أما الخطوة الثالثة تنظر للمستقبل في التركيز على النخب الشبابية المتوقع صعودها خلال العشر سنوات القادمة كساحة جديدة للفصائل الفلسطينية والسلطة لتستطيع حجز حيزها الطبيعي الذي يتلاءم مع حضارة المعرفة وخصوصية الحالة الفلسطينية.
وفي هذه الحالة تحديدًا إن فشلت النخب التقليدية في إيجاد آليات للتعامل مع الجيل المتوقع صعوده مستقبلًا، فلتنطلق من إنشاء مؤسسات وسيطة بينها وبين الجيل الصاعد تقلل من فجوة التواصل وتعزز الثقة الهشة بين الطرفين، خصوصًا أن الجيل المتصاعد يبدو أكثر بارغماتية وفهمًا، ولديه القابلية للحوار ضمن الشراكة على المبادرات التنموية تحديدًا.
يرتكز الفلسطينيون على نقطة انطلاق معطلة من الداخل، تستلزم ضرورة التفعيل الفوري بما يسمح بمرور الجيل الجديد لمراكز صناعة القرار، وبما يملكه من أدوات تفاوضية وقتالية جديدة قد تمنع المشروع الوطني الفلسطيني من الانهيار، وتحرره بشكل أو بآخر من إيديولوجيا خلاف النخبة السياسية الموجودة بعيدًا عن آليات المرور التقليدية للجيل الجديد لمراكز صناعة القرار.