في 21 من يناير/كانون الثاني عام 1986 قرر كيفن زابورني، سفير الأحضان كما يلقب نفسه، أن يكون اليوم للاحتفال بالعناق في شيكاغو، إذ كان كيفن يشعر بأن معنويات منخفضة وبحاجة للتواصل العاطفي وسط أعياد الميلاد والحب، فقرر أن يكون هذا اليوم يومًا عالميًا للعناق، لكنه اعتقد أن فكرته ستبوء بالفشل، إلا أن الناس كانوا بحاجة للعناق بالفعل، فقد نجح الأمر وانتقل لعدة دول أخرى وأصبح يومًا عالميًا بشكل رسمي.
ووفقًا للنظريات العلمية، فإن الفرد بحاجة للعناق 4 مرات يوميًا للبقاء على قيد الحياة وبحاجة للعناق 8 مرات للحفاظ على صحته و12 مرة للنمو العاطفي، وقد وصف أحدهم العناق بأنه “مصافحة من القلب”.
لماذا نحتاج إلى العناق؟
أثبت العلم أن العناق مفيد للصحة فهو يحد من التوتر ويقدم الدعم، إذ عرضت إحدى الدراسات الأزواج الرجال لصدمات كهربائية، وفي أثناء العملية كانت كل امرأة تمسك بذراع شريكها، فوجد الباحثون أن الأجزاء المرتبطة بالتوتر في دماغ المرأة تظهر نشاطًا أقل بينما تظهر الأجزاء المرتبطة بسلوك مكافآت الأمومة نشاطًا أكبر، وهي الأجزاء التي تظهر استجابة مماثلة عند معانقة شخص ما لتهدئته.
يضاف إلى ذلك أن العناق يساعد في الحماية من الأمراض وتعزيز صحة القلب، ففي إحدى الدراسات قسّم العلماء المشاركين إلى مجموعتين، في المجموعة الأولى كان الشركاء يمسكون بأيدي بعضهم البعض لمدة 10 دقائق ثم يتعانقون لمدة 10 ثوان، أما المجموعة الثانية فكانوا يجلسون في صمت فقط، أظهر أشخاص المجموعة الأولى انخفاضًا أكبر في مستويات ضغط الدم ومعدل ضربات القلب مما يدل على فائدة العناق لصحة القلب.
كما أنه عامل مهم في الحد من التوتر الذي يحافظ بدوره على الجهاز المناعي مما يقينا من الكثير من الأمراض، فمن السهل أن تصبح مريضًا عندما تشعر بالتوتر طوال الوقت، وذلك لأن جهاز المناعة يندفع بشكل مفرط عند الإصابة بالتوتر مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
على الصعيد النفسي، يجعلنا العناق أكثر سعادة وأقل خوفًا، فعندما نعانق أو نلمس من نحب يفرز الجسم مادة الأوكسيتوسين التي ترتبط بالسعادة والحد من التوتر، هذه المادة أيضًا لها فائدة في تجديد العضلات، فعندما حقن العلماء هذه المادة في الفئران الأكبر سنًا تجددت عضلاتها بشكل سريع مطابق لسرعة الفئران الأصغر سنًا، اكتشف العلماء أيضًا أن فوائده أقوى لدى النساء فهو يساعد على انخفاض ضغط الدم والحد من هرمون الإجهاد خاصة عندما تحمل الأمهات أطفالهن وتعانقهن.
والأمر ذاته مهم للأطفال كذلك، فهو يساعد في تنشئة أطفال ناضجين ومتكيفين عند البلوغ وقادرين على الارتباط بغيرهم، بينما يساعد العناق البالغين على مقاومة مشاعر الوحدة خاصة مع التقدم في السن والحد من الاكتئاب والمساعدة على النوم.
كيف أصبح الوضع خلال الجائحة؟
منذ انتشار فيروس كورونا نصحت منظمة الصحة العالمية بالتباعد الجسدي بين الأفراد لمسافة لا تقل عن متر وعدم المصافحة باليد أو التقبيل لأن الفيروس ينتشر بشكل كبير نتيجة الرذاذ الخارج من الفم والأنف عند السعال أو العطس أو الحديث.
يجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية التوقف عن مصافحة المرضى حفاظًا على صحتهم وصحة المرضى
يقول بروك فيني أستاذ علم النفس بجامعة كارنيجي ميلون إن التباعد الذي فرضه فيروس كورونا له تأثير كبير على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، فالحرمان من التلامس يرفع مستوى هرمون الكورتيزول الذي يؤدي بدوره إلى زيادة التوتر والاكتئاب وزيادة المشكلات بين الأزواج، كما أن قلة التلامس مع الأطفال تؤدي إلى تأخر النمو وظهور مشكلات سلوكية وعاطفية.
وحتى قبل ظهور الفيروس، تراجعت معدلات التلامس الجسدي بشكل كبير لأن التلامس الجسدي غير المرغوب به قد يعد تحرشًا، ومع ظهور الحملات المناهضة للتحرش أصبح الكثيرون يتجنبون ملامسة الآخرين خوفًا من الاعتداء على خصوصياتهم، وأصبح الوالدان ينصحون أطفالهم بعدم الاقتراب جسديًا من أي شخص خوفًا عليهم.
إضافة إلى ذلك، ذكرت ورقة بحثية في 2014 أن المصافحة خاصة في أماكن الرعاية الصحية من مسببات نشر الأمراض والفيروسات، وأنه يجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية التوقف عن مصافحة المرضى حفاظًا على صحتهم وصحة المرضى.
لكن الوجود ضمن عائلة يساعد في تجاوز الآثار التي تركها كوفيد-19 والعوامل الاجتماعية الأخرى، فوجودك ضمن عائلة محبة يمنحك العناق والتلامس الجسدي الآمن، أما الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم فقد فقدوا هذه الميزة وأصبح أقصى ما يمكنهم القيام به التلويح والابتسام أو تلامس الكوع.
ما البديل للعناق؟
ينصح الأطباء النفسيون بممارسة الرياضة لتحفيز المستقبلات الجلدية في الجسم، ويؤكدون على أهمية اقتناء حيوان أليف واحتضانه فهو يساعد بشدة على تخفيف حدة الأمر، كما أن مشاهدة برامج مضحكة تساعد على إطلاق هرمون الأوكسيتوسين الذي يحد من التوتر.
من الضروري أيضًا الحصول على قسط كافٍ من النوم والاهتمام بالتغذية والترابط الاجتماعي للحد من الآثار النفسية والجسدية لانعدام التلامس، والتحدث مع العائلة والأصدقاء في مكالمات فيديو، فالتواصل الافتراضي يقدم بعض المساعدة.
ومثلما كان التلامس الاجتماعي بديلًا للغة، قد نضطر الآن إلى الإفراط في التواصل بالكلمات والتعبير عن المشاعر لفظيًا كبديل للمصافحة أو العناق، سيبدو الأمر غريبًا في البداية لكن قد يعتاده الناس بمرور الوقت.
كيف تعانق أحدهم بأمان؟
أثبت بحث جديد عن الحرمان من التلامس الجسدي بسبب كورونا، ارتفاع مقياس القلق والاكتئاب ومشاكل النوم والاضطرابات على عدد كبير من الناس سواء كانوا يعيشون بمفردهم أم مع آخرين.
ولأن فيروس كورونا ينتقل من الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس أو التحدث كما أنه قد ينتقل من أشخاص يحملون الفيروس دون أن تظهر عليهم أي أعراض، فإن العناق يحمل قدرًا من المخاطرة، وعليه فهناك بعض الاحتياطات التي يجب أن تلتزم بها عند العناق.
في البداية تجنب معانقة أي شخص مريض بالفيروس أو تظهر عليه أي أعراض، كما يفضل أن تبتعد عن معانقة كبار السن أو الأشخاص الذي يعانون من نقص المناعة أو أي أمراض أخرى لأنهم أكثر عرضة للخطر في حال إصابتهم.
ارتد قناعًا للوجه عند العناق وتجنب التقاء وجهك بوجه الطرف الآخر، ومن الأفضل حبس أنفاسك قدر المستطاع لتتجنب استنشاق أي رذاذ قد ينقل لك العدوى، وبالطبع يجب أن تغسل وتعقم يديك قبل وبعد العناق جيدًا وأن تتجنب ملامسة وجهك.
وقبل كل ذلك يجب أن يكون العناق بالتراضي التام بين الطرفين، فلا تقترب من عناق أحد دون التأكد من موافقته ورضاه، فموافقة الأشخاص ليست محل نقاش، ومع انتشار فيروس كورونا أصبح الوضع شائكًا والتأكد من موافقة الأشخاص على التلامس لا خلاف فيه.