ترجمة وتحرير نون بوست
في سنة 2018، قال لاعب كرة القدم مسعود أوزيل أثناء الإعلان عن اعتزاله اللعب الدولي مع المنتخب الألماني: “لدي قلبان، أحدهما ألماني والثاني تركي”. وبعد الموافقة على عرض النادي التركي فنربخشة بعد حوالي ثماني سنوات مع أرسنال، يبدو أن أحد القلبين بات ينبض الآن أكثر من الثاني.
ومنذ تأكيد الإشاعات التي تفيد بأن أوزيل عازم على العودة إلى تركيا، جعل المشجعون والسياسيون من عودة أوزيل إلى أرض الوطن حدثًا رياضيًا وسياسيًا في الآن ذاته.
ينتمي نادي فنربخشة لمدينة إسطنبول وهو من أكبر نوادي كرة القدم في تركيا وأوروبا. تضم القاعدة الجماهيرية لهذا النادي رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. وقد ساهم إعلان النادي على حسابه على تويتر عن انتقال أوزيل في إشعال مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، بإجمالي 300 ألف إعجاب.
تابع حوالي 312 ألف شخص مستجدات رحلته من لندن إلى تركيا لاستكمال إجراءات التوقيع على العقد، بينما أعلن نادي فنربخشة – الذي تبلغ ديونه حوالي 370 مليون دولار- أن سعر أسهمه قد ارتفع بنسبة 7 بالمئة في يوم واحد.
يقول أوزيل في تغريدة له: “لقد نشأت في ألمانيا وكنت منذ الطفولة من محبي فنربخشة، وكل شخص تركي- ألماني نشأ في ألمانيا يشجع فريقًا تركيًا. كان النادي الذي أشجعه هو فنربخشة. إن مكانة فنربخشة في تركيا مثل ريال مدريد في إسبانيا. إنه أكبر نادي في البلاد”.
من جهته، وصف مدير فنربخشة إيمري بيلوز أوغلو انتقال أوزيل إلى تركيا بـ “عملية مفيدة” لكلا الطرفين اللذين سيشهدان على فوز النادي “بالألقاب”. ولكن التاريخ الحافل للاعب الوسط ترك الناس يتساءلون عن تأثير تصريحاته المثيرة للجدل أيضًا.
اللاعب المسيّس
باعتباره أحد أكثر الانتقالات إثارةً خلال شهر كانون الثاني/ يناير، وأحد أضخم عقود فنربخشة منذ التعاقد مع نيكولا أنيلكا في 2005، فإن انتقال أوزيل إلى هذا النادي تم التعامل معه كحدث سياسي وذلك يعزى نسبيا إلى علاقته بأردوغان. وكانت أول مرة يرتبط فيها اسم هذا اللاعب مع السياسة عندما التقطت صورة له مع الرئيس التركي في فندق في لندن في أيار/ مايو 2018، وهو ما أثار جدلا في ألمانيا، حيث طُرحت عدة تساؤلات بشأن انتماءاته.
تعرض كل من مسعود أوزيل وإلكاي غوندوغان للانتقادات من قبل سياسيين بما في ذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على خلفية هذا اللقاء.
“أنا ألماني عندما نفوز، ولكن مهاجر عندما نخسر”، كانت هذه رسالة أوزيل التي ضمّنها في بيان أعلن فيه عن اعتزاله اللعب الدولي. بالمشاركة في 92 مباراة وتسجيل 23 هدفًا مع المنتخب الألماني الذي فاز في كأس العالم 2014، كان لأوزيل بصمة في المنتخب الألماني. ولكن صداقته مع أردوغان الذي حضر زواجه في 2019 بصفته إشبين العريس، كان بمثابة نقطة سوداء في تاريخ أوزيل الحافل بالإنجازات بالنسبة للكثير من محبيه في ألمانيا.
على الرغم من أن فنربخشة ليس له انتماء سياسي واضح، إلا أن أردوغان والنادي يجمعهما تاريخ مشترك. فعندما فاز حزب أردوغان “العدالة والتنمية” في الانتخابات في سنة 2002، علّق مشجعو فنربخشة رايةً كتب عليها “تركيا تستحق رئيس وزراء من مشجعي فنربخشة”. وفي نيسان/ أبريل 2007، خلال زيارة رسمية إلى سوريا، حضر أردوغان مباراة بين نادي فنربخشة والاتحاد السوري بمناسبة افتتاح ملعب حلب الدولي. ويبدو أنه ينبغي على النادي شكر أردوغان على تعاقده مع أوزيل.
وفقا لتقارير محلية، كان أوزيل على وشك قبول عرض من نادي دي سي يونايتد لكرة القدم الأمريكي، ولكن تم إقناعه خلال مكالمة هاتفية مع أردوغان بأنه سيكون “سعيدًا” بلعب “كرة القدم في بلده”. وهي سعادة تقاسمها منذ ذلك الحين مع آلاف المشجعين في تركيا، بما في ذلك من خلال رسائل الدعم من السياسيين الأتراك.
بعد أن نشر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين تغريدة قال فيها “مرحبا بك في وطنك” متوجهًا بها إلى أوزيل، أصبح وسم “سياسة بهشة” متداولا. وقد قال البعض إن انتقال أوزيل تقف وراءه أجندة سياسية، وهو ما أثار جدلا واسعًا حول الخلط بين السياسة وكرة القدم.
‘وطني محلي’
خلال اجتماع جمعه بنظيره الألماني هايكو ماس يوم الإثنين الماضي، قال جاووش أوغلو – الذي ولد في حي فنربخشة في إسطنبول – مازحًا: “أرجو أن لا تعترض هذه المرة على اجتماعه بأردوغان”، في إشارة إلى مسعود أوزيل.
تحدث أوزيل سابقا بالتفصيل عن صراع الانتماء بين النشأة في ألمانيا وزياراته إلى تركيا.
على خلفية أخبار انتقال أوزيل إلى النادي التركي، سارع النقاد الأتراك إلى التشكيك فيما إذا كان أوزيل تركيا بما يكفي ليحظى بهذا الاستقبال الحار، باعتبار أنه وُلد وترعرع في الخارج. وجادل كاتب العمود فاتح ألتايلي بأنه لا يمكن لأحد أن يعتبر أوزيل لاعبًا “وطنيًا محليًا”، وهي عبارة شعبية متداولة في تركيا تؤكد على أهمية أن يكون الشخص قد ولد وترعرع في بلده.
على الرغم من أن أوزيل يحمل الجنسية التركية، إلا أن لاعب الوسط تخلى عنها في سنة 2007 حتى يتمكن من اللعب بين صفوف المنتخب الألماني، نظرا لأن القانون الألماني لا يسمح بالجنسية المزدوجة. وقد أعرب المسؤولون في القنصلية التركية عن استيائهم من ذلك في البداية من خلال الإعراض عن مساعدته، ونعتوه فيما بعد بـ “الخائن” لتخليه عن وطنه الأم.
وتساءل فاتح ألتايلي، الذي يعد ناقدًا حذرًا للحكومة التركية ومشجعًا كبيرًا لمنافس فنربخشة نادي غلطة سراي، عما إذا كان انتقال اللاعب إلى تركيا كان عن طريق نادي فنربخشة أو “حزب سياسي”، منتقدًا بذلك كيف “تحاول الحكومة أن تجعل من مسعود أوزيل بطلا وطنيًا محليًا”.
إشعال منصات التواصل الاجتماعي
إن أوزيل معتاد على النقد وعلى جذب منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي للمسؤولين الغاضبين. ولطالما استعمل أوزيل منصات التواصل الاجتماعي للتنديد بـ الإسلاموفوبيا، وانتقاد ما يتعرض له المسلمون من أقلية الأويغور من انتهاكات من قبل السلطات الصينية، والتعليق على الصراع بين أذربيجان وأرمينيا حول ناغورني قرة باغ، ومناقشة المسائل الدينية والثقافية.
في حين أن أغلب منشوراته عن الدين تحمل رسائل دينية بسيطة، تضمن منشور شاركه في 15 كانون الثاني/ يناير قولا مأثورًا لابن القيم الجوزية – وهو فقيه غالبا ما يرتبط اسمه بالدوائر السلفية – ولم يكن مرحبًا به من قبل البعض في تركيا.
في ذلك الوقت، علّق حلمي دمير، وهو أستاذ في مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية التركية، قائلا: “أتمنى لو أن مسعود أوزيل، الذي اختار أن يكون جامع عثماني تركي في خلفية صورته، اختار عالما مناسبا لتلك الخلفية مثل قول مأثور لابن تيمية”.
كما أدت منشورات أوزيل الثقافية إلى اتهامه بأنه من المدافعين عن العثمانية الجديدة. وعندما سئل عن مسلسله المفضل خلال فقرته الشهيرة على تويتر “#اسأل مسعود” التي تتضمن أسئلة وأجوبة مع متابعيه البالغ عددهم 25.9 مليون على هذه المنصة، اقترح أوزيل ثلاثة مسلسلات تركية يعتبرها البعض أدوات دعائية لحكومة أردوغان.
وقد أثار الجدل على إنستغرام أيضًا في وقت مبكر من هذا الشهر، عندما نشر صورة له في منزله ظهرت فيها لوحات على الطراز العثماني بشكل واضح في الخلفية مع كتاب “عثمان شيك”، من تأليف مصمم الديكور الداخلي المولود في إسطنبول سيردار غولغون، كان موضوعًا على طاولة القهوة.
فضيحة التلاعب بنتائج المباريات
انتهت رحلة أوزيل مع أرسنال بشكل مرير. فقد قرّر النادي الإنجليزي النأي بنفسه عن أوزيل بسبب تصريحاته “السياسية” المتضامنة مع الأويغور، التي عرضته لنقد لاذع في الصين، ناهيك عن أن أداءه المخيب للآمال في الملعب، ورفضه التخفيض من راتبه في أعقاب جائحة فيروس كورونا، أدى إلى استبعاده من التشكيلة.
لقد انضم الآن إلى نادي ليس بعيدًا بدوره عن الفضائح. تورط نادي فنربخشة في فضيحة تلاعب بالنتائج في سنة 2011 بعد أن توج بطل الدوري التركي الممتاز، متقدما على نادي طرابزون سبور. اعتقل عشرات المسؤولين المتورطين في شبهة التلاعب بنتائج المباريات، بما في ذلك رئيس النادي عزيز يلدريم (من 1998 إلى 2018)، كما وقع التحقيق مع العديد من اللاعبين ورؤساء النوادي والوكلاء.
كما حرم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم النادي من المشاركة في موسمين من دوري أبطال أوروبا. ولكن في سنة 2016، زعمت لائحة اتهام قدمها المدعي العام لإسطنبول بأن التهم الموجهة ليلدريم وغيره كانت جزءًا من “مؤامرة” حاكها أنصار فتح الله غولن، المتهمين بتنظيم المحاولة الانقلابية لسنة 2016.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تم تبرئة يلدريم الذي سجن في سنة 2012 لأكثر من سنة وبقية المتهمين بعد أن أفضى التحقيق إلى أن القضاة والمدعين العامين وعناصر الشرطة الذين عملوا على القضية كانوا جزءًا من مؤامرة تخدم مصالح جماعة غولن على حساب فنربخشة ونوادي أخرى.
خلال المحاكمة، اتهم يلدريم علنًا كلا من “عناصر” جماعة غولن وحزب العدالة والتنمية على حد سواء بمحاولة “فرض سيطرتهم على كرة القدم التركية من خلال التأثير على الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد لمعاقبة نادي فنربخشة على تأييد الفكر الكمالي”.
ووفقا لبعض المعلقين الأتراك، فإنه تم تعيين أعضاء من حزب العدالة والتنمية على رأس مجلس فنربخشة لمساعدة الحزب الحاكم على توسيع نطاق نفوذه على النوادي الداعمة تقليديا للأحزاب الكمالية على غرار حزب المعارضة حزب الشعب الجمهوري.
المصدر: ميدل إيست آي