لم تكن بداية سنة 2021 مفرحة بالنسبة للجزائريين، بعد عودة هاجس العشرية السوداء التي عاشوها في تسعينيات القرن العشرين إلى الواجهة، وأثار مقتل 5 أشخاص مدنيين في انفجار لغم تقليدي الصنع تخوفًا عارمًا في البلاد، خاصة أن هذا الحادث لا يعد الأول من نوعه، حيث سبقته اشتباكات مسلحة بين الجيش ومجموعة إرهابية كانت تتحصن في منطقة جبلية على بعد 70 كيلومتر فقط عن العاصمة الجزائرية.
وأنهى الجزائريون، الأربعاء الماضي، على وقع خبر نزل على آذانهم كالصاعقة، مفاده مقتل خمسة مواطنين وإصابة ثلاثة بجروح متفاوتة الخطورة إثر انفجار قنبلة تقليدية الصنع بمحافظة تبسة على الحدود مع تونس، وبحسب التفاصيل التي كشفتها وزارة الدفاع الجزائرية فإن الحادثة وقعت عند مرور مركبة كان على متنها الضحايا، دون أن تحدد الوزارة الوصية هوية اللغم وحتى الجهة التي تقف وراءه، ودعت في بيانها “المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر وتفادي التنقل في المسالك المشبوهة التي يعرفها سكان المنطقة”، وهو نفس التحذير الذي أطلقه قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، قبل الحادثة بساعات قليلة فقط، إذ حذر من خطورة التحديات التي تعترض الجزائر حاليًّا.
وقبل هذه الحادثة الأليمة التي وصفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ”عمل جبان وهمجي” باعتبارها الأعنف في السنوات الثلاثة الماضية، فمنذ عام 2017، لم تشهد البلاد أي هجمات إرهابية ما عدا بعض المواجهات في الجبال والغابات حيث يتحصن فلول تنظيم القاعدة، وقعت اشتباكات مسلحة بين عناصر من الجيش الجزائري ومجموعة إرهابية في منطقة “مسلمون” بمحافظة تيبازة شمال البلاد، أدت إلى قتل 6 عناصر إرهابية ومصرع 3 عسكريين، واستدعت هذه الحادثة انتقال قائد الأركان سعيد شنقريحة إلى المنطقة.
وبنفس التوقيت تقريبًا تم إبطال مفعول قنبلة تقليدية، بمدينة زموري التابعة لمحافظة بومرداس القريبة من العاصمة شمالي البلاد، وتصنف هذه المنطقة ضمن المناطق الساخنة خلال سنوات العشرية السوداء، وعثر أيضًا في الساعات الماضية على مخبأ للإرهابيين يحتوي على 5 قذائف هاون في محافظة باتنة شرقي البلاد بالإضافة إلى قنبلة يدوية ومعدات تفجير.
فرنسا في قفص الاتهام
وتزامنًا مع هذه المحاولات، تفاقمت التحذيرات في البلاد من محاولات استقرار البلاد وأمنها، إذ قطع قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، الشك باليقين بعد تأكيده من مدينة بشار، على الحدود مع المغرب، عزم الجزائريين على دحر المخططات المعادية التي فشلت في توظيف الإرهاب وجعله وسيلة أخرى من الوسائل الدنيئة والهدامة لتحقيق الأهداف المشبوهة والمغرضة، وجدد شنقريحة أمام إطارات الجيش الجزائري ضرورة إيلاء مسألة تأمين الحدود أهمية قصوى وفقًا لإستراتيجية متكاملة.
ومنذ أيام قليلة فقط، وبالتحديد في اليوم الأخير من عام 2020 ضبط مبلغ مالي بالعملة الصعبة يقدر بـ80 ألف يورو، كشفت التحقيقات والتحريات الأمنية التي أجريت أنه يمثل دفعة أولى من فدية مقابل إطلاق إرهابيين ومجموعة من الرهائن الغربيين في مالي بينهم الرهينة الفرنسية التي اعتنقت الإسلام صوفي بترونين، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويعتقد الخبير في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي مبروك كاهي، أن الجزائر تواجه جماعات إرهابية وظيفية تطبق أجندات خارجية، ويقول لـ”نون بوست” إن الجزائر اليوم تتحمل عبء سوء تسيير فرنسا لملف الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي إضافة إلى هشاشة المنطقة بسبب الانفلات الأمني في دول الجوار على غرار مالي التي تواجه أزمة مزدوجة والأزمة في ليبيا وحرب البوليزيو مع المغرب.
ورغم كل الأحداث الأمنية المتسارعة التي شهدتها البلاد في الأيام الأخيرة، فإن الخبير في الشؤون الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي أكد أن تنظيم القاعدة الذي كان ينشط في سنوات التسعينيات غير قادر على التموقع مجددًا في البلاد لعدة أسباب أبرزها اندثار القاعدة الأيديولوجية لها وحلم إقامة الدولة الإسلامية، إضافة إلى الإجماع الدولي على محاربة الظاهرة وقوة الأجهزة الأمنية وسرعة تعاملها مع الوضع، فالجماعات الإرهابية باتت أشبه بالجماعات الإجرامية الخارجة عن القانون، فقوات الأمن قادرة على الوصول إلى عمق معاقلها وتدميرها ومصادرة أموالها وأسلحتها.
فخلال الفترة الممتدة بين 30 من ديسمبر/كانون الأول 2020 حتى يناير/كانون الثاني الحاليّ، قضت قوات الجيش الجزائري على ستة إرهابيين وجرى استرجاع 6 أسلحة نارية وكمية من الذخيرة في اشتباكات على بعد 70 كيلومترًا من الجزائر العاصمة، إضافة إلى تدمير 3 قنابل تقليدية الصنع في محافظة بومرداس وسط البلاد.
محاولة للتموقع
لا يبدي الخبير الأمني أحمد ميزاب تفاؤلًا بتطورات الوضع الأمني في البلاد، إذ يقول لـ”نون بوست” إن هناك محاولات لربط بقايا الجماعات في الداخل بالخلايا النشطة في بؤر التوتر بعد استفادتها من الدعم سواء المادي أم البشري، إذ تعززت صفوفها بعد عودة مقاتلين من بؤر التوتر في الشرق الأوسط، ويضيف أن المخاطر في تزايد مستمر بسبب حالة اللاأمن والفوضى بدول الجوار، فالمخاطر الأمنية العابرة للحدود بكل أنواعها آخذة لمنحى تصاعدي، كما أن الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد تشهد يوميًا محاولات اختراق.
ويرى محدثنا أن العمليات الأمنية التي قام بها الجيش الجزائري والزيارات الميدانية لرئيس أركان الجيش إضافة إلى الضربات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية في العمق تؤكد على اليقظة والجهوزية التامة للجيش الجزائري.
أما بالنسبة للخبير الأمني علي زاوي، فإن هناك عدة عوامل ساهمت في عودة حراك بقايا التنظيمات الإرهابية إلى الواجهة أبرزها حصولها على جزء من الصفقة التي أبرمت شهر أكتوبر/تشرين الثاني مع فرنسا في بلدة حدودية تقع على خط تماس مع منطقة شمال مالي، ويستدل المتحدث بنوعية الأسلحة الثقيلة والقطع والمعدات والمتفجرات التي يعثر عليها الجيش يوميًا في مخابئ الإرهابيين، إضافة إلى ذلك يذكر علي زاوي عودة مقاتلين من سوريا واليمن إلى منطقة الساحل الإفريقي.
وأمام اتساع رقعة الاتهامات الموجهة لفرنسا بعقد صفقات مشبوهة مع أخطر التنظيمات الإرهابية في شكل فدية واعتراف إرهابيين كانوا ضمن الصفقة ألقي القبض عليهم من طرف الجيش الجزائري في مناطق متفرقة من البلاد بحصولهم على دفعة أولى من عائدات الفدية، تتمسك فرنسا بخطابها المزدوج، إذ شدد رئيسها إيمانويل ماكرون على معارضة فرنسا الكاملة لأي مفاوضات مع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وقال في مقابلة أجراها مع مجلة “جون أفريك” في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: “مع الإرهابيين، لا نتناقش، بل نقاتل”.
أما رئيس وزرائها جان كاستيكس، فقد نفى في تصريح صحفي أدلى به بتاريخ 12 من أكتوبر/تشرين الأول 2020، مفاوضة بلاده للجماعات الإرهابية، ولخص ما حدث بالقول إنها “كانت مبادرة إنسانية للإفراج عن المواطنة الفرنسية”.