واجه لبنان عددًا من الأزمات في الماضي القريب، كانت أحدث موجة من العنف في الجزء الشرقي من البلاد حيث يقاتل الجيش اللبناني متشددين عبروا الحدود السورية، يعتقد الكثير من اللبنانيين أن خطر العنف يرتبط بشكل مباشر باللاجئين السوريين الذين استقروا في المدن والقرى في جميع أنحاء لبنان.
تقول “رجاء عبود” وهي مديرة عيادة صحية في البازورية، وهي قرية جنوب لبنان: “على مدى السنوات العشرين الماضية، اعتدنا نحن اللبنانيون أن نتعامل مع حالات الطوارئ، تلك الحالات كانت تستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، لكن الطوارئ امتدت هذه المرة لأكثر من عامين، وهذه فترة طويلة للغاية”.
الأمن ليس هو مصدر القلق الوحيد المرتبط باللاجئين، فعيادة رجاء عبود على سبيل المثال تعالج بين 60-70 حالة يوميًا، 90٪ منهم من السوريين، معظمهم من النساء والأطفال الصغار، وفقًا للمفوضية الأممية لشئون اللاجئين، فإن لبنان يستضيف حاليًا نحو 1.1 مليون لاجئ سوري على الرغم مما يشاع من أن العدد غير الرسمي قد يكون ضعف ذلك الرقم.
العديد من اللاجئين السوريين استقروا في المناطق الريفية حيث تكاليف المعيشة أقل مما هي عليه في بقية أنحاء البلاد، وحيث البنية التحتية هي من أضعف ما يكون، هذه المناطق هي موطن أفقر المجتمعات اللبنانية، هؤلاء يعانون من نقص حاد في الكهرباء والماء، ومع وجود أكثر من مليون لاجئ، فإن الضغط يزداد على المرافق العامة مثل المياه والكهرباء، ويزداد الطلب على الوظائف والسكن؛ وهو ما يرفع الأسعار ويهبط بالرواتب.
قطاع الصحة في لبنان مضغوط بشدة أيضًا، حيث يخدم عددًا أكبر من المرضى، يشعر الكثير من اللبنانيين أنهم لا يعاملون بعدل، فمعظم المساعدات الدولية تصل إلى السوريين، اليوم، هناك توترات بين اللاجئين السوريين والمجتمع المضيف لهم في لبنان، لاسيما في قطاع الرعاية الصحية وأثناء تسليم واستلام المساعدات، وفي بعض الأحيان هذا يثير غضب اللبنانيين الذين يكافحون من أجل تأمين نفقات الإيجار وتكاليف المرافق الأساسية والرعاية الصحية.
“عاملونا كسوريين!”
في معظم الحالات، يدفع اللاجئون السوريون أقل بثلاث أو أربع مرات مما يدفعه المرضى اللبنانيون لرؤية الطبيب، “لدينا مرضى لبنانيون يشكون كثيرًا من الفرق في الرسوم، وأحيانًا يقولون لنا اعتبرونا سوريين!” هكذا تقول رجاء عبود، بينما تؤكد لاجئة سورية على استحياء “إنهم يشكون أمامنا بصوت عال! هذا يجعلني أشعر بعدم الراحة لكنني أبقى هادئة”.
ظهور المساعدات الإنسانية للسوريين والاهتمام بالقضية السورية يجعل الكثير من اللبنانيين يعتقدون أن السوريين يحصلون على “كل شيء مجانًا”، لكن في الواقع، المنظمات العاملة على الأرض تعاني من نقص في التمويل كما أن طاقاتها تم استنزافها تمامًا؛ وبالتالي أصبحت غير قادرة على توفير احتياجات جميع السوريين المعرضين للخطر.
يعتقد الكثير من اللبنانيين أن السوريين يستغلون النظام، وفقًا لمنال، وهي ممرضة في المركز الصحي في البازورية، يبيع بعض السوريين الأدوية الزائدة عن حاجتهم والتي تتراكم لديهم، “مررت بمركز صحي آخر ورأيت عددًا من المرضى الذين يأتون إلينا ينتظرون هناك في غرفة الانتظار، بهذه الطريقة يحصلون على الدواء أيضًا ويبيعونه لكسب المال”.
يشكو بعض اللبنانيين أيضًا من النقص في الأدوية حيث إن كميات ضخمة من تلك الأدوية تم حجزها من أجل السوريين، الممرضات في العديد من العيادات يؤكدن أن الأدوية التي تأتي للبنانيين والسوريين تأتي من قنوات مختلفة، وإذا نفذ دواء مخصص للبنانيين من المخازن، فإن لا أحد يمكنه أن يستفيد من الأدوية المخصصة للسوريين، اللاجئون من جانبهم يشكون من ظاهرة عكسية: يقول أحد السوريين الذي يعاني من ارتفاع ضغط الدم “أحيانًا نرى الأدوية مخزنة بالأكوام على الرفوف، لكن العاملين في العيادات يقولون لنا إنهم لا يملكون الدواء، وهو ما يعني أننا مضطرون لشرائه من الخارج، وهذا أمر مكلف”.
بعض المراكز الصحية في هذه المرحلة لا يأتي إليها سوى السوريين، الأطباء والممرضات قلقون بشكل متزايد بسبب تناقص عدد مرضاهم اللبنانيين الذين اختاروا تجنب الانتظار في غرفة مليئة بالنساء والأطفال من اللاجئين السوريين، تقول رجاء “في البداية لم نستطع أن نصدق عدد المرضى السوريين الذين جاؤوا إلينا، كانت غرف الانتظار ممتلئة عن آخرها، كانوا يقفون في المطبخ، وفي الشرفة، وفي كل مكان! كان الجيران اللبنانيون يأتون ليسألوا عما يحدث، كانوا يسألون ببساطة لأن الطوابير كانت طويلة جدًا”.
أحد الإحباطات الكبرى للعاملين في مجال الصحة أو المرضى اللبنانيين هو نقص النظافة بين اللاجئين، “منى شاكر”، وهي رئيسة عيادة في صور، تؤكد أن المرضى اللبنانيين يخافون من التقاط العدوى من السوريين:” اللبنانيون لا يريدون أن يعالجوا بنفس المعدات الطبية التي يعالج بها السوريون، ولا يريدون أن يجلسوا بجانبهم”، وفي الوقت الذي يدرك فيه العاملون في مجال الصحة كم المصاعب التي تواجه السوريين، وكذلك الظروف المعيشية السيئة للغاية في كثير من الأحيان، والتي تشمل أيضًا عدم وجود مرافق مياه أو صرف صحي، إلا أنهم يقفون بقوة مع المرضى اللبنانيين في إظهار درجة معينة من العداء تجاه السوريين.
علاج التوتر، معالجة الأعراض
على مدى السنوات القليلة الماضية، أُدخلت بعض التعديلات على النظام الصحي من قبل العاملين في مجال الصحة بهدف الإبقاء على المرضى اللبنانيين وتجنب تصعيد التوتر، أحد هذه التعديلات هو خدمة المرضى اللبنانيين أولاً عبر تحديد مواعيد مسبقة بحيث لا يضطرون للانتظار خلف السوريين، تقول منال: “أولاً، يدخل جميع المرضى اللبنانيين، ثم يدخل السوريون، وإذا أتى مريض لبناني متأخر، نُدخل سوري أو اثنين قبله قبل أن ندخله سريعًا”.
في نظر الممرضة، من المهم أن يدخل بعض السوريين أولاً قبل السماح للمريض اللبناني بالدخول، بهذه الطريقة، لن يكون واضحًا بالنسبة للسوريين أن الممرضات تفضلن اللبنانيين عليهم، واعتمادًا على الموارد وحجم الموارد الصحية، بعض المراكز أخذت خطوات لفصل اللبنانيين عن السوريين في غرف الانتظار، مرة أخرى، يدرك السوريون جيدًا أن المرضى اللبنانيين لا يحبون الانتظار معهم، أو لا يحبون الانتظار بسببهم، ويدركون كذلك أنهم يتلقون معاملة تفضيلية.
ومع عدم وجود نهاية منظورة للصراع في سوريا، من المتوقع أن يواصل عدد اللاجئين في لبنان الارتفاع، وبالتالي من المرجح أن تزداد التوترات حول الرعاية الصحية، فما الذي يمكن عمله؟ أولاً، اللبنانيون يحتاجون إلى أن يدركوا كم ونوع المساعدات التي يحصل عليها السوريون، فنظرًا لنقص التمويل، ولجمود معايير المساعدة، لا يحصل جميع السوريين الذين يحتاجون للمساعدة عليها فعلاً!
ثانيًا، العاملون في مجال الصحة – سواء كانوا يريدون ذلك أم لا – غالبًا ما يلعبون دور الوسيط بين اللبنانيين والمجتمعات السورية، إنهم يعملون لساعات طويلة، ويخدمون أعدادًا أكبر من المرضى، وهم معرضون للضغط على نحو متزايد في أماكن عملهم، دورهم كوسطاء في ذلك الصراع بشكل يومي يحتاج إلى أن يتم الاعتراف به ودعمه، على سبيل المثال من خلال إعطائهم تدريبات لإدارة التوتر والإجهاد وفي مهارات التواصل.
بالإضافة إلي ذلك، هناك حاجة ماسة لبناء الثقة للقضاء على الانحياز والمفاهيم الخاطئة، في بعض الأماكن، تم تشخيص ذلك الاحتياج! وسيكون المستهدف أولاً هم العاملون في المجال الصحي والاجتماعي والوكالات الإنسانية.
شددت “منى شاكر” على الحاجة إلى إشراك بعض اللبنانيين من الفئات المستضعفة في الجهود الإنسانية الموجهة نحو السوريين، من أجل إشعارهم بالاحتواء والاندماج، على سبيل المثال، دورات التوعية وورش العمل المتعلقة بالنظافة والتغذية والزواج المبكر، يمكنها أن تصل لكل الأطراف.
تقول منى “قمنا بتوزيع حفاضات مجانية للأمهات السوريات واللبنانيات، كانت الأمهات اللبنانيات سعيدات للغاية لإدراجهن ولحصولهن على شيء مجاني! وكذلك أقول لجميع المتبرعين لنا: إذا تبرعت فإن أموالك ستذهب لمن هم في حاجة إليها، بغض النظر عن جنسيتهم، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين أو عراقيين أو فلسطينيين”.
بعض الأسماء تم تغييرها بهدف الإبقاء على سرية المتحدثين
المصدر: ميدل إيست آي