ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أدى فرانكلين ديلانو روزفلت اليمين الدستورية في الرابع من آذار/ مارس 1933، كان ربع الأمريكيين في ذلك الوقت عاطلين عن العمل وكان عدد كبير منهم يعيشون في مدن الصفيح. بعد أول 100 يوم من توليه المنصب، كان روزفلت قد مرر 15 مشروع قانون عبر الكونغرس، وقام بتجديد الأنظمة المالية والزراعية ووسع برنامج الإغاثة من البطالة ووضع الأساس للانتعاش الاقتصادي.
بعد تسعة عقود، ها هو رئيس ديمقراطي آخر، جوزيف بايدن جونيور، يدخل البيت الأبيض في وقت أزمة غير عادية. أدت جائحة تحدث مرة واحدة في القرن إلى مقتل أكثر من 400 ألف أمريكي وخسارة ما يقرب من 10 ملايين وظيفة. يتعين على الرئيس الجديد أن يتعامل مع تغير المناخ ويرسي العدالة العرقية ويحد من الاستقطاب السياسي والانقسامات.
كان الرئيس بايدن يدرس نموذج روزفلت بينما يضع مخطط عمل للأشهر الأولى في منصبه. ويقول رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلاين: “نحن مقدمون على ذلك وكلنا عزم على مواجهة هذه التحديات بتوفير حلول جذرية لمثل هذه المشاكل الكبيرة. هدفنا هو حشد البلاد والكونغرس وراء ذلك، والبدء في إجراء التغييرات اللازمة لمعالجة هذه المشاكل الرهيبة”.
تُرجمت هذه المهمة إلى موجة افتتاحية من الإجراءات التنفيذية التي اتخذها بايدن. في غضون ساعات من تنصيبه، انضم بايدن مجددًا إلى اتفاقية باريس ومنظمة الصحة العالمية وألغى ما يسمى بحظر المسلمين الذي وضعته إدارة ترامب، الذي فرض قيودًا على الهجرة من مجموعة من الدول ذات الأغلبية المسلمة. وكانت هذه التحركات تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن رئاسته ستتجنب النزعات الانعزالية لسلفه.
ستركز الأشهر الثلاثة الأولى لبايدن على أكثر من مجرد الإشارة إلى تحول في النهج المعتمد. توضح المقابلات وجلسات الإحاطة مع أكثر من عشرة من المساعدين والمستشارين الخارجيين للإدارة الجديدة أن بايدن سيركز على هدفين رئيسيين: الحد من انتشار فيروس كوفيدـ19 وتقديم المساعدة الاقتصادية للأسر المحتاجة. وبحلول 30 نيسان/ أبريل، الذي يصادف اليوم المائة لبايدن في منصبه، تأمل الإدارة أن يكون 100 مليون أمريكي قد تلقوا اللقاح وأن يُسمح لقانون الإنتاج الدفاعي العام بزيادة إمدادات اللقاح وأن يقع إعادة فتح غالبية المدارس الابتدائية والمتوسطة بأمان.
كان مساعدو بايدن وخبراء السياسة – الذين يعمل معظمهم عن بعد ويجرون اجتماعات عبر تطبيق غوغل ميت – يسعون جاهدين لوضع مجموعة من السياسات والتغييرات التنظيمية واللغة التشريعية ليقع طرحها خلال الأسبوع الأول. والبرامج التي يستطيع بايدن تنفيذها من الجناح الغربي، مثل الإشراف على توزيع اللقاح بشكل منظم وتشجيع الأمريكيين على التطعيم، ستتطلب مستوى من الانضباط والتنظيم لم يشهده البيت الأبيض منذ أربع سنوات.
يوجد أيضًا تحديات خارجة عن إرادة البيت الأبيض. لتمويل كل من خطط توزيع اللقاحات وخطط التحفيز الاقتصادي، تحتاج إدارة بايدن إلى تأييد الكونغرس الذي يعاني بدوره من الانقسامات. وقد حث بايدن المشرعين على التحرك بسرعة لتمرير نسخة من حزمة الإغاثة البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار التي اقترحها في 14 كانون الثاني/ يناير، ولكن لم يتضح بعد حجم الدعم الجمهوري الذي يمكنه حشده. وحتى مع سيطرة الديمقراطيين الضيقة على المجلسين، قد تتباطأ وتيرة المفاوضات بسبب انشغال مجلس الشيوخ بمحاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب.
تأمل الإدارة الجديدة في الاستفادة من الدعم الواسع للتحفيز الاقتصادي لدفع أجندة تقدمية، بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور الوطنية إلى 15 دولارًا في الساعة وتوفير المزيد من التمويل لعيادات الرعاية الصحية المجتمعية – وهي سياسات تقول إنها ستؤدي إلى انتعاش طويل الأجل. في هذا الصدد، يقول رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض السابق، الذي شغل هذا المنصب عندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه وسط الركود العظيم في كانون الثاني/ يناير 2009: “إنها النظير المحلي لنظرية الدومينو. إذا سيطرت على فيروس كوفيد، ستحصل على اقتصاد نشط”.
من جهته، يقول رون كلاين إن الهدف هو إدارة الأزمات المتعددة التي تواجه الولايات المتحدة بطريقة تجعل الأمة تخرج من فترة مضطربة وهي أقوى وأكثر توحيدًا. إليك معلومات حول ما يمكن توقعه من إدارة بايدن خلال أول 100 يوم له في الرئاسة.
كبح الوباء
تسير حملات التطعيم بشكل أبطأ من المتوقع، بينما يستمر معدل الإصابات في الارتفاع، ويتوقع بعض الخبراء أن يموت ما يصل إلى 700 ألف أمريكي من المرض قبل التمكن من احتوائه. ينوي بايدن تغيير ذلك من خلال الإسراع في توزيع اللقاح والعمل على تقليل الإصابات الجديدة. يقول كلاين: “لا يمكنك فعل ذلك بإجراءات غير مكتملة. أنت بحاجة إلى تقديم كل ما لديك”. تتوقف خطة طرح اللقاح على برنامج فيدرالي قيمته 20 مليار دولار من شأنه أن يوفر مساعدة مباشرة للمسؤولين المحليين.
بينما كانت إدارة ترامب ترى أن دورها يتمثل في إيصال اللقاحات إلى الولايات ثم تركها لتحديد كيفية توزيع الجرعات، سيشارك فريق بايدن في توزيع إمدادات اللقاح على السكان ذوي الأولوية. يقول الدكتور هوارد فورمان، أستاذ الصحة العامة والإدارة في جامعة ييل الذي قدم المشورة لحملة بايدن: “نريد أن نرى الحكومة الفيدرالية تنسق عمليات توزيع المزيد من الجرعات بين الولايات وحتى داخل الولايات بين دور رعاية المسنين وعامة الناس، حتى لا نسمح للمخزون بالبقاء دون استخدام في المناطق التي يقل فيها الطلب”.
لتفعيل هذا البرنامج الفيدرالي، عينت الإدارة الجديدة فريقًا من خبراء الصحة العامة، بما في ذلك المفوض السابق لوزارة الصحة في شيكاغو، الدكتور بشارة شقير، الذي سيكون منسقا للتطعيم في البيت الأبيض، والدكتور ديفيد كيسلر، الرئيس السابق لإدارة الغذاء والدواء. سيعمل كيسلر مع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية لزيادة إمدادات اللقاح، بينما سيدير شقير الاستجابة من الجناح الغربي. وتخطط الإدارة الجديدة لاستخدام قانون الإنتاج الدفاعي لتكثيف إنتاج إمدادات اللقاح ومعدات الحماية. كما ستحرص على تسهيل حصول العاملين الأمريكيين على اللقاح. وسوف يمول مشروع قانون الإغاثة المقترح الأيام المرضية للعمال ذوي الدخل المنخفض الذين قد يحتاجون إلى إجازة لتلقي التطعيم أو للتعافي من أي آثار جانبية.
قبل توسيع نطاق حملة التطعيم، سيطلق الرئيس بايدن حملة لنزع الطابع السياسي لارتداء أقنعة الوجه. وهو يخطط لدعوة رجال الأعمال والزعماء الدينيين – بما في ذلك القساوسة والحاخامات والأئمة – للدعوة إلى ارتداء أغطية الوجه. كما سيناشد بايدن الأمريكيين مباشرة لإطلاق “تحدي” الأقنعة لمدة 100 يوم، الذي تقوم شروطه على الموافقة على تغطية أنوفهم وأفواههم في الأماكن العامة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته على الأقل.
ألقى مسؤولو الإدارة الجديدة باللوم على أسلافهم على حجم التحديات التي وجدوها، إذ لم يكن لدى إدارة ترامب استراتيجية فيدرالية شاملة. يقول جيفري زينتس، الذي ينسق استجابة إدارة بايدن للوباء، “إنهم لم يقوموا أبدا بوضع البنية التحتية في شكلها المناسب لضمان وصول اللقاحات إلى جميع سكان الولايات المتحدة”. ومن جانبهم، يقول خبراء الصحة إن إقناع المتشككين بارتداء الأقنعة بعد مرور سنة تقريبًا على انتشار الوباء لن يكون بالأمر الهين.
حسب الدكتورة لينا وين، مفوضة الصحة السابقة في بالتيمور والأستاذة الحالية في كلية الشؤون العامة بجامعة جورج واشنطن: “لقد مرت حوالي سنة من نشر المعلومات المضللة حول الوباء، وسيكون إصلاح ذلك مهمة خارقة للعادة، حيث ستكون المشكلة الرئيسية لبايدن هي كسب ثقة نصف السكان الذين لم يصوتوا له”.
إنعاش الاقتصاد
يعتقد معظم الاقتصاديين أنه بمجرد أن ينحسر تهديد كوفيد-19 من خلال التطعيمات الجماعية ومناعة القطيع، سيبدأ الاقتصاد في الانتعاش من تلقاء نفسه. لكن الجدول الزمني الموضوع لبلوغ هذا الهدف لا يخلو من العثرات، ذلك أنه حتى إذا نجحت خطط بايدن لتسريع توزيع اللقاح، فمن غير المتوقع أن تتمكن الدولة من تحقيق هذا الإنجاز قبل حلول الصيف أو الخريف. ويركز اقتراح التحفيز الاقتصادي الصادر عن بايدن في 14 كانون الثاني/ يناير بشكل كبير على تخفيف وطأة الوباء حتى ذلك الحين.
من المنتظر أن يمدد الاقتراح تأمين البطالة المحسن الأسبوعي إلى غاية أيلول/ سبتمبر، مع الترفيع فيه من 300 دولار إلى 400 دولار، مع إرسال 1400 دولار من المدفوعات المباشرة لمعظم الأمريكيين. ستحوّل الخطة أيضا 130 مليار دولار إلى المدارس لمساعدتها على إعادة فتح أبوابها بأمان، فضلا عن تقديم منح بقيمة 15 مليار دولار للشركات الصغرى للمساعدة في استكمال الإيرادات المفقودة. (يقول بايدن إنه سيقترح جولة ثانية من التشريعات في شباط/ فبراير تركز على خلق فرص العمل).
في مجلس الشيوخ المقسم بالتساوي، لن يحتاج بايدن إلى دعم ديمقراطي موحد فحسب، بل هو في حاجة أيضًا إلى أصوات 10 جمهوريين على الأقل من أجل تمرير مثل هذا التشريع، حيث أعرب العديد من الجمهوريين بالفعل عن صدمتهم من هذه القرارات. ويمكن للديمقراطيين تفادي شرط 60 صوتًا من خلال استخدام إجراء ميزانية غامض يُعرف باسم المصالحة، ولكن من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقييد نطاق الحزمة وتقويض رسالة بايدن التي تسعى لتحقيق التعاون بين الحزبين.
يدرك كلاين، رئيس موظفي البيت الأبيض، هذه التحديات وهو يعتقد أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين المطلعين على خطط بايدن متشككون بشأنها، حيث “قال الكثير منهم إنهم يعتقدون أن السعر باهظ. وكانت إجابتهم أن التحديات كبيرة”.
أقرّ السيناتور الديمقراطي عن ولاية ديلاوير كريس كونز، المستشار المقرب من بايدن الذي ساعد في التوسط في صفقة إغاثة من الحزبين في كانون الأول/ ديسمبر الماضي التي بلغت قيمتها 900 مليار دولار، إنه متفائل بحذر لا سيما في أعقاب أحداث الشغب التي حدثت في السادس من كانون الثاني/ يناير في مبنى الكابيتول. وقد أوضح قائلًا: “يتباحث قادة كلا الحزبين بجدية في مدى انقسامنا ويدركون أننا بحاجة إلى أن نظهر للشعب الأمريكي أن الكونغرس يمكنه العمل وتحقيق إنجازات”.
لا يعتمد كل جدول أعمال بايدن الاقتصادي على الكونغرس. فقد طلب تمديد التعليق الفيدرالي لعمليات الإخلاء وحبس الرهن العقاري حتى 31 آذار/ مارس، وتأجيل دفع قروض الطلاب حتى تاريخ 30 أيلول/ سبتمبر. ولكن هناك حدود لما يمكن للسلطة التنفيذية أن تفعله بمفردها. ويرى كينيث ماير، وهو أستاذ بجامعة ويسكونسن – ماديسون يدرس الأوامر التنفيذية، أنه لا توجد عصا سحرية يستطيع الرئيس استخدامها لتوليد المزيج الأمثل من النمو الاقتصادي والبطالة والتضخم.
المناخ والعنصرية
يقول المستشارون إن الأزمات المزدوجة للعدالة العرقية وتغير المناخ تشغل بال الرئيس جو بايدن. يوم 20 كانون الثاني/ يناير، أصبح بايدن أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يدين صراحة تفوق البيض في خطاب التنصيب. وتتناول خطة التحفيز المقترحة من قبل إدارته العديد من النقاط التي طرحتها حركة “حياة السود مهمة”. ويشمل ذلك مساعدة المجتمعات الملونة المتضررة بشكل غير متناسب من الوباء، وتمويل أشغال توسيع المراكز الصحية المجتمعية، وإعطاء الأولوية لإغاثة الشركات الصغرى التي تملكها الأقليات.
كلف بايدن رئيسة مجلس السياسة الداخلية سوزان رايس بالإشراف على مبادرات العدالة العرقية التي ستقيّم كيف يمكن للحكومة أن تزيد من الموارد الموجهة لمجتمعات الأقليات وتضمن التنوع داخلها. ومن المقرر أن يُطلق بايدن مبادرات لتوسيع وصول النساء ذوات البشرة الملونة إلى الرعاية الصحية وإصلاح نظام العدالة الجنائية.
تشمل مجموعة أخرى من التحركات المبكرة استجابة الولايات المتحدة لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. وإلى جانب الانضمام إلى اتفاقية باريس، ألغى بايدن تصريح خط أنابيب كيستون وأمر الوكالات الفيدرالية بإعادة تنفيذ اللوائح البيئية التي كان سلفه قد تخلى عنها، مثل القواعد المتعلقة بانبعاثات الميثان في صناعة النفط والغاز. وقد سبق لبايدن أن أعرب عن استعداده لاستخدام القوة الشرائية للحكومة الفيدرالية لدفع الطلب على المنتجات الخضراء، وهي خطوة يتوقع الخبراء أن يقوم بها في وقت مبكر من خلال تكليف الوكالات الفيدرالية بشراء سيارات منخفضة الانبعاثات والسلع الأخرى الصديقة للبيئة.
تخطط الإدارة أيضًا لعكس عدد كبير من سياسات ترامب بشأن الهجرة. وبالفعل، طرح بايدن مشروع قانون من شأنه أن يسهل إجراءات طلب المواطنة لملايين المهاجرين غير الشرعيين ويعزز مساعدات التنمية لدول أمريكا الوسطى. ويخطط بايدن أيضًا لتشكيل فريق عمل لمحاولة لم شمل أكثر من 600 طفل انفصلوا عن ذويهم بعد عبور الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك بموجب سياسة “عدم التسامح” التي انتهجها ترامب. ومن المتوقع أن يلغي بايدن العمل بسياسة ترامب التي حاولت استبعاد المهاجرين غير الشرعيين من إحصاءات السكان.
في حين يؤكد كبار مساعدي ومستشاري بايدن على أنه لن يتم حل أي من الأزمات المتشابكة التي تعاني منها الولايات المتحدة خلال الأيام المئة الأولى من رئاسته، فإنهم يعلمون أيضًا أن فترة شهر العسل قد تكون أفضل فرصة للرئيس الجديد لترك بصمة. ويقول كلاين: “ما نعِد به الشعب الأمريكي هو التقدم في تلك الأيام المئة، والكثير من العمل الشاق، وإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة. سيكون هذا مقياس نجاحنا”.
المصدر: تايم