إلى حدود اليوم تستمر القطيعة الدبلوماسية بين المغرب وإيران، ولا بشائر تلوح في الأفق بعودة العلاقة بين البلدين، خاصة أن طهران تجاوزت حدود الاعتراف بجبهة البوليساريو إلى دعمها بالسلاح والتدريب العسكري، مساندة حلمها بإقامة جمهورية صحراوية في المنطقة المتنازع عليها.
لكن غاية إيران الحقيقية تكمن في اختراق شمال وغرب إفريقيا، لعلها تجد لنفسها منفذًا لتوسيع هيمنتها على القارة السمراء برمتها.
إيران تنكر الاتهامات
عام 2018 قررت الرباط إغلاق السفارة الإيرانية وترحيل سفيرها، بعدما بينت بالدليل القاطع تسليح النظام الإيراني لجبهة البوليساريو وتوفير التدريب العسكري لعناصرها بمساعدة حزب الله اللبناني الشيعي، وشملت الأسلحة الإيرانية الموجهة لمليشيات الجبهة الانفصالية قاذفات صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ من طراز SAM-9 وSAM-11 حسب ما جاء في وثائق قدمها المغرب للحكومة الإيرانية، حيث أرسلت أول شحنة من هذه الأسلحة إلى الجبهة عبر عناصر في السفارة الإيرانية بالجزائر.
على طرف النقيض، أنكرت إيران تورطها في دعم البوليساريو، ولجأت إلى خطاب تبدي فيه احترامها الكامل لسيادة الدول وأمنها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كمحدد أساسي لسياستها الخارجية تجاه كل دول العالم.
لم تقتنع الرباط بهذا الإنكار بطبيعة الحال، فقررت مراجعة علاقتها الثنائية مع طهران، التي إلى حدود الآن لم تسحب أو تجمد اعترافها بما تسميه البوليساريو “جمهورية صحراوية”، رغم أنها أغلقت مكتب ممثلية جبهة البوليساريو في إيران، محتفظة حينها بورقة مقايضة، أي أن سحب الاعتراف يجب أن يترتب عنه إبداء المغرب لموقف مساند لها بشأن قضية الجزر الثلاثة المتنازع عليها بين إيران والإمارات.
في المقابل رفض المغرب المقايضة، لأن موضوع الجزر هو نزاع على السيادة، في مقابل سحب اعتراف بجمهورية جديدة بمنطقة تحت السيادة المغربية، لا هذا وذاك يمكن وضعهما في كفة واحدة.
يبدو واضحًا أن المغرب يميز في علاقاته الخارجية بين دعم الأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو والتهديد الأمني المباشر
مد شيعي ودعم للانفصال
منذ الثورة الإسلامية عام 1979 تسعى إيران إلى الامتداد خارج منطقتها الجغرافية والهيمنة على البلدان العربية الإسلامية من خلال تصدير المذهب الشيعي إلى البلدان السنية، وبطبيعة الحال لم يسلم المغرب من هذا المد المذهبي، أي أن سلطاته الأمنية لاحظت بعد ثلاث سنوات من تطبيع العلاقات بين البلدين في بداية عام 1994 أن البعثة الإيرانية كانت تقوم بأنشطة منافية للأعراف الدبلوماسية، خاصة بعدما أجرى أفرادها لقاءات مع إسلاميين مغاربة.
من الواضح أن المد الشيعي ليس خطة إيران الوحيدة لتصدير نفوذها خارج جغرافيتها، فهي تدعم كذلك الحركات الانفصالية في البلدان التي تسعى لمد نفوذها فيها، فيكون بذلك تفتيت هذه الدول مدخلًا لبسط نفوذها الجامح.
علي خامئني نفسه لم يخف ذلك، وأقر بمخطط النظام الإيراني الذي يسعى إلى التوسع مستخدمًا أذرعه ومليشياته العسكرية في كل مكان للعمل على تفتيت الدول، فضلًا عن التغلغل وسرقة المعلومات وتغيير حسابات صناع القرار وتغيير معتقدات الشعوب وخلق الأزمات الاقتصادية والتوترات الأمنية بهذه الدول.
علاقة دبلوماسية متأرجحة
في أواخر عام 2016 عادت العلاقات بين إيران والمغرب إلى طبيعتها بعد سبع سنوات من القطيعة على خلفية اتهام المغرب لإيران بنشر التشيع في البلاد، لكن بعد سنتين حصلت القطيعة من جديد.
يبدو واضحًا أن المغرب يميز في علاقاته الخارجية بين دعم الأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو والتهديد الأمني المباشر، فعلى الرغم من أن إيران لم تسحب أو تجمد اعترافها بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” حافظ على علاقته مع إيران، التي تعدت مساندتها السياسية والمالية للجبهة إلى إمدادها بأسلحة لا تستعمل إلا في حرب العصابات، وتدريب عناصر البوليساريو على هذا النوع من الحروب التي تستهدف المغرب بشكل مباشر.
وتبين فيما بعد أن قرار الرباط قطع علاقتها مع طهران، جلب أرباحًا دولية كبيرة في الوقت الذي كانت تقود الولايات المتحدة الأمريكية هجمة شرسة في الرأي العام الدولي ضد النظام الإيراني، وهكذا انتهت سنة 2020 بإعلان الولايات المتحدة اعترافها بمغربية الصحراء.
الفوضى كوسيلة للهيمنة
تأمل الرباط أن تُدرج جبهة البوليساريو ضمن التنظيمات الإرهابية، بعد خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار وتلويحها المتوالي بامتشاق الأسلحة، هذا فضلًا عن تورط الجبهة في أعمال إرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، وهو ما يشي بتواطؤ عناصر الجبهة مع المجموعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة، فضلًا عن التحاق أحد أعضائها السابقين وهو أبوالوليد الصحراوي بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، قبل أن تتمكن القوات الفرنسية من تصفيته في أغسطس/آب 2020 بمالي.
بالنسبة للعلاقات الثنائية بين المغرب وإيران فيمكن أن تعود إلى وضعها الطبيعي في قادم السنوات، لأن الأزمة الحاليّة ليست الأولى كما لن تكون الأخيرة
اندلاع الفوضى واللاأمن بمنطقة الصحراء هو واحد من آمال إيران المتستر عليها، إذ ترغب في استخدام دعمها للبوليساريو لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة من جهة والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب إفريقيا، خاصة في الدول الواقعة بالساحل الأطلسي.
اليورانيوم الإفريقي
اعتمدت الثورة الإيرانية منذ نجاحها، أنها لن تكون محصورة في حدودها الجغرافية، بل تعهدت قياداتها حينها أن الثورة يجب تصديرها إلى الخارج، فبدأت بدول الجوار معتمدة على وسائلها الناعمة، لتنضم فيما بعد إلى القوى المهرولة نحو إفريقيا، واستطاعت أن تتغلغل فيها مستخدمة نفوذها الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي، فهي تارة تسعى أن تجد لها منفذًا في سواحل البحر المتوسط والمحيط الأطلسي من خلال شمال وغرب إفريقيا، وتارة أخرى تسعى للتضييق على السعودية من خلال شرق إفريقيا.
علاوة على ذلك تمتلك إفريقا الكثير من المحفزات من مخزونها الاحتياطي من الخام، خاصة اليورانيوم الموجود في العديد من البلدان الإفريقية التي تضم 60% من الاحتياطي العالمي لهذه الفلز الأبيض الفضي، الذي يعد عنصر الأساس في صناعة الأسلحة النووية.
أما بالنسبة للعلاقات الثنائية بين المغرب وإيران فيمكن أن تعود إلى وضعها الطبيعي في قادم السنوات، لأن الأزمة الحاليّة ليست الأولى كما لن تكون الأخيرة، بالرجوع إلى تاريخ العلاقات بين البلدين، التي كانت متسمة بالتوافق الكبير لما يقارب نصف قرن خلال فترة حكم الشاه، لكن بعد نجاح الثورة الإسلامية بدأ التوتر، فمنذ ذلك اليوم والنظام الإيراني الحاليّ متهم بإذكاء نار الطائفية والتدخل في شؤون الدول الداخلية ودعم الإرهاب.