يُعتبر أليكسي نافالني من أبرز وجوه المعارضة الروسية خارج مجلس الدوما. وبما أنه مسجون حاليا، فقد دعا أنصاره للتظاهر في أنحاء روسيا يوم السبت. يحظى هذا المحامي والمدون الشهير بدعم كبير خاصة في كبرى المدن مثل موسكو وسانت بطرسبرغ. وقد سُجن عدة مرات ثم تمتّع بإطلاق سراح مشروط. تعرّف عامة الناس على نافالني في المظاهرات التي اندلعت سنة 2011 في روسيا. وقد كان من بين الشخصيات البارزة في الاحتجاجات التي نددت بالفساد وتزوير الانتخابات التشريعية في سنة 2011.
شاركت شخصيات بارزة أخرى في هذه الاحتجاجات مثل لاعب الشطرنج غاري كاسباروف، والبلشفي الوطني إدوارد ليمونوف، والمعارض بوريس نيمتسوف الذي قُتل بالرصاص في قلب موسكو سنة 2018، ورئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف. بعد وقت قصير من بدء المظاهرات، أنشأ نافالني رفقة فريق من المتعاونين مؤسسة مكافحة الفساد التي أجرت تحقيقات في شبهات الفساد التي يتورط فيها سياسيون ورجال أعمال في روسيا.
منذ ظهوره في المشهد السياسي، أعاد نافالني بمساعدة مؤسسته تنشيط المعارضة الروسية خارج مجلس الدوما التي عاشت سنوات من الركود. في روسيا، لا تتمتع المعارضة التي تمثلها أحزاب مثل الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية أو الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ثقلا حقيقيا موازنًا للسلطة. ولا تحتل هذه الأحزاب سوى مقاعد قليلة في مجلس الدوما ناهيك عن أنها تميل إلى دعم قرارات حكومة بوتين المهمة مثل تعيين ميخائيل ميشوستين رئيسًا للوزراء.
هذا السبت، لم تمنح الحكومة الروسية الإذن بتنظيم المظاهرات المنادية “بالحرية” لأسباب تتعلق بالسلامة الصحية. وذلك على الرغم من أنها خففت من التدابير الوقائية في وقت تسجل فيه حوالي 20 ألف إصابة يوميًا، الأمر الذي يمكن أن يجعل روسيا رابع أكثر الدول تضررا من فيروس كوفيد-19 في العالم. كما سمحت الحكومة بتنظيم الفعاليات الرياضية والثقافية التي يشارك فيها عادة عدد كبير من الأشخاص.
لم يعد نافالني يطمح لرئاسة البلاد لأنه فقد حريته، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة التحقيق في ملفات الفساد والدعوة إلى ضرورة إجراء انتخابات نزيهة في روسيا
السير نحو رئاسة البلاد
بعد بضع سنوات من النشاط العام، قررت المعارضة في سنة 2016 المضي قدما في تحقيق التطلعات التي تطمح لها في البلاد. اتخذ أليكسي نافالني قراره وبدأ إجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسية لسنة 2018. ترأس نافالني الحزب التقدمي الروسي وهو حزب ليبرالي معروف بأنه موالي لأوروبا. وقبل ثلاث سنوات من ذلك، تم تغيير اسمه إلى “روسيا المستقبل”.
طعنت اللجنة الانتخابية المركزية في ترشيح نافالني لرئاسة البلاد بعقوبة مع وقف التنفيذ في قضية اختلاس أموال. وحتى مع استئناف الحكم، رفضت السلطة المختصة ملفه. ومن جانبها، أكّدت مؤسسة مكافحة الفساد في عدة مناسبات أن هذه المحاكمة ذات دوافع سياسية.
منذ ذلك الحين، سُجن هذا الناشط عدة مرات بتهمة تنظيم تجمعات واحتجاجات غير مصرح بها من قبل الدولة، آخرها كان في سنة 2019 على خلفية رفض اللجنة الانتخابية السماح بترشّح بعض المعارضين.
النضال ضد الفساد
لم يعد نافالني يطمح لرئاسة البلاد لأنه فقد حريته، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة التحقيق في ملفات الفساد والدعوة إلى ضرورة إجراء انتخابات نزيهة في روسيا إلى جانب معارضين آخرين من خارج مجلس الدوما.
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أيلول/ سبتمبر 2021، أعدّ نافالني مع أعضاء آخرين في مؤسسة مكافحة الفساد ما أطلقوا عليه تسمية “نظام التصويت الذكي”. في أغسطس/ آب، كان نافالني في سيبيريا مع بعض مساعديه يدرسون كيفية تطبيق تقنية التصويت الذكي. من خلال هذا النظام، يريد فريق نافالني تجريد بوتين وحزبه “روسيا الموحدة” من أكبر قدر من السلطة. يقوم هذا النظام بدراسة ملف المرشح الذي تزيد فرص فوزه في الانتخابات ومنحه دعما غير مشروط بغض النظر عن أيديولوجيته.
اُستخدم نظام التصويت الذكي لأول مرة في الانتخابات الإقليمية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي حيث ساعد مرشحي المعارضة على تحقيق بعض الانتصارات في مدن ومناطق سيبيريا، بما في ذلك نوفوسيبيرسك – إحدى أكبر المدن في المنطقة. وفيما يتعلق بهذه الانتخابات، صرح نافالني بأنه “إذا خسر حزب روسيا الموحدة أغلبية الأصوات، فإن قوة هؤلاء المجرمين ستتلاشى على الفور”.
قال فلاديمير بوتين إنه “إذا أرادت روسيا قتله، لكان ميتًا بالفعل”
التسمم والانتقال إلى ألمانيا
بمجرد عودته من اللقاء الذي جمعه ببعض الحلفاء في سيبيريا، دخل نافالني في غيبوبة بعد الشعور بألم شديد. وقد اتضح فيما بعد أنه تسمم أثناء تواجده في مدينة أومسك. بفضل التدخل السريع للأطباء والهبوط الاضطراري لقائد الطائرة، ظل نافالني على قيد الحياة. وقد أذِنت الحكومة الروسية بنقله إلى ألمانيا لتلقي الرعاية الطبية اللازمة بعد أيام من دخوله في غيبوبة.
لكن أكد بعض المقربين من الحكومة الروسية أن الوضع الصحي الحرج لنافالني كان بسبب سمّ ألماني وضعه له شخص من فريقه. وقيل أيضا إن نافالني سمم نفسه حتى يصبح شهيدًا. في المقابل، أكدت المختبرات السويدية والفرنسية والألمانية أن السم الذي تم استخدامه ينتمي إلى عائلة “نوفيتشوك” الذي صُنّع لأول مرة في الاتحاد السوفيتي. كما أكّد الخبراء الكيميائيون أن تحضير هذا السمّ بالذات ليس عملية بسيطة يمكن القيام بها في أي مختبر.
بعد استيقاظه من الغيبوبة في ألمانيا، فتح نافالني تحقيقًا مع بعض وسائل الإعلام حول هوية من قام بتسميمه في شهر أغسطس/ آب. بعد العثور على معلومات كافية، أوضح في مقطع فيديو أن أجهزة المخابرات الروسية هي من تقف وراء محاولة القتل باستخدام سمّ نوفيتشوك في أحد فنادق مدينة أومسك. ولم يكتف نافالني في هذا الفيديو بالكشف عن الأطراف التي حاولت تسميمه والتكوين الذي تلقاه منفّذو العملية فحسب (الذين كان معظمهم من الكيميائيين والأطباء بعضهم عمل في المدينة التي تم فيها إنشاء نوفيتشوك لأول مرة) بل تحدث أيضًا عن المدة التي قضوها في تتبعه والطريقة التي سمّموه بها.
من أبرز النقاط التي ذكرها المعارض الروسي أن عملية اغتيال بهذا الحجم يستحيل تنفيذها من دون موافقة السلطات العليا – أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لذلك، وجّه المدون أصابع الاتهام مباشرة إلى الرئيس واتهمه بالرغبة في اغتياله بالسم كما حاول فعل ذلك مع الجاسوس السابق سيرغي سكريبال. كما أوضّح نافالني خلال مقطع الفيديو أنه يشك أن تكون تلك المحاولة الأولى لتسميمه، مشيرا إلى مناسبتين كان يعتقد فيهما أنه يعاني من آثار السكر.
يعتبر نوفيتشوك من السموم المميتة وكمية صغيرة منه تكفي لقتل الضحية أو التسبب في أضرار جسيمة. كما أفاد نافالني في مقطع فيديو آخر بأن السم وُضع في ملابسه الداخلية مؤكدًا أنه كان هناك فريق من الأشخاص يتبع خطواته لمدة ثلاث سنوات في أماكن مختلفة من روسيا.
كان لدى أليكسي نافالني علاقات بالقوميين والإمبرياليين الروس، وقد تحدث علانية بعبارات عنصرية ضد المهاجرين من آسيا الوسطى أو ضد المسلمين
نفى الكرملين هذه الاتهامات الخطيرة، حيث قال فلاديمير بوتين إنه “إذا أرادت روسيا قتله، لكان ميتًا بالفعل”. ولم تفتح السلطات الروسية أي تحقيق في حادثة التسمم لكنها تؤكد أنها تراقبه بسبب “نيته قلب نظام الحكم وعلاقاته بوكالات أجنبية”.
في شهر كانون الثاني/ يناير، طُلب من هذا الناشط المعارض العودة إلى روسيا قبل الخامس من الشهر في حال أراد عدم الدخول إلى السجن. ولكن كان من الصعب عليه العودة نظرا لصعوبة السفر بين الدول بسبب تفشي الوباء، في حين أكد علانية أنه يعتزم السفر إلى روسيا في المستقبل القريب.
بوجود نافالني في الحبس الاحتياطي بالفعل، نشر أعضاء فريقه يوم الثلاثاء الماضي مقطع فيديو مدته ساعتان يظهر “قصر بوتين” المزعوم. وقد أكّد الفريق أن القصر يمسح حوالي 78 كيلومترًا مربعًا، أي أن مساحته تعادل 39 مرة مساحة إمارة موناكو. وقد اتهموا الرئيس الروسي ببناء هذا القصر بفضل “أكبر رشوة في التاريخ”، واصفين المبنى بأنه مثل دولة داخل روسيا. يحتوي القصر على كازينو وميناء خاص به ومنطقة حظر طيران إلى جانب مرافق أخرى.
الماضي القومي
في الماضي، كان لدى أليكسي نافالني علاقات بالقوميين والإمبرياليين الروس، وقد تحدث علانية بعبارات عنصرية ضد المهاجرين من آسيا الوسطى أو ضد المسلمين. وفي الوقت الحالي، لم يعد يستخدم هذا الخطاب بشكل علني وقام بتعديل طريقته في التعبير عن أفكاره علمًا بأنه لم يعتذر علنًا عن عباراته العنصرية، لأنه في ذلك الوقت كان يعتقد أنه يمكنه التحدث مع كل من الليبراليين والقوميين.
يبدو أن هذه المواقف القومية جعلت من الصعب على الكرملين اتهامه بأنه دمية في يد الغرب، على الرغم أنه من الصعب نسيانها في الخارج. وقد اعترفت العديد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنه ناشط ديمقراطي وطالبت روسيا بالإفراج عنه بعد سجنه.
المصدر: بوبليكو