ترجمة وتحرير نون بوست
تعتبر الجغرافيا السياسية والتاريخ من بين أهم العوامل التي تجعل هروب دول آسيا الوسطى من النفوذ الصيني والروسي صعبًا إلى حد ما. ومع ذلك، أصبحت كوريا الجنوبية بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة القوة الاقتصادية الآسيوية الأكثر ليبرالية ونشاطًا في المنطقة.
أصبحت كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة من بين أكبر الشركاء التجاريين لجمهوريات آسيا الوسطى – كازاخستان وأوزبكستان. وحسب بيانات وزارة الشؤون الخارجية في جمهورية كوريا، فإن بولندا أكبر شريك للبلاد في أوروبا الناشئة وآسيا الوسطى (بحجم مبادلات تجارية بلغ 4.33 مليار دولار أمريكي في سنة 2018)، بينما تحتل كل من كازاخستان وأوزبكستان المراكز الثانية والثالثة.
على الرغم من أن اقتصاد كل من كازاخستان وأوزبكستان أصغر بكثير من اقتصاد بولندا، إلا أن حجم التجارة الكورية الجنوبية مع كازاخستان بلغ 4.22 مليار دولار أمريكي في سنة 2019، مقابل 2.36 مليار دولار أمريكي مع أوزبكستان، متقدمةً بذلك على مبادلاتها مع اقتصادات كبرى مثل النرويج ونيوزيلندا وتركيا.
في حين أن العلاقة الاقتصادية لكوريا الجنوبية مع معظم دول أوروبا الناشئة وآسيا الوسطى تعتمد إلى حد كبير على الصادرات، تعد كازاخستان شريكا مهما في مجال الطاقة حيث استوردت منها كوريا الجنوبية سلعا وموارد بقيمة 1.56 مليار دولار أمريكي حسب بيانات سنة 2019.
على مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر من كوريا الجنوبية، تفوقت كازاخستان وأوزبكستان على أي دولة في أوروبا الناشئة: ففي سنة 2020 تجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر سبعة مليارات دولار أمريكي في كلتا دولتي آسيا الوسطى.
حتى مع تسجيل هذه الأرقام الهامة، تبقى كوريا الجنوبية بعيدة عن مستويات الاستثمار الصيني في البلدين اللذين يحتلان مواقع رئيسية في مبادرة الحزام والطريق. وفي الواقع، تعد كازاخستان رابع أكبر وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للصين في آسيا وأوقيانوسيا، وذلك بعد أستراليا وسنغافورة وإندونيسيا، ولكنها متقدمة على ماليزيا.
تعتبر علاقة كوريا الجنوبية بدول جنوب شرق آسيا، التي تضم عددًا أكبر بكثير من السكان وروابط اتصال أكثر تطورًا مع سيول
الصين غير مرغوب فيها
لا تحبذ دول الجوار سعي الصين لتوسيع وجودها الاقتصادي في محيطها الغربي. وتشير دراسة نشرها “مقياس آسيا الوسطى” في سنة 2020 إلى أن سكان آسيا الوسطى أصبحوا قلقين بشكل متزايد من الوجود الصيني في المنطقة. وفي كازاخستان وقيرغيزستان، أعرب 7 و9 بالمئة فقط من السكان عن “دعمهم القوي” لمشاريع الطاقة والبنية التحتية الصينية في بلدانهم.
على عكس كازاخستان وقيرغيزستان، ينظر السكان في أوزبكستان – التي لا تقع مباشرة على حدود الصين – بحماس أكثر إلى حد ما تجاه الاستثمارات الصينية، ولكن حتى في تلك المنطقة تزايدت الشكوك حيال هذه الاستثمارات. وفي حين أعرب 65 بالمئة من الأوزبك عن “دعمهم القوي” للاستثمار الصيني في سنة 2019، فإن أن موقفهم تراجع إلى 48 بالمئة في سنة 2020. وعلى نحو مماثل، أفاد 69 بالمئة من الكازاخستانيين في سنة 2019 بأنهم “قلقون للغاية” من شراء الصين للأراضي في بلادهم، وهي نسبة ارتفعت إلى 75 بالمئة في سنة 2020، بينما ارتفعت هذه النسبة في أوزبكستان من 30 إلى 53 بالمئة.
في ظل تزايد شكوك مواطني آسيا الوسطى بشأن الدوافع التي تقف وراء الإنفاق الصيني في بلدانهم، سنحت الفرصة لكوريا الجنوبية من أجل تعزيز موقعها وزيادة تأثيرها في آسيا الوسطى.
مع توفر إمكانات كبيرة لتحقيق المزيد من النمو من خلال التعاون، ازداد اهتمام كوريا الجنوبية بآسيا الوسطى بشكل مطرد على مدار العقد الماضي، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى مبادرة آسيا الجديدة التي تهدف إلى زيادة نفوذ البلاد في السياسة الدولية من خلال تبني دور قيادي بين أصغر الاقتصادات الآسيوية، خاصة في جنوب شرق آسيا ووسطها.
تعتبر علاقة كوريا الجنوبية بدول جنوب شرق آسيا، التي تضم عددًا أكبر بكثير من السكان وروابط اتصال أكثر تطورًا مع سيول، ذات أهمية كبرى من الناحية الاقتصادية مقارنةً بعلاقتها بآسيا الوسطى. لكن العلاقة القائمة حاليًا بين كوريا الجنوبية وآسيا الوسطى تعطي لمحة عن إمكانات التعاون الذي يمكن أن يتعزز في المستقبل القريب.
في منطقة يهيمن عليها لاعبان قويان يتجاهلان باستمرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجدت دول آسيا الوسطى القليل من الحوافز لتحقيق التقدم في مجال التعددية السياسية وإرساء الديمقراطية
كوريو-سارام
يعتبر وجود مجتمع عرقي كوري في المنطقة، الذي غالبًا ما يشار إليه باسم كوريو-سارام، من بين العوامل الفريدة التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها مفيدة من أجل تعزيز العلاقة بين آسيا الوسطى وكوريا الجنوبية.
منذ عشرينيات القرن الماضي، استقر هذا الشعب في آسيا الوسطى عندما قام الزعيم السوفيتي آنذاك جوزيف ستالين بترحيل عشرات الآلاف من الكوريين الذين يقيمون على حدود الاتحاد السوفيتي مع شبه الجزيرة الكورية. وفي الوقت الحالي، يوجد حوالي 180 ألف نسمة من شعب كوريو-سارام يُعتقد أنهم يقيمون في أوزبكستان، وأكثر من 100 ألف في كازاخستان.
حسب الدكتور بيونغ وون مين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إيوها وومنز في سيول والمتخصص في السياسة الخارجية لشرق آسيا، “من الممكن أن تستفيد كوريا الجنوبية من مخاوف آسيا الوسطى المتزايدة والمبررة حيال الصين. ومن المحتمل أن تكون الهويات الوطنية أداة قوية لربط العلاقات الخارجية، لذلك من المنطقي أن يلعب مجتمع كوريو-سارام دور الميسر الذي سيعمل على تحقيق المزيد من هذا التعاون. مع ذلك، إذا تحققت جهود التعاون على أرض الواقع، ستحتاج دول آسيا الوسطى أيضا إلى أن تكون نشطة، لأنه لا يمكن أن تقتصر المبادرة على كوريا الجنوبية فحسب”.
علاوة على ذلك، كانت كازاخستان شريكًا بارزًا في جهود كوريا الجنوبية لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية من خلال تبادل تجربتها مع نزع السلاح النووي خلال التسعينيات.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، نظمت سفارة جمهورية كوريا في مدينة نور سلطان ندوة عبر الإنترنت للتطرق إلى نهج كازاخستان الذي يسعى للتخلص التدريجي من 1.410 ذخيرة نووية ورثتها عن الاتحاد السوفيتي.
عُقدت هذه الندوة عبر الإنترنت في الأيام التي سبقت منتدى التعاون بين آسيا الوسطى وكوريا الجنوبية الثالث عشر في سيول، حيث التقت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية كانغ كيونغ وها برؤساء الوزارات الخارجية لجميع دول آسيا الوسطى الخمس، بما في ذلك وزير الخارجية الكازاخستاني مختار تيلوبردي، وناقشت نتائج وفرص التعاون الاقتصادي في سياق جائحة كوفيد-19. وكانت إزالة العوائق المتبقية أمام التجارة وتحسين جودة السلع والقدرة التنافسية من بين المسائل الأخرى التي نوقشت في الندوة.
في منطقة يهيمن عليها لاعبان قويان يتجاهلان باستمرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجدت دول آسيا الوسطى القليل من الحوافز لتحقيق التقدم في مجال التعددية السياسية وإرساء الديمقراطية. ويمكن للنفوذ المتنامي لكوريا الجنوبية، اقتصاديًا وسياسيًا، أن يقدم لآسيا الوسطى بديلًا حقيقيًا للأنظمة المهيمنة في المنطقة.
المصدر: إميرجينغ يوروب