أكدت جبهة البوليساريو، قصف مقاتليها معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية الواقعة تحت سيطرة المغرب، فيما تقول الرباط إن الوضع هناك غير مضطرب، معتبرة أن ما تقوم به البوليساريو مجرد استفزازت، وهو ما يطرح أسئلة عدة عن طبيعة الوضع في الكركرات.. هل نحن أمام حرب كما تدعي البوليساريو أم مجرد حرب دعائية وفق الرواية المغربية؟
البوليساريو تصعد
وكالة الأنباء الصحراوية، قالت في بيان لها إن الجيش الصحراوي وجه مساء السبت أربعة صواريخ استهدفت منطقة الكركرات بالصحراء الغربية المتنازع عليها، وأشار بيان الوكالة إلى وقوع هجمات على طول الجدار الأمني الذي يفصل المقاتلين الصحراويين عن القوات المغربية في الأراضي الصحراوية.
تقع منطقة الكركرات في الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، وهي منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح خالية من أي وجود عسكري لأي من الأطراف الثلاث (المغرب وموريتانيا والبوليساريو) بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة.
بالتزامن مع ذلك، هدد مسؤول بجبهة البوليساريو المغرب بالتصعيد عسكريًا، حيث أعلن سيدي أوكال الذي يشغل خطة ما يسمى بـ”الأمين العام لوزارة الأمن والتوثيق” في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المعلنة من جانب جبهة بوليساريو عام 1976 أن الحرب مستمرة وستتصاعد، وكل مواقع الجيش المغربي عرضة لهذه الحرب.
لا تنظر البوليساريو بعين الرضا لمعبر الكركرات، وترى في إنشائه انتهاكًا لاتفاقية وقف إطلاق النار
أوضح المسؤول العسكري الصحراوي، أن “وصول قذائف وأهداف البوليساريو إلى منطقة الكركرات برهان على التصعيد أولًا، ودليل على شمولية الحرب ثانيًا”، مؤكدًا أن كل الأراضي الصحراوية المحتلة ساحة معركة.
وحمل في هذا الإطار “نظام المخزن مسؤولية أي ضرر يلحق بأي مدني أو مستخدم لهذا الطريق ولكل الأماكن غير الآمنة”، محذرًا المدنيين المغاربة أو الأجانب من الولوج أو استخدام طريق الكركرات، لأنه ككل نقاط الجمهورية الصحراوية غير أمن ومعرض للقصف.
ولفت أوكال إلى أن قصف المعبر “ليس الهدف منه أخذ الكركرات أو التمسك به، بل للتأكيد على أن كل المناطق المحتلة تحت ضربات الجيش الصحراوي، ليست آمنة أو مؤمنة كما يدعي النظام الملكي المغربي”، متوعدًا بتوسيع دائرة الحرب، ومواصلة التصعيد لغاية تحقيق الاستقلال الكامل والتام.
وفي اتصال لنون بوست، مع الناشط الصحراوي سيد أحمد جول القاطن في مخيمات تندوف، أكد أن “الحرب مستمرة والوضع متجه للأسوأ في منطقة الكركرات”، وفق قوله، وأكد الناشط الصحراوي أن جبهة البوليساريو توثق العمليات العسكرية التي تقوم بها رغم رفض المغرب الاعتراف بوجود الحرب.
أكد سيد أحمد جول أن “تطورات الوضع في الصحراء ناتج عن خرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار يوم 13 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بإطلاقه لعملية عسكرية ضد مدنيين في المنطقة العازلة في الكركرات، وتواصل التجاهل الدولي لمعاناة الصحراويين”.
أضاف “الملاحظ هذه المرة هو وجود مباركة واسعة من طرف الجماهير الصحراوية سواء في المخيمات أم المناطق المحتلة لخطوة إعلان الحرب من طرف البوليساريو، نتيجة الإحباط المتراكم لأكثر من 30 سنة واتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يؤد إلا لمزيد من معاناة الصحراويين”، وفق قوله.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت جبهة البوليساريو رسميًا انتهاء التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع المغرب عام 1991، غداة العملية العسكرية التي نفذها المغرب “لتأمين” المعبر الحدودي بالمنطقة العازلة للكركرات باتجاه موريتانيا، ومنذ ذلك التاريخ، تبلغ البوليساريو عن تبادل يومي لإطلاق النار على طول الجدار الرملي الذي يفصل بين المعسكرين.
يذكر أن البوليساريو لا تنظر بعين الرضا لمعبر الكركرات، وترى في إنشائه انتهاكًا لاتفاقية وقف إطلاق النار ومحاولة من المغرب لفرض سياسة الأمر الواقع، ودائمًا ما تستغل المعبر كورقة ضغط رابحة للضغط على المغرب.
حرب دعائية
في مقابل ذلك، قللت الرباط من أهمية الهجوم، مؤكدة أن الأمر يتعلق بحرب دعائية ليس أكثر، حيث أوضحت وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية في المغرب، نقلًا عن “مصادر مطلعة” أن الوضع في الكركرات هادئ وطبيعي، وأن حركة المرور بين المغرب وموريتانيا وما بعدها إلى إفريقيا جنوب الصحراء غير مضطربة بأي شكل من الأشكال.
وأوضحت المصادر نفسها، أنه رغم الاستفزازات، دون تأثير، من ميليشيات البوليساريو، فإن الوضع في الكركرات، كما في جميع أنحاء الصحراء المغربية، هادئ وطبيعي، مشيرة إلى أن حركة المرور بين المغرب وموريتانيا وما بعدها إلى إفريقيا جنوب الصحراء غير مضطربة بأي شكل من الأشكال.
في غضون ذلك تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، تظهر أن الوضع طبيعي والحركة عادية في معبر الكركرات، ولم يتسن لنون بوست رغم المحاولات الاتصال بمسؤول مغربي في المعبر.
يرى العديد من المغاربة أن محاولة إظهار البوليساريو أن الصحراء في حالة حرب، مجرد حرب دعائية، بعدما خسروا كل أوراقهم أمام السلطات المغربية، ويرى هؤلاء أن إعلام البوليساريو يحاول ترويج أخبار زائفة لحصد التعاطف الدولي.
بغض النظر إن كانت الرواية المغربية أو رواية البوليساريو هي الصحيح، فإن المنطقة ذاهبة إلى تصعيد أكبر
يقول موقع هسبريس المغربي: “تُواصل جبهة البوليساريو الانفصالية التركيز على البروباغندا الحربية الكاذبة منذ تحرير معبر الكركرات، في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصدرت إلى حدود مساء السبت عددًا كبيرًا من البلاغات العسكرية، وصل إلى 72 بلاغًا، تزعم من خلالها إلحاق أضرار بشرية ومادية بالقوات المسلحة الملكية”.
أما موقع أخبار 24 المغربي، فقد قال إن ادعاءات الجبهة الانفصالية بقصف معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا رافقتها، أخبار زائفة وصور لا علاقة لها بالحادث الذي تدعيه الجبهة الانفصالية، في محاولات بائسة لإقناع الرأي العام، ووفق الموقع فقد تداولت مواقع مقربة من الجبهة الانفصالية ومواقع جزائرية، صورة ادعت أنها صورة لقصف معبر الكركرات، قبل أن يتبين أنها صورة اندلاع نار في أحد الأسواق المغربية، في حادث وقع قبل سنوات.
تعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، وكانت موريتانيا والمغرب قد تقاسما الصحراء الغربية طبقًا لاتفاقية مدريد عام 1975، غير أن نواكشوط انسحبت عام 1979 من وادي الذهب بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو.
بموجب هذه الاتفاقية تخلت موريتانيا عن أي مطالبات بخصوص الصحراء، لكن المغرب استعاد منطقة وادي الذهب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، والآن تسيطر الرباط على 80% منها وتديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
لفت انتباه
بدوره يؤكد الأستاذ في الجامعة المغربية، رشيد لزرق أن جبهة البوليساريو تحاول إثارة بعض التوترات في المنطقة بغية لفت انتباه إدارة جو بايدن الجديدة، وأضاف لزرق “تسعى البوليساريو إلى تضليل الرأي العام الدولي وطمس معالم القضية، بعد اليأس الذي باتت تعرفه”.
وأضاف “هذا اليأس جاء بفعل المكتسبات التي يحقق الطرح المغربي في مختلف واجهات، ولهذا فهم يروجون للمغالطات بغية تجاوز مشاكلهم الداخلية وإخفاء الممارسات البشعة في مخيمات لحمادة بمنطق الاحتجاز وما يرافقها من خرق حقوق الإنسان.
لزرق يرى أيضًا أن الهدف من هذه المساعي عرقلة مخطط التسوية الأممي، فهي “محاولات يائسة لنفخ الروح في الانفصال المتجاوز وتسويقه تحت مبدأ حق تقرير المصير، في وقت باتت الطرح المغربي للحكم الدولي يكسب قوةً وتناغمًا مع جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي”.
بغض النظر إن كانت الرواية المغربية أو رواية البوليساريو هي الصحيح، فإن المنطقة ذاهبة إلى تصعيد أكبر، فكلا الطرفين مصر على طرحه بخصوص أزمة الصحراء الغربية، ولا توجد بوادر صلح بينهما، خاصة في ظل تقاعس الأمم المتحدة في هذا الشأن.