تجددت الاحتجاجات في تونس عقب وفاة شاب أصيل مدينة سبيطلة الداخلية، تتهم عائلته قوات الأمن بقتله خلال مظاهرة جرت الأسبوع الماضي في هذه المدينة الواقعة بولاية القصرين. احتجاجات تزامنت مع تزايد حالة الاحتقان السياسي بين مختلف مكونات الحكم في البلاد ووصول العلاقة بين رئيسي السلطة التنفيذية إلى طريق مسدود.
تجدد الاحتجاجات
بدأت الاحتجاجات مباشرة إثر وفاة شاب يدعى هيكل الراشدي، تتهم عائلته قوات الأمن بقتله وذلك بعد تعرضه لإصابة حادة في رأسه خلال احتجاجات بالمدينة الأسبوع الماضي، حيث خرج عشرات الشباب في سبيطلة للاحتجاج والتنديد بما وصفوه القمع الأمني.
خلال هذه التظاهرة، أضرم محتجون النيران في إطارات مطاطية وأغلقوا الشوارع الرئيسية في المدينة، فيما حاول بعض الشباب اقتحام مركز الأمن الوطني في المدينة ورشق عناصره بالحجارة، ما دفع عناصر الأمن إلى الرد باستعمال الغاز المسيل للدموع، لتنطلق عمليات كر وفر في الأزقة، وفق شهود عيان.
منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي تعرف العلاقة بين طرفي السلطة التنفيذية في تونس توترًا كبيرًا
هذا الوضع فرض على وزارة الدفاع التونسية، نشر قوات الجيش أمام المنشآت العامة ومقرات السيادة في المدينة، تحسبًا لأعمال الشغب التي من الممكن أن تستهدف هذه المنشآت الحيوية، كما سيرت الوزارة دوريات عسكرية في جهات الجمهورية كافة لفرض الأمن.
على خلفية هذه الاحتجاجات، أذنت النيابة العمومية بعرض جثة الشاب ھیكل الراشدي، الذي توفي عشية الإثنين في مستشفى “سھلول” بولایة سوسة (شرق)، على الطبیب الشرعي في المستشفى الجامعي بسوسة، فرحات حشاد، لتحديد أسباب الوفاة، وفق مساعد وكیل الجمھوریة في المحكمة الابتدائیة بالقصرین، شوقي بوعزي.
وأرجع شوقي بوعزي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، تلك الخطوة إلى وجود روایتین لوفاة ھیكل الراشدي، إحداهما تقول إن الشاب سقط من سُلَم (درج)، بينما تقول الثانية إنه أصیب بعبوة غاز مسیل للدموع من قوات الأمن.
مطالب اجتماعية
احتجاجات سبيطلة ليست استثناءً، فالبلاد تشهد منذ أيام اضطرابات واحتجاجات عديدة في مناطق مختلفة تخللتها صدامات مع رجال الأمن، رغم منع السلطات التونسية مختلف التجمعات والتظاهرات ضمن تدابير الوقاية من فيروس كورونا.
على خلفية هذه الاحتجاجات، تم توقيف أكثر من 1000 شخص، نصفهم من الأطفال (تحت 18 عامًا)، وفق بسام الطريفي، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية)، وأوضح الطريفي أن “أجهزة الأمن قامت بالتوقيف العشوائي للمحتجين، وتعاملت مع معظمهم بأسلوب مهين وتعسفي، كما تم التعنيف والاعتداء بالضرب على الأطفال”.
لئن عرفت الاحتجاجات الليلية بعدم رفعها لأي مطالب واضحة، فقد سجلت باقي المظاهرات رفع العديد من الشعارات المنددة بالحكومة والتعامل الأمني مع التحركات الاحتجاجية، من بينها “شغل حرية كرامة وطنية” و”لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب”.
تزامنت هذه الاحتجاجات، مع إحياء تونس الذكرى العاشرة لثورة الحرية والكرامة، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي احتجاجًا على القمع والفقر وتفشي البطالة ومثلت انطلاق قطار انتفاضات الربيع العربي.
ما يسجل هذه المرة أن الاحتجاجات تزامنت مع تزايد حالة الاحتقان السياسي، فالطبقة السياسية منقسمة وغارقة في معاركها الداخلية من دون إدراك الأزمة الذي يشهدها اقتصاد البلاد وتعكر الوضع الاجتماعي في تونس.
احتقان سياسي
آخر حلقات الصراع السياسي، جاءت من قصر قرطاج، حيث انتقد الرئيس قيس سعيد الإثنين خلال اجتماع مجلس الأمن القومي التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء هشام المشيشي، وقال إنه لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور لأن مجلس الوزراء المخول دستوريًا بإعادة الهيكلة لم يناقش الموضوع.
ردت رئاسة الحكومة مباشرة على كلام سعيد، فأصدرت بيانًا أكدت فيه أن مجلس الوزراء صادق في اجتماعه الأخير على إعادة هيكلة جديدة للحكومة (التعديل الوزاري) بدمج بعض الوزارات وحذف أخرى.
لم يكتف المشيشي بذلك، فخلال جلسة للتصويت على التعديل الوزاري الذي يشمل 11 حقيبة وزارية من أصل 25، اليوم، قال: “الخطاب الشعبوي هدفه تسويق الأوهام وتسجيل النقاط السياسية وافتعال المعارك الزائفة التي فصلها الدستور ولم تعد تعني لشعبنا وشبابنا أي شيء”.
وأضاف ”ما لم يتحقق الاستقرار السياسي وما لم تنضج الحياة الديمقراطية، وما لم تلتزم كل المؤسسات الدستورية بنواميس الدولة وضوابطها، وبحدود صلاحياتها الدستورية بعيدًا عن الاستعراض والإثارة، فلن تخرج تونس من الأزمة التي نعيشها”.
غالبا ما يشهد شهر يناير/كانون الثاني تحركات احتجاجية في تونس، فلهذا الشهر رمزية في التاريخ التونسي السياسي المعاصر
مؤخرًا، استبعد هشام المشيشي جميع الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد لتكون بذلك حكومة هشام المشيشي بامتياز، حيث كان الائتلاف الحكومي يرى وزراء سعيد معرقلين للعمل الحكومي وولاؤهم كان للرئيس وليس للمشيشي الذي يقود الحكومة.
ومنذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الحاليّ تعرف العلاقة بين طرفي السلطة التنفيذية في تونس توترًا كبيرًا رغم أن الرئيس قيس سعيد هو من اقترح هشام المشيشي لتولي رئاسة الحكومة خلفًا لإلياس فخفاخ الذي استقال نتيجة اتهامه بقضايا فساد، مستبعدًا الأسماء التي اقترحتها الأحزاب الرئيسية.
يرى العديد من التونسيين أن سعيد اختار صديقه المشيشي رئيسًا للحكومة ليكون وزيرًا أولًا بالنظر لضعف تاريخه السياسي وفقدانه للحزام السياسي الداعم له، إلا أن المشيشي سارع إلى الاحتماء بالأحزاب وتشكيل حزام سياسي داعم له في البرلمان.
التوجه نحو القطيعة التامة
أكد المحلل السياسي سعيد عطية أن العلاقة بين المشيشي وسعيد تسير تدريجيًا للقطيعة التامة والكلية، خاصة بعد إقدام رئيس الحكومة على إقالة كل الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية والارتماء في أحضان حزبي النهضة وقلب تونس اللذين يعتبرهما قيس سعيد أعداءه السياسيين في الوقت الراهن.
يذكر أن التركيبة الحكومية للمشيشي كانت تضم شخصيات عديدة تحظى بثقة الرئيس قيس سعيد خاصة فيما يتعلق بالوزارات السيادية، التي عملت معه في قصر قرطاج كمستشارين له أو عملوا معه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة.
يرى عطية أن تونس تشهد تكرار سيناريو “الشاهد-السبسي”، باختلاف بعض التفاصيل، ما يؤكد أن النتائج ستكون كارثية على البلاد خاصة من الناحية الاقتصادية، إذا لم يتم تجاوز هذا الإشكال بين الطرفين وتغليب مصلحة البلاد على مصالحهم الشخصية.
منحى خطير للتحركات الاجتماعية
يضيف محدثنا “هذا العبث الذي نعيشة اليوم فيما يتعلق بالعلاقة بين أقطاب السلطة كاف لإفشال أي محاولة للنهوض الاقتصادي، فهو حليف موضوعي لكل أنواع الفساد السياسي والمالي والإداري وحليف موضوع لتفقير للشعب، ما يترتب عليه بصورة آلية تحركات اجتماعية قد تتجه لمنحى خطير في قادم الأيام”.
غالبا ما يشهد شهر يناير/كانون الثاني تحركات احتجاجية في تونس، فلهذا الشهر رمزية في التاريخ التونسي السياسي المعاصر، فهو شهر كل المخاطر على السلطة القائمة نظرًا لما شهده طوال سنوات من احتجاجات وصدامات تركت بصماتها في الوعي الجمعي التونسي.
من بين هذه الأحداث، أحداث الخميس الأسود في يناير 1978 بين الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والسلطة وثورة الخبز في يناير 1984 وانتفاضة الحوض المنجمي في يناير 2008 وثورة الحرية والكرامة في يناير 2011.