تخيل أنك تجلس في مكتبك بمكان العمل، ويشاركك الحوار على نفس الطاولة “نسخة رقمية مجسمة” لزميلك، لكن عوضًا عن قدومه للمكتب حضرت نسخته الرقمية. قد يبدو ذلك ضربًا من الخيال العلمي، لكن هذا ما يتوقع بول جاكوبس الرئيس التنفيذي لشركة Qualcomm حدوثه خلال العشر سنوات القادمة، وهو ما تسعى كبرى شركات التكنولوجيا لتنفيذه.
أحدث الفيروس التاجي (COVID-19) تغيرًا في مجالات الحياة كافة، وأكثر القطاعات التي شهدت تحولات جذرية هي التعليم والعمل، حيث اتجه معظم العاملين للتواصل مع بعضهم وإدارة اجتماعاتهم إلى تطبيقات مكالمات الفيديو مثل “زووم” و”جوجل ميت” و”سكايب” وغيرها من التطبيقات الأخرى، ورغم أن تلك البرامج حلت مشكلة التواصل في وقت ساد فيه التباعد الجسدي، لكن مع مرور الوقت بدأت تطفو على السطح بعض العراقيل.
إذ إن التواصل الصوتي لا ينقل تعبيرات الوجه أو لغة الجسد التي يستخدمها البعض للتعبير عن أهمية الموضوع الذي يتحدثون فيه،إذ قالت ماريسا كينج، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية ييل للإدارة: “في كثير من الحالات، تؤدي إضافة المزيد من التكنولوجيا إلى إعاقة قدرتنا على الاتصال”.
وبما أن العمل عن بعد أحد التقنيات التي يتوقع لها الخبراء أن تستمر حتى بعد زوال الجائحة، بدأت شركات التكنولوجيا بالتفكير بتقنية تحل عراقيل عدم التواصل الجسدي وتطوير تقنية الوجود التكنولوجي أو ما يعرف بـ”الهولوجرام”.
تقنية “الوجود المكاني”
على مدى التاريخ كانت تجري الاجتماعات في القاعات والمكاتب الكبيرة، ويجري الإعداد لها قبل موعد عقدها بأيام، تلك الاجتماعات كانت تكلف الكثير من الأموال، فقدك كلفت الاجتماعات التجارية الكبرى وحدها على مستوى العالم أكثر من تريليون دولار كما أشارت مجلة “فوربس“.
لكن من المتوقع أن تحتل تقنية التصوير المجسم “الهولوجرام” مركز الصدارة في الأعوام القادمة مع توجه كبرى شركات التكنولوجيا لإقامة أحداثها الافتراضية الكبرى عن بعد مثل مؤتمر “Facebook F8” ومؤتمر “Google I / O” ومؤتمر “Mobile World Congress”.
قال الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة PORTL المختصة ببث خدمة الاجتماعات المجسمة، ديفيد نوسباوم: “حتى في فترة ما بعد الجائحة، أعتقد أن هذا سيكون بديلًا للسفر، إنه التقاط وإسقاط لكامل الجسم من الرأس إلى القدمين”.
وأضاف “أعتقد أنه سيكون بديلًا للكثير من المقابلات الشخصية، والكثير من الاجتماعات الشخصية، لأنها تمنح المستخدم والمشاهد تجربة واقعية للغاية كما لو كانوا موجودين بالفعل في الوقت الفعلي”.
ووفقًا لمجموعة International Workplace Group، يُظهر بحث جديد أن 80% سيرفضون وظيفة لا تقدم عملًا مرنًا، ونتيجة لذلك، أدخلت 83% من الشركات سياسة مساحة عمل مرنة، وتخطط للتحول نحو العمل من خلال تقنية “النسخ الرقمية” خلال السنوات القادمة.
إزالة جميع الحواجز
تمتاز التقنية الجديدة باحتوائها على فوائد جمة تدفع الشركات للتسريع في اعتمادها خلال اجتماعاتها، خاصة في عصر يعتبر فيه الوقت رقمًا مهمًا في سوق اليوم، وهو ما توفره تقنية التجسيم، فبدلاً من سفر الوفود للحضور إلى الاجتماع وما يرافقها من تأخر بسبب الرحلات أو الظروف الجوية، يمكن عقد الاجتماع بأي وقت وبنفس مزايا الاجتماعات الحقيقية.
وبالإضافة إلى خفض انبعاثات الكربون وتكاليف السفر، فإن التحدث إلى الصور المجسمة يزيل حاجز المكان، ويمكن أن يترك انطباعًا أكبر لدى الجماهير، كما يقول لاري أورايلي، الرئيس التنفيذي لشركة ARHT: “لقد سمعنا من العديد من العملاء أن تأثير التقديم كصورة ثلاثية الأبعاد هو في الواقع أكبر مما لو كانوا يعيشون هناك بالفعل”.
ليس حاجز الوقت والمكان، لكن حاجز اللغة أيضًا، لنفترض أن الحدث يتم بثه في مواقع متعددة حول العالم. على سبيل المثال، يقام الحدث باللغة الإنجليزية، لكن العملاء يريدون إمكانية الحصول على ترجمات فورية باللغات المحلية.
تقليديًا، ما سيفعله منظمو الحدث هو توظيف مترجمين محليين في الموقع، في حالة تقنية التجسيم، لم يعد وجود مترجمين فوريين في الموقع ضروريًا، يمكن نقل الصوت المترجم إلى النظام وإتاحته رقميًا في كل مكان.
أبرز الشركات المطورة لتقنية الوجود المكاني
انتشر استخدام الصور المجسمة لصناعة الترفيه في السنوات الأخيرة، لكن شركة ARHT الكندية إحدى الشركات المطورة لتقنية التجسيم، أدركت بسرعة أن هناك استخدامات أخرى ستولد.
من أبرز الأسباب وراء عدم انتشار تقنية التجسيم بين الأفراد والشركات هو حجمها الكبير والمعدات المطلوبة لتشغيلها
يقول أندرو دوركاس، النائب الأول في ARHT: “عندما تأسست الشركة في البداية، أعتقد أن الترفيه كان محور تركيز عمل الشركة”، لكن الشركة كانت صاحبة المبادرة في إطلاق أول اجتماع مجسم مخصص للشركات المنتجة للمواد الصيدلانية.
إذ عمدت الشركة إلى دمج قرابة 100 شخص معًا من جميع أنحاء العالم مختصين بالطب والصيدلة وجمعتهم افتراضيًا على مسرح واحد وبدأوا بالنقاش والترويج لأحد المنتجات.
كان من أبرز الأسباب وراء عدم انتشار تقنية التجسيم بين الأفراد والشركات هو حجمها الكبير والمعدات المطلوبة لتشغيلها.
قال مدير PORTL: “عملنا منذ 2019 في جميع مجالات التليفزيون والأفلام والموسيقى باستخدام التصوير المجسم من أجل إحياء العروض والحفلات”، وأضاف “في حين أن نموذج PORTL بالحجم الكامل قد يكون مرهقًا بعض الشيء بالنسبة لبعض المنازل والمكاتب، فإن الشركة تطور أيضًا وحدة أصغر يُقدر طولها بنحو 18 بوصة”.
تقدم شركة “DVEholographics” مجموعة من الحلول الثلاثية الأبعاد لتلبية احتياجات البث المختلفة، فتوفر الشركة اتصالات ثلاثية الأبعاد لتطبيقات متعددة، منها اجتماعات الواقع المعزز واجتماعات التجسيم وبمعدات مختلفة، منها ما يناسب الحفلات، ومنها ما يناسب الغرف المكتبية.
المستقبل: العمل مع نسخ رقمية
يعد التقدم الحاصل في تقنية التجسيم بإحداث ثورة في مكان العمل، ستشمل هذه التقنيات استخدام الصور الرمزية والتوائم الرقمية للمساعدة في إضفاء الطابع الإنساني على تجربة العمل عن بُعد.
مع تنامي شبكات الإنترنت في نقل كميات كبيرة من البيانات خاصةً مع البدء في انتشار تقنية الجيل الخامس (5G)، فإن صورة العمل التقليدي ستختلف بالكامل في غضون 10 سنوات قادمة.
قال بول جاكوبس، الرئيس التنفيذي لشركة Qualcomm: “أعتقد أن القوى العاملة ستتبنى نماذج هجينة حيث سيكون بعض الأشخاص في المكتب يعيشون بشكل شخصي، وسيعمل آخرون عن بُعد”، مضيفًا “في النهاية سنتمكن من استخدام الواقع المعزز والافتراضي لتحسين الطريقة التي نتفاعل بها مع بعضنا البعض في مكان العمل تقريبًا، ما سيساعد في إضفاء الطابع الإنساني على تجربة العمل عن بُعد”.