يدلي الناخبون في البوسنة بأصواتهم اليوم الأحد في اقتراع عام هو السابع منذ الحرب
الأهلية، يجري في أجواء أزمة اقتصادية قد تستمر لفترة طويلة، بغض النظر عن الفائزين في هذا الاقتراع الذي يهيمن عليه كالعادة خطاب قومي وانفصالي.
وفتحت مراكز الاقتراع البالغ عددها 5400 مكتب، أبوابها عند الساعة الخامسة صباحًا بتوقيت غرينتش على أن ينتهي التصويت عند الساعة السابعة مساءً، وستعلن اللجنة الانتخابية النتائج الأولية بما فيها نتائج الاقتراع الرئاسي عند الساعة العاشرة من مساء اليوم.
ودُعي حوالى 3,3 مليون ناخب إلى التصويت اليوم، الأحد، لانتخاب أعضاء الرئاسة الجماعية الثلاثة (كرواتي وصربي ومسلم) ونواب البرلمان المركزي وبرلمان جديد لكل من الكيانين الصربي والكرواتي المسلم اللذين يشكلان البوسنة منذ الحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1992 و1995.
ويحكم البوسنة والهرسك مجلس الرئاسة وهو نظام رئاسة دوريّة يضمّ ثلاثة رؤساء يمثلون المجموعات الإثنية والدينيّة المختلفة في البوسنة والهرسك، ويتناوب الرؤساء الثلاثة المنتخبون على رئاسة مجلس الرئاسة كل ثمانية أشهر، والرؤساء هم كرواتي (منتخب من فيدرالية البوسنة والهرسك) وصربي (منتخب من جمهورية سربسكا) ومسلم من البوشناق.
وقال المحلل السياسي “أنور كزاز” لوكالة فرانس برس: إن “الأزمة الاجتماعية تتفاقم وعدد العاطلين عن العمل يزداد وكل الظروف مجتمعة لانهيار اجتماعي”، وأضاف محذرًا “أيًا كان الذين سيصلون إلى سدة الحكم يمكن أن يواجهوا سخطًا اجتماعيًا كبيرًا”.
وأكدت “ناديا قادريتش” وهي سيدة في الخمسين من العمر تعمل في مكتبة، “سأصوت ضد الذين يحكمون حاليًا لأنهم لم يفعلوا شيئًا”، وأضافت “آمل أن يصوت الشبان وأن يملكوا شجاعة اختيار الذين لم يكونوا في السلطة من قبل”.
البوسنة التي يبلغ عدد سكانها 3,8 ملايين نسمة من أفقر دول أوروبا وتصل نسبة البطالة فيها إلى 44% كما يعيش نحو 18% من السكان تحت عتبة الفقر.
وقد هزت البوسنة حركة احتجاجية غير مسبوقة منذ الحرب في فبراير الماضي، ونزل الآلاف إلى الشوارع لإدانة فشل الحكومة في معالجة الفساد وتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة للبوسنة تمهيدًا لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وقاموا بإحراق مباني تضم إدارات حكومية في خمس مدن وكذلك مقر الرئاسة في سراييفو.
ولا تزال مجموعة من المحتجين تتجمع يوميًا أمام المقر الرئاسي للمطالبة بتجديد أعضاء الحكومة، وقال “درنكو كوريستوفيتش” من سكان ساراييفو وهو عاطل عن العمل في الـ 59 من العمر، لوكالة الأنباء الفرنسية “من خلال وجودنا نأمل في تشجيع أكبر عدد من الناخبين على المشاركة في الاقتراع لتغيير هذه السلطات الفاسدة التي تحكم البلاد منذ 20 عامًا”.
وبعد ثلاثة اشهر شهدت البلاد فيضانات غير مسبوقة في مايو؛ ألحقت أضرارًا قدرت قيمتها بملياري يورو أي 15% من إجمالي الناتج القومي في البوسنة.
وقال المحلل “إيفان سياكوفيتش”: إن الشعب كان يأمل في حدوث تغيير حقيقي بعد حوالى 20 سنة على انتهاء الحرب”، وأضاف “ما لم تحدث معجزة، سنغرق أكثر لأن الأوضاع المالية سيئة في هذا البلد الذي يبلغ معدل الأجور فيه 415 يورو شهريًا”.
وذكرت منظمات غير حكومية محلية أن الفساد المتفشي في البوسنة يكلف دافعي الضرائب 750 مليون يورو أي ما يقل قليلاً عن مليار دولار سنويًا، وفقًا لمنظمات محلية غير حكومية.
ويعيش واحد من كل خمسة بوسنيين تحت خط الفقر، ورغم أن الإحصاءات أظهرت أن الاقتصاد حقق انتعاشًا هشًا بنسبة 1.0 في المائة في 2013 بعد تراجع بنسبة 0.5 في المائة في 2012، لم يشعر سكان البوسنة بتحسن في حياتهم اليومية، وذكر “وحيد سيحيتش” المحلل السياسي، أن عددًا متزايدًا من الناس يعيشون في البؤس والفقر، إنهم جائعون.
وقال “حمزة روزاياتش” أحد المتقاعدين في سراييفو إن “السلطات المنتهية ولايتها لم تعمل إلا لمصلحتها الخاصة، لم يفعلوا شيئًا للشعب، المتقاعدون جائعون والعمال جائعون”.
وإلى جانب المشاكل الاقتصادية، تشهد عملية تقارب البوسنة مع الاتحاد الأوروبي تباطؤًا كبيرًا بسبب الخلافات السياسية الإثنية.
فقد فشل السياسيون من المجموعات الإثنية الثلاث الرئيسية – الصرب والكروات والمسلمون – في التوصل إلى اتفاق بشأن الإصلاحات الرئيسية التي تطالب بها بروكسل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان الاتحاد الأوروبي طلب خصوصًا من البوسنة تعديل دستورها الذي وصفته المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في 2009 بالتمييزي حيال اليهود وغجر الروما، وجعلت المفوضية الأوروبية هذا الإجراء شرطًا للسماح للبوسنة بالتقدم بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد.
وكانت مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “كاثرين أشتون” قد حثت البوسنيين أمس الأول، الجمعة، على التصويت للسلطات حتى يتسنى لهم البدء في معالجة القضايا الملحة.
وقالت أشتون “الناخبون لديهم فرصة اتخاذ قرار حول من سيعهدون إليه المهمة لتحقيق تغيير إيجابى فى اقتصاد البلاد والنظامين الاجتماعى والقضائي”.
ويتعلق الخلاف برفض الصرب قبول تعزيز مؤسسات الدولة المركزية الذي يرغب فيه المسلمون.
وكل أربع سنوات ومع اقتراب موعد الانتخابات يصعد القوميون الصرب تهديدات بانفصال كيانهم، وقال رئيس صرب البوسنة المنتهية ولايته “ميلوراد دوديك” الذي ترشح مجددًا للمنصب إن “هدف سياستي هو أن نبتعد أكثر فأكثر عن أن نكون كيان، وأن نقترب أكثر فأكثر من الدولة”.
ورد “بكر عزت بيغوفيتش” العضو المسلم في الرئاسة المرشح أيضًا لولاية ثانية، مساء الجمعة في سراييفو بالقول إن “ميلوراد دوديك والآخرين الذين يدعوهم إلى اتباع هذه السياسة يعرفون أنها مهمة لن تفضي إلى نتيجة”.
وأضاف “أقول لهم مساء اليوم انظروا إلى هذا المشهد وإلى هذه الجبهة التي تشكلونها أنتم (المحتشدون) وأدعوهم إلى التخلي عن أي سيناريو من هذا النوع”.
من جهته، دعا دبلوماسي أميركي سكان البوسنة إلى التصويت بأعداد كبيرة ضد الفساد والاستخدام المغرض للنزعة القومية اللذين يكبحان تقدم هذا البلد.
والبوسنة والهرسك كانت قد أعلنت استقلالها عن يوغوسلافيا في الأول من مارس عام 1992، وهو ما بدأ حربًا أهلية بواسطة الصرب مدعومين من بلغراد، وهي الحرب التي خلفت أكثر من 100 ألف قتيل.
وكان اتفاق دايتون الذي تم توقيعه في نهاية 1995 هو ما أنهى الحرب بتقسيم السلطات بين المسلمين والصرب والكروات.
والنظام البوسني من أعقد أنظمة الحكم الموجودة في العالم إن لم يكن الأكثر تعقيدًا على الإطلاق، فالدولة تنقسم إلى جزئين رئيسيين، الأول هو فيدرالية البوسنة والهرسك، للبوشناق المسلمين والكروات الكاثوليك، والآخر هو ريبابلكا صربسكا للصرب الأرثوذوكس.
يدلي الناخبون بأصواتهم عبر نظام القائمة المفتوحة والتمثيل النسبي، فيما تنقسم البوسنة والهرسك إلى ثماني مناطق انتخابية، ثلاثة في جمهورية صربسكا ذات الأغلبية الصربية، وخمسة في الفيدرالية التي يسيطر عليها المسلمون والكروات.
المصدر: وكالات