فرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) واقعًا جديدًا على كافة المجالات في مختلف دول العالم، وعلى رأسها العملية التعليمية، التي اضطرت معها الدول والحكومات لرسم خطط مخصصة للتعامل المرحلي مع هذا الملف لحين انتهاء الجائحة التي يبدو أنها ستستمر لفترة ليست بالقصيرة.
ما يقرب من 290 مليون طالب وطالبة في مختلف دول العالم انقطعوا عن المدرسة بسبب الفيروس، وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” الصادر في مارس/آذار الماضي، الأمر الذي دفع للبحث عن حلول بديلة ومنها “التعليم عن بعد” حفاظًا على أرواح الطلبة وطاقم العملية التعليمية في المدارس والجامعات.
وفي مصر، اعتمدت حكومة مصطفى مدبولي عدة مبادرات مؤقتة لاستمرار المسار التعليمي في ظل الجائحة، لكنها قوبلت بانقسام حاد في الشارع، بين مؤيد لها ومعارض، هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه مخاوف أولياء الأمور بشأن مستقبل أبنائهم في ظل حالة الغموض التي تخيم على المشهد المفعم بالتصريحات المتناقضة لوزير التعليم.
يذكر أن عدد الطلاب في مراحل التعليم قبل الجامعي في مصر قد ارتفع من 19 مليون طالب، فى العام الدراسى 2015-2016، ليصل إلى 23 مليون، فى العام الدراسى 2019-2020، وفق الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم.
الوزير المثير للجدل
أصدر وزير التربية والتعليم المصري، طارق شوقي، منذ انتشار الوباء بدايات العام الماضي، العديد من التصريحات المتعلقة بمسيرة العملية التعليمية خلال فترة الجائحة كانت مثار جدل وسخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما أن الكثير منها تم التراجع عنه.
البداية كانت مع تهديد أولياء الأمور بعواقب عدم دفع مصروفات المدارس الخاصة رغم توقف العملية التعليمية بمعظم تلك المدارس، حيث خاطب الأهالي قائلا “مفيش فصال” وهو التصريح الذي أغضب الكثير نظرًا لتراجع الحالة الاقتصادية التي فرضت نفسها على الجميع بسبب الجائحة.
يتعامل الوزير مع ملف التعليم في ظل كورونا بمنطق العند والتحدي والتسييس، مؤكدًا أكثر مرة على عدم إغلاق المدارس رغم تزايد أعداد الإصابات، وهو الموقف الذي صدم الشارع المصري بصورة كبيرة.
وفي الوقت الذي كان يوثق فيها المصريون حالات الإصابة اليومية بأعداد هائلة، خرج شوقي ليعلن أن عدد الإصابات بالفيروس في المدارس يتراوح ما بين 300 إلى 500 طالب، وأن 80% من الطلاب المصابين تعافوا من الإصابة، وهو ما أثار سخرية الكثير من المتابعين.
ومن التصريحات المثيرة للجدل كذلك فرض رسوم على دخول الامتحان في المرحلة الثانوية للمرة الثانية، قيمتها 5 ألاف جنيه، في سابقة هي الأولى من نوعها، ما دفع قطاع كبير من الخبراء والمعنيين إلى اتهامه بتحويل الوزارة إلى شركة استثمارية تعمل على جمع الأموال من الناس.
المثير للدهشة أن الوزير رغم ما تشهده مصر من تفاقم للأوضاع بسبب الجائحة أكد أن بلاده من أفضل 3 دول عالميًا فى التعامل مع كورونا تعليميًا، منوهًا أن مستوى مصر التعليمي تقدم بشكل ملحوظ بعد الجائحة، مستندًا إلى تقارير البنك الدولي والمؤسسات الكبرى على حد قوله.
بين الدعم والتشكيك
أصبح “التعليم عن بعد” هو البديل الأكثر حضورًا في ظل الجائحة، وأقرت القاهرة استراتيجية لتطوير هذا البديل، حيث دشنت 3 قنوات تعليمية متخصصة في تقديم الدروس والمناهج الدراسية، بجانب مكتبة إلكترونية مليئة بالفيديوهات والمواد السمعبصرية الداعمة.
ولاقت تلك المساعي تفاعلا نسبيًا من قبل الشعب كما أشار الوزير، ففي مداخلة تلفزيونية له قال إنه “منذ شهر فبراير 2019 إلى نوفمبر 2020 وصل عدد المشاهدات على منصة التعليم الثانوي فقط إلى 340 مليونا”، مضيفًا أن هذا الرقم الذي يعد الأكبر طيلة السنوات الثلاث الماضية، يعكس رغبة أولياء الأمور والطلاب على التعلم والبحث عن المعلومة أينما كانت.
الصحفية المتخصصة في شئون التعليم، إيمان رسلان، في مقال لها على موقع صحيفة “الشروق” المصرية، أشارت إلى أن أزمة كورونا كشفت أهمية التكنولوجيا بالنسبة للعملية التعليمية، لافتة إلى أن الحديث عن استخدام تلك التكنولوجيا كبديل كامل عن المدرسة مسألة تحتاج إلى وقت ليس بالقليل، إذ لا يصح الارتكان لهذا الخيار فى بلد تصل فيه نسبة الفقر 32%.
المقال استعرض بعض الحلول العملية للتعامل مع الأزمة، إلا أن الكاتبة المصرية أشارت إلى أن الأمر يحتاج ما بين 5 إلى 10 سنوات من أجل الوصول إلى المعدلات المطلوبة لإحلال التكنولوجيا الحديثة بدلا من الوسائل التعليمية التقليدية، هذا بخلاف ضرورة تغيير الفلسفة القديمة في إدارة المنظومة التعليمية.
الكثير من خبراء الاقتصاد والعملية التربوية حذروا من فقدان التعليم عن بعد لتأثيره المطلوب في ظل افتقاد الغالبية العظمى من الطلاب والأهالي لمقومات التكنولوجيا المطلوبة (أجهزة لوحية – إنترنت – مهارة التعامل مع الحاسوب) في ظل تراجع وتدني البنية التحتية التكنولوجية في مصر.
مخاوف أولياء الأمور تتزايد
العديد من أولياء الأمور عبروا عن مخاوفهم من حالة الغموض التي باتت عليه العملية التعليمية، والتي تمثلت بتناقض التصريحات الرسمية، وفقدان الرؤية الواضحة بشأن انعقاد الامتحانات من عدمها، بجانب القلق من تزايد معدل الإصابات بالفيروس.
أشرف مسعود، ولي أمر أحد طلاب الثانوية العامة، أوضح أن الوزير يتعامل مع الأزمة بطريقة “المكايدة السياسية”، فصحة الطلاب آخر ما يشغل باله، المهم أن تكون “الأمور تمام” حتى لا يتهم أحد الحكومة المصرية بالفشل في إدارة هذا الملف، رغم أن العالم كله يعاني من تلك الأزمة وليس مصر فقط.
وأضاف ولي الأمر المصري أن الضبابية التي تخيم على المشهد انعكست سلبًا على الحالة النفسية لولده الطالب في الصف الأول الثانوي، الذي يعاني من حيرة شديدة بين إجراء اختبارات أم لا، في ظل تناقض التصريحات، وهو ما كان له أثره على قدراته الاستيعابية واستعداده الدراسي.
“أذاكر ولا ما اذاكرش؟..التقييم بحث ولا امتحان؟.. أروح المدرسة وأواجه خطر احتمالية الإصابة بالفيروس ولا أقعد في البيت بدون دروس؟”، 3 أسئلة تطرحهم الطالبة الإعدادية منه التي تمر في حالة نفسية سيئة بسبب عدم وضوح الأمور أمام عينيها بشأن استكمال العملية التعليمية من عدمها.
الطالبة التي لم يتجاوز عمرها 15 عامًا اتهمت الوزارة بعدم مراعاة مصلحة الطالب، إذ كان من الأولى – على حد قولها – تحديد الموقف مبكرًا، إما إلغاء الامتحانات والاعتماد على أبحاث كما العام الماضي، أو استمرار الحضور الدراسي ومعه عقد الاختبارات التقليدية مع مراعاة الإجراءات الاحترازية، حتى يكون الطالب على بيًنة من الأمر، لا أن يترك هكذا كـ “فأر تجارب” للوزارة.
ما بين تأكيد ونفي، إثبات وتراجع، تسييس وإنسانية، تعاني الساحة التعليمية في مصر من مأزق الضبابية وفقدان البوصلة، ومعها يضيع الملايين من الطلاب المصريين وأسرهم الذين ينتظرون القرار النهائي للحكومة بشأن مستقبل العملية التعليمية هذا العام.