بعيدا عن الغرب.. دوافع التعاون العسكري بين تونس وتركيا

قبل سنوات قليلة، كانت أغلب أسلحة الجيش التونسي تأتي من شركاء تجاريين غربيين، كما كانت المناورات تحدث مع جيوش غربية أيضًا، ولكن هذا الحال تغير في السنوات الأخيرة، حيث توجهت تونس نحو تركيا لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
تعاون كبير
آخر حيثيات هذا التعاون، التدريبات العسكرية المشتركة للقوات التونسية الخاصة مع الجنود الأتراك، فقد أعلنت تونس انتهاء التدريب الذي احتضنته أنقرة، وفق بيان مقتضب لوزارة الدفاع التونسية، وقالت: “في إطار التعاون التونسي التركي، تم خلال الفترة من 17 إلى 25 يناير/ كانون الثاني الجاري، تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة بتركيا، شاركت فيها تشكيلة عسكرية من فيلق القوات الخاصة لكلا البلدين”، وأضافت أن هذا “النشاط مثل فرصة لتبادل الخبرات وتطوير القدرات العملياتية للجانبيْن”.
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن تتسلم تونس طائرات “عنقاء” المسيرة (بدون طيار)، في أول عملية تصدير للطائرة التركية للخارج بعد عامين من المباحثات، وسبق أن أثبتت هذه الطائرات نجاعة عملياتية لافتة بالقتال في ليبيا وإقليم ناغورني قره باغ الذي استعادته أذربيجان من أرمينيا بمساعدة تركية سياسية وإسناد عسكري معلن.
تطوّر دور تركيا في دعم الجيش التونسي في السنوات الأخيرة خاصة من خلال التدريبات والعتاد لمقاومة الإرهاب وكذلك لحماية حدودها مع الجارة ليبيا
بموجب الاتفاق المبرم بين الطرفين السنة الماضية، ستسلم الشركة التركية لصناعات الفضاء (توساش) ثلاث طائرات مسيرة من نوع “العنقاء” إلى تونس، وثلاثة أنظمة تحكم أرضية إلى قيادة القوات الجوية التونسية، وفي السنوات المقبلة سيتم الاتفاق على أعداد أكبر على أن يقوم “بنك أكزيم” التركي بتمويل تصدير أول منصة من “العنقاء”، والتي تمت في عهد مدير عام “توساش” تمل كوتيل، وقد بدأ برنامج التصدير مع استكمال الالتزامات المتبادلة في إطار العقد والإيفاء بشروط القرض الممنوح لتونس.
ووفق الإعلامية التونسية جهاد الكلبوسي، تجمع تونس وتركيا علاقات عريقة تاريخيا وحضاريا، تدعمت بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ قدمت أنقرة لتونس مساعدات مهمة وقروض بشروط ميسّرة، وعلى هذا الأساس توسعت العلاقات التركية التونسية لتشمل المجال الدفاعي.
وكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس سنة 2017، قد أسفرت عن اتفاق تعاون عسكري مهم مع تونس لتدريب الجنود التونسيين في تركيا والاستثمار في المجال الدفاعي التونسي. وفي 25 ديسمبر 2012 ، تم التوقيع على إعلان مشترك حول إنشاء مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين تركيا وتونس في أنقرة من قبل رئيسي وزراء البلدين.
2️⃣ The exercise, attended by a team of Special Forces from Turkey and Tunisia, also stands out as being the first exercise conducted between the Special Forces of the two nations. The exercise is also planned to continue in the upcoming years.https://t.co/ryfrOxxVZW https://t.co/q00hxfKYsN
— T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) January 26, 2021
إلى جانب ذلك، وقعت تونس و5 شركات تركية اتفاقيات بقيمة 150 مليون دولار (اكثر من 400 مليار تونسي) لتعزيز دفاعات تونس العسكرية، وفق رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دميرا، ما يؤكّد تطور التعاون بين الطرفين في هذا المجال.
وشملت الصادرات التركية العسكرية إلى تونس، طائرات مسيرة من طراز “العنقاء-إس” (درون) لشركة “الصناعات الجوية والفضائية” (توساش) ومدرعات من طرازي “كيري” لشركة “بي إم سي” و”أجدر يالتشين” لشركة “نورول ماكينا” وآليات مختلفة مثل الصهاريج والدبابات لشركة “كاتميرجيلار” وأنظمة كهروضوئية لشركة “أسيلسان”.
يذكر أن الجيش التونسي حلّ في المرتبة 73 عالميًا من بين 138 دولة مصنّفة في ترتيب أقوى جيوش العالم لعام 2021 وفق الترتيب السنوي لمؤسسة “غلوبار فاير باور“، فيما احتل الجيش التركي المرتبة الأولى في المنطقة، والـ11عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم لعام2021.
الاستفادة من الصناعات العسكرية التركية
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثمن وزير الدفاع التونسي إبراهيم البرتاجي خلال لقاء مع السفير التركي في تونس علي أونانير “دعم تركيا المستمر لتونس في المجال العسكري”. وعبر البرتاجي عن “أمله في مزيد تطوير التعاون العسكري في مجالات التكوين والصناعات العسكرية ونقل التكنولوجيا والصحة العسكرية واستكشاف مسالك جديدة لهذا التعاون بما يستجيب لحاجيات المؤسستين العسكريّتين التونسية والتركية”.
يؤكّد هذا الأمر سعي تونس للاستفادة من الصناعات العسكرية التركية، خاصة في ظلّ التطور الكبير الذي عرفته الصناعات العسكرية التركية في السنوات الأخيرة، وإثبات فعاليتها في عدد من دول المنطقة، فوفقا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام مؤخرًا عن القوى الصاعدة في تجارة السلاح عالميًا، عرفت تركيا تطورا كبيرا في ترتيبها في مجال تصدير الأسلحة، فقد انتقلت من المرتبة 29 عالميًا في مجال تصدير الأسلحة في فترة 2000-2004، إلى المرتبة 19 في فترة 2010-2014، ثم أصبحت في المرتبة 13 عالميًا في فترة 2015-2019.
يرى المحلل السياسي التونسي مختار غميض أن هذا التفوق التركي في المجال العسكري شجع تونس على مزيد التعاون مع أنقرة، وأوضح غميض في حديث مع “نون بوست” بأن ” تركيا ثاني قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي بصناعة عسكرية محلية متطورة ستكون عنصرا وعاملا مساعدا على دعم تونس عسكريا”.
في نفس الإطار تقول الكلبوسي لـ”نون بوست” بأن “أحد الأسباب التي دفعت تونس للتوجه إلى عقد صفقات دفاعية مع تركيا هو النجاحات الكبيرة التي حققتها الطائرات المسيرة المسلحة التركية من طرازي “بيرقدار” و”أقنجي” ما يفيد بأن تركيا تعيش ثورة مهمة من خلال تسجيل تقدم بارز في عالم صناعة الطائرات المسيرة”.
وتعوّل تونس على إمكاناتها الذّاتية لرفع التحديات الأمنية التي تجلبها، كما تعوّل في نفس الوقت على التعاون الدولي مع البلدان الصديقة على غرار تركيا التي تعتبرها شريكا استراتيجيا.
التخلص من تبعية الغرب
هذا التعاون العسكري، سيمكّن تونس من التخلّص من التبعية للغرب، وفق غميض، فتونس في حاجة لصناعة عسكرية أخرى بعيدا عن المعسكر الغربي حتى تتمكّن من تقوية جيشها واستعدادها العسكري لمجابهة المخاطر التي تترصّد بها. مضيفًا أن “تونس حاليا تبحث عن مصلحتها على أساس الحياد الايجابي، فعقدة التبعية للغرب ليست شرطا إذا توفرت الأسباب وتهيأت الأرضية، خاصة أنها في منطقة تجاذب أمني وعسكري مع تزايد النفوذ الغربي والأمريكي، تحديدا ضمن جهود أفريكوم ومساعيه المحمومة القديمة المتجددة لوضع قدم في شمال إفريقيا”.
هذا التقارب التركي التونسي في المجال العسكري، لن يعجب العديد من الأطراف خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية
وأكّد محدّثنا أن التعاون التركي التونسي بات وثيقا جدا بعد الزيارتين المهمتين للرئيس أردوغان لتونس بعد الثورة، والصفقات التي أبرمت بين الطرفين والمساعدات التركية للجانب التونسي، لمعاضدته في محاربة الإرهاب الذي يترصّد بالبلاد وكذلك لحماية حدودها مع الجارة ليبيا حيث الوضع الأمني يزداد تأزما مع تواتر التدخلات الأجنبية.
بدورها تقول الكلبوسي بأنه “من الطبيعي أن تتجه تونس بعد الثورة إلى عقد شراكات دفاعية مع قوى صاعدة على غرار تركيا التي تعتبر قوة عسكرية كبرى على المستوى العالمي، وهي ثاني أكبر جيش في الناتو وبذلك خرجت تونس من مربع الدفاع العسكري الكلاسيكي الذي كانت تحتكره فرنسا وأمريكا بدرجة أولى.
إذ تشارك قوات عسكرية أميركية في تدريبات مشتركة مع الجيش التونسي بانتظام كما نظمت وزارة الدفاع الأميركية عرضا للطيران العسكري في آذار/مارس الماضي في جزيرة جربة (جنوب) تحت مسمى المعرض الدولي للطيران والدفاع، وخصص البنتاغون دعما للجيش التونسي بحوالي مليار دولار منذ ثورة 2011، وفقا لبيان أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا).
هذا التقارب التركي التونسي في المجال العسكري، لن يعجب العديد من الأطراف خاصة فرنسا وأمريكا، ما يمكن أن يعرقل أي اتفاقيات مستقبلية بين البلدين في حال لم يستطيعا درأ مخاوف تلك الدول.