في الوقت الذي لم يزل فيه الجمر ساخنًا تحت رماد “بريكست” تسير الأجواء بين أوروبا وبريطانيا نحو مزيد من التوتير بعدما وصلت “حرب اللقاحات” بينهما إلى مستويات متقدمة من السخونة والتصعيد، الأمر الذي ربما يقود إلى أزمة دبلوماسية حادة ما لم يتم احتواء التوتر.
قبل أسبوع تقريبًا، خرجت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون درلاين، لتتفاخر أمام قادة أوروبا في القمة التي عقدت في بروكسيل لمناقشة جائحة “كوفيد 19” بأن الاتحاد يملك أكبر حافظة لقاحات في العالم، وأن مخزونه يكفي لتأمين المناعة لثلاثة أرباع الأوروبيين بحلول الصيف المقبل.
وفي اليوم التالي مباشرة وبينما لم تغب بعد سحب النشوة والتفاخر عن سماء القارة العجوز جرّاء تصريحات درلاين استيقظ الجميع على إعلان العديد من الحكومات الأوروبية إعادة جدولة حملات التطعيم، بعدما أبلغت بتأخير موعد استلام الجرعات المتفق عليها مع شركة «أسترازينيكا» البريطانية.
القرار أثار غضب المفوضية الأوروبية التي طالبت الشركة بالالتزام بالعقد المبرم بينهما فيما يتعلق بمواعيد تسليم الجرعات، فيما علقت مفوّضة الشؤون الصحيّة، ستيلا كيرياكيديس على هذا القرار بأن تصرف: “غير مقبول، وعلى البريطانيين تسليمنا الجرعات، لسنا هنا في طابور عند الجزّار”، غير أن إدارة الشركة كشفت أن بريطانيا سبقت الاتحاد في توقيع الاتفاق معها بـ3 أشهر، وأن العقد الموقع بينهما ينص على إعطاء البريطانيين الأولوية في الحصول على الجرعات التي تنتجها الشركة.
وردًا على موقف الشركة البريطانية، قرر الاتحاد الأوروبي منع الشركات المنتجة للقاحات المضادة للفيروس تصدير اللقاحات إلى خارج دول الاتحاد بدون ترخيص مسبق، بما فيها بريطانيا، في محاولة لمواجهة النسخ المتحورة من الفيروس.
نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فلاديس دومبروفسكيس، قال إن تأمين العدد الكافي لمواطني دول الاتحاد هو الغاية من هذا القرار، مطالبًا شركات الأدوية الأوروبية باحترام الجداول الزمنية لتسليم اللقاحات، فيما تم تقسيم الدول نظريًا إلى مناطق خضراء وصفراء وحمراء، وفقًا لمعدلات الإصابة التي تتزايد بصورة كبيرة خلال الأونة الأخيرة.
يذكر أن الجائحة أودت بحياة مليونين و191 ألفا و865 شخصًا في العالم، منذ ظهور حالة الإصابة الاولى في الصين نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، وتتصدر أمريكا قائمة البلدان الأكثر تضررًا جراء الوباء، تليها البرازيل والمكسيك والهند ثم بريطانيا.
Europe invested billions to help develop the world‘s first COVID-19 vaccines and create a truly global common good.
Now the companies must deliver and honour their obligations.
This is why we will set up a vaccine export transparency mechanism. #DavosAgenda pic.twitter.com/xY47vLWvah
— European Commission ?? (@EU_Commission) January 27, 2021
تفاقم الأوضاع
حزمة من الإجراءات اتخذتها دول الاتحاد بعد معدلات الإصابة المرتفعة جرًاء الموجة الثانية من الوباء، أبرزها تشديد قيود السفر على جميع دول الاتحاد والبالغ عددها 27 دولة، بجانب تجنب السفر من وإلى المناطق مرتفعة معدلات الإصابة إلا للضرورة القصوى.
وبدأت حكومات الدول في الاستجابة لمناشدات المفوضية، حيث أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، إغلاق بلاده لحدودها، أمام الرحلات القادمة من الدول غير الأعضاء بالاتحاد، ابتداء من غد الأحد، مع منع الفرنسيين – مواطنين ومقيمين- من السفر إلى دول غير أوروبية.
حتى بريطانيا (صاحبة معدلات الإصابة المرتفعة والأكبر في أوروبا، 3.7 مليون إصابة، والتي أغلقت العديد من دول العالم حدودها معها قبل فترة-) أغلقت هي الأخرى حدودها أمام الوافدين من بعض الدول ذات الإصابات الكبيرة، في مقدمتهم الإمارات وبوروندي ورواندا بهدف منع وصول النسخ المتحورة من الفيروس.
يذكر أن اتفاق “بريكست” ينص على استمرار حركة تصدير المنتجات من دول الاتحاد إلى إيرلندا الشمالية دون قيود، غير أن المفوضية تحايلت على الاتفاق (مستندة إلى المادة 16 من بروتوكول إيرلندا الشمالية التي تسمح بتجاوز أجزاء من الصفقة من جانب واحد) لوقف التصدير لإيرلندا بدعوى أنها بوابة خلفية لإرسال لقاحات الاتحاد إلى أراضي بريطانيا.
I’ve spoken with the Prime Minister @BorisJohnson and @michaelgove this evening. The Government must now take robust action including using Article 16 to advance Northern Ireland and the rest of the United Kingdom. pic.twitter.com/ugemDdll9z
— Arlene Foster #WeWillMeetAgain (@DUPleader) January 29, 2021
أزمة بين بريطانيا والاتحاد
رغم أن توصيات الاتحاد الأوروبي بشأن عدم تصدير اللقاح خارج دوله إلا بإذن مسبق، غير ملزمة (وإن وافق سفراء الدول الأعضاء عليها) إلا أنها تحمل دلالات سياسية قد تقود إلى أزمة بين بريطانيا والتكتل، خاصة وأنها تأتي ردًا على موقف الشركة البريطانية التي تشير أصابع الاتهام لها بـ”تسييس” اللقاحات.
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، انتقد ما أسماه “النظرة القومية” في التعامل مع أزمة اللقاحات، لافتًا في تصريحات صحفية له أن هذا التوجه وإن كان مفيدًا على المدى القصير إلا أنه مستقبلًا لن يكون له أي قيمة “لأن الوباء لن ينتهي إلا إذا انتهى في جميع أنحاء العالم”.
رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في أول رد فعل له على هذا القرار طالب الاتحاد بأن “يوضح نواياه على وجه السرعة”، وذلك بحسب البيان الصادر عن الحكومة البريطانية والذي أشار إلى أن جونسون أعرب خلال حديث له مع رئيسة المفوضية عن “مخاوفه البالغة” بشأن “التأثير المحتمل” لإجراءات الاتحاد الأوروبي على صادرات اللقاحات.
الغضب البريطاني من موقف الاتحاد دفع صحيفة “ذا غارديان” إلى الذهاب لاحتمالية نشوب خلاف دبلوماسي واسع النطاق، خاصة بعدما وصفت رئيسة الحكومة الإيرلندية آرلين فوستر الخطوة بأنها “عمل عدائي”، وهو ما أثار موجة من الضغوط على قادة المفوضية الأوروبية.
وأمام هذا التصعيد تراجع الاتحاد الأوروبي الساعات الماضية عن تهديدات السابقة، موضحًا استئناف تصدير اللقاحات إلى إيرلندا الشمالية، حيث أشارت رئيسة المفوضية، في ساعة متأخرة، أمس الجمعة، إنها “ستعمل على ضمان أن لا يتأثر بروتوكول إيرلندا/إيرلندا الشمالية”.
ورغم محاولة أوروبا احتواء الموقف سريعًا بشأن إيرلندا الشمالية إلا أن نار التوتر مع بريطانيا لا تزال خامدة تحت تراب “بريكست”، فالملفات المرجح أن تثير خلافات وجدلًا بين الطرفين بعد خطوة الخروج رسميًا من شأنها أن تجع القادم أكثر ضجيجًا على أكثر من مسار.